لأي إعمار يجتمعون؟!
بقلم : رشاد أبوشاور ... 04.03.2009
النوايا غير النظيفة، والعبارات المعسولة، والتباكي (إنسانيا) على عذابات الفلسطينيين في غزّة، وإبداء كرم مشكوك في نزاهته، وخلفياته، لا ينطلي على شعبنا الفلسطيني.
لا أحد من شعبنا، في الضفّة، والقطاع، والشتات، يصدّق هذه (الهمروجة) في شرم الشيخ، التي تضّم وفودا من حوالي80 دولة، ومنظمة دولية، أكثرها يحضر (للتسوّق) سياسيّا في سوق بورصة سياسيّة، وأقلها يعرف ما يريد، ويوجّه المشاركين بالضبط حيث يريد.
دول أوربيّة تتبرّع (بسخاء)، من جديد ـ نقول من جديد لأنها سبق وتبرّعت ـ لإعادة إعمار ما دمرّته الحرب التدميريّة التي شنّها الكيان الصهيوني، بغطاء أمريكي، في الأيّام الأخيرة لرئاسة بوش، الذي ختم فترته الثانيّة، لا بإنجاز وعده بالدولة الفلسطينيّة، ولكن بقتل وجرح ألوف الفلسطينيين، وتدمير منازلهم على رؤوسهم.
استمعنا للخطابات الافتتاحيّة في مؤتمر إعمار غزّة، والنهوض بالاقتصاد الفلسطيني، وكلّها خطابات تقفز عن الواقع وحقائقه، وتغّض النظر عن مسببات الدمار، والخراب، والتوتر في (منطقة الشرق الأوسط)!
سبق وأن تبرع نفس المتبرعين بإنشاء مطار غزّة (الدولي) و..ميناء غزّة (العائم) على أشبار من ماء شاطئ بحر (غزّة)، لاستقبال المسافرين والقادمين، واستقبال البضائع، وللتواصل مع العالم، وعند اشتعال انتفاضة الأقصى، بسبب زيارة (شارون) في 28 أيلول (سبتمبر) 2000، والتي كانت فتيل التفجير للاحتقان بعد فشل مفاوضات كامب ديفد، أطلق رئيس وزراء الكيان الصهيوني العمّالي باراك، جحيم الآلة العسكريّة، فدمّر المطار الدولي، والميناء، ومكاتب ومواقع السلطة في رام الله، ومدن الضفة، والقطاع!
لم تكن حماس، أو الجهاد،أو كتائب الأقصى، أو الصواريخ المتواضعة، هي السبب، أو المبرر، لحملة التدمير تلك، ولكنه رفض الكيان الصهيوني لأي مظهر استقلالي فلسطيني، سواء أكانت حكومته عمّالية، أو ليكوديّة، أو (كديماويّة) عمّاليّة كالتي اقترفت محرقة غزّة ...
كّل حكومات الكيان الصهيوني تريد فلسطين كاملة، وطرد أهلها منها، وبشتّى الممارسات، والوسائل، وهذا ما فضحته الحرب على قطاع غزّة، وعمليات الحفر تحت الأقصى، والحرب الصامتة على الفلسطينيين في الـ48 ...
جيش الاحتلال، وبقرارات سياسيّة متوارثة من حكومة إلى حكومة، ينفّذ عمليات التدمير، والقتل، و..الدول (المانحة) تُعيد بناء بعض ما دُمّر، والاحتلال لا يعاقب، ولا يُردع، ولا يُلام، ولا يُعاتب، من أميركا راعيته، وحليفته الاستراتيجيّة، ولا من (أوربة) المنافقة، التي بنت له المفاعل النووي (فرنسا وبريطانيا)، والتي كانت القابلة التي على يديها وُلد، ونما وترعرع، إلى أن احتضنته أمريكا، وتبنته، وأغدقت عليه الرعاية، والدعم، وشجعته على افتراس من يقف في طريقه...
في جلسة الافتتاح سمعنا دعوة ساركوزي لحماس أن تتخذ مواقف محترمة.
محترمة مّمن؟! وكيف تكون مواقف أي طرف فلسطيني محترمة؟! يبدو أنه يقصد أن تكون مقبولة، أي تعترف بدولة الكيان الصهيوني، تماما كما طالبتها وزيرة خارجية امريكا في إدارة أوباما السيدة هيلاري كلينتون!
الكيان الصهيوني يشّن الحروب، ويدمّر، و(هم) لا يدينونه، ولكنهم يغسلون (ضمائرهم) الفاسدة بتبرعات هي في الجوهر تمويل لعدوانات وحروب على الفلسطينيين، وتغطية لزحف الاستيطان الاحتلالي، وتدمير بيوت الفلسطينيين وتغيير معالم القدس، وتوسّع الاستيطان داخلها وحولها، بما يعني أنه لا دولة فلسطينيّة، ولا عاصمة (قدس) لها!
الاقتصاد الفلسطيني دمّر تماما منذ بدأت عملية (السلام)، ومسيرة أوسلو. ونسبة الفقر تضاعفت، والبطالة استشرت، والزراعة تقلّصت، ومع ذلك نسمع كلاما عن النهوض بالاقتصاد الفلسطيني. في شرم الشيخ يُقال ما قيل من قبل في باريس، وفي انابوليس، وسيقال للتضليل، واستدراج قيادات فلسطينيّة استمرأت العيش على الوهم، و..غير الوهم، فهي (مطلوبة) و(مرحّب بها) من كافة الأطراف التي لا تُحاسب الكيان الصهيوني، والخانعة، والعاجزة!
الخانعة والعاجزة بلا لبس هي الأطراف العربيّة، التي تركت الفلسطينيين ليفترسهم الوحش الصهيوني بأنيابه المشحوذة أمريكيّا، حتى إننا لم نسمع عبارات استنكار وشجب وإدانة للعدوان أثناء (محرقة) غزّة، ليس نكاية (بحماس) والمقاومة فحسب، ولكن خنوعا لأمركيا، فالأطراف العربيّة مأزومة، عاجزة، ضعيفة من حيث البنية والتكوين وأسباب البقاء، وهي تحتاج للرضى الأمريكي قبل رضى (الله)، ورضى الشعوب التي تتحكم بها!
أن تبادر بعض الدول العربيّة للتبرّع لإعمار غزّة فهذا نفاق، ومجاملة لأمريكا أولا وأخيرا، وهو تدليس على الشعوب العربيّة، لأن واجب هذه الدول، متبرّعة وغير متبرّعة، أن تدعم الشعب الفلسطيني في صموده، ومقاومته، اقتصاديا وسياسيّا وهي قادرة ـ خاصة وأمريكا مأزومة ومحتاجة ـ وحتى عسكريّا، بالسلاح تعزيزا لمقاومة عرب فلسطين، ولم لا؟!
هذه الدول العربيّة تحاصر الفلسطينيين اقتصاديا ـ وأولها دولة شرم الشيخ صاحبة ماثرة (معبر رفح) ـ وبشريا، بحرمان الفلسطينيين من التنقّل، وعسكريّا بحرمانهم من (تهريب) أسلحة متواضعة يردّون بها على آلة الدمار الصهيونيّة...
الكيان الصهيوني يدمّر، ومئات الملايين للإعمار!
طيّب، وبعدين؟ ألن يعود هذا العدو للتدمير من جديد، كما فعل من قبل؟
أليس من حّق الفلسطينيين أن يقاوموا في الضفّة، بينما القدس تضيع، والأقصى على وشك أن ينهار ليقام بدلاً منه (هيكل) اليهود؟!
إذا كانت أمريكا منحازة، وأوربة منافقة و..منحازة أيضا، فماذا نسمّي الموقف العربي الرسمي؟!
أهلنا بعد 60 عاما أعيدوا في غزّة للعيش تحت الخيام، بسبب تقاعس نظم الحكم العربيّة التي تتفرّج على معاناتهم، وخوضهم المعارك وحيدين، ولا تغسل أيدي هؤلاء (العرب) تبرعات لن تُحرر شبر أرض من فلسطين، فما بالك وهي مبالغ تضاف إلى ما ستقدمه أمريكا وأوربة، وبأهداف سياسية مفضوحة، تشترط الإعتراف بالكيان الصهيوني، والتخلّي عن المقاومة، وتغطية سياسة الاستيطان، والاعتقالات، وإبقاء ألوف الأسرى والأسيرات في المعتقلات والسجون، وفرض هدنة تمكن الكيان الصهيوني من بسط سيادته على كل أرض فلسطين دون مقاومة، وتحويل الفلسطينيين إلى سُكّان غرباء على أرض ليست لهم، و..اقتلاعهم تماما!
اليس هذا هو المخطط الصهيو أمريكي الذي تشارك فيه الدول العربيّة (المعتدلة) أي التابعة، والمرتهنة للسياسة الأمريكيّة؟!
من أطرف ما سمعناه في جلسة الافتتاح في شرم الشيخ، ما بشّر به السيّد برلسكوني رئيس وزراء إيطاليا، عن مواسم سياحة مبشّرة، حيث سيتدفق السياح الأوروبيون لزيارة الأماكن المقدسّة في .. منطقة السلطة!
أبشروا إذا فالسياح قادمون، سيزورون بيت لحم، ويصلّون في كنيسة المهد، ومن بعد سيزورون (القيامة)!
ربّما تفوز السلطة، ما دمنا نخسر الدولة، بعائدات مجزيّة، وخاصة من عائدات الفنادق، ورسوم الزيارات.. والسيد برلسكوني تحدّث بإسهاب عن الفنادق، فهل سيتشارك مع أحد ما في السلطة فندقيّاً؟!
هل يعرف برلسكوني كم تبعد كنيسة القيامة عن مسجد الصخرة؟ وهل يعرف إن كانت الحفريات ستؤثّر على الكنيسة، عندما يتم هدم المسجد؟!
الشهداء، والجرحى، والأطفال الذين خسروا أعضاء من أجسادهم، ومن لم تبق لهم أُسر، ومن يعيشون في هذا الشتاء القاسي تحت الخيام، ومن هم في القبور في الضفة، وفي السجون، وأولوف الشهداء، ومسيرة شعب فلسطين ..ستختتم بـ..ازدهار سياحي، و..فنادق فخمة، و..قدس واحدة هي عاصمة للدولة اليهودية ...
هذا هو النهوض الاقتصادي، وهذه هي عملية الإعمار!
ماذا يتبقّى لك يا شعب فلسطين؟!
الخيار الذي لا خيار لنا غيره، وهذا نقيض لما يُراد لنا في (شرم شيخ)!
www.deyaralnagab.com
|