أين فتح معبر "إيرز" على الأجندة؟
بقلم : د.خالد الحروب ... 11.03.2009
فتح معبر إيرز بين الضفة الغربية وقطاع غزة أهم للفلسطينيين من فتح معبر رفح, رغم الأهمية القصوى والحاسمة لفتح هذا الأخير. برغم ذلك ليس هناك جهد فلسطيني ولا عربي ولا دولي لوضع قضية معبر إيرز على رأس الأجندات التي يتم تداولها الآن: من التهدئة وشروطها, إلى إعمار غزة, إلى المصالحة الفلسطينية. وما هو ملفت ومثير ومرفوض هو عدم الاهتمام الفلسطيني سواء من قبل رام الله أو غزة باعتبار إعادة التواصل الجغرافي الفلسطيني عن طريق معبر إيرز كقضية مركزية تقع في صلب هدف الوحدة الفلسطينية. في ضوء النشاط الدولي الأوروبي والأمريكي الراهن, سواء أكان حقيقيا أم ادعائيا, يجب أن يتم وضع قضية معبر إيرز وسيطرة إسرائيل عليه وقصمها للجغرافيا والديموغرافيا الفلسطينية على رأس الأولويات. سوف تكون المحاججة الإسرائيلية وربما الدولية أيضا هي "سيادة إسرائيل" على الأراضي الواصلة بين المنطقتين الفلسطينيتين وبالتالي صعوبة فتح هذا الملف قبل الوصول إلى تسوية نهائية. بيد أن هذا يجب أن يرفض جملة وتفصيلا لأنه من دون فتح معبر إيرز وتحول الحركة بين قطاع غزة والضفة الغربية إلى حركة تنقل طبيعية بين الفلسطينيين فإن كل موضوع الوحدة الفلسطينية سيظل بعيد المنال بشكل حقيقي وعملي. كل الأطراف الدولية تحمل الآن الفلسطينيين مسؤولية كبيرة بسبب الانقسام الفلسطيني بزعم أن هذا الانقسام هو السبب في "المأزق". لكن هذا ادعاء إسرائيلي يتم تسويقه دوليا أكثر من كونه عملياً, من دون التقليل من الآثار التدميرية لهذا الانقسام. فمنذ أوسلو 1993 وحتى فوز حماس بانتخابات 2006 كانت هناك قيادة رسمية واحدة للفلسطينيين وكان هناك عنوان سياسي واحد للتعامل معه, ولم يكن هناك "انقسام" ومع ذلك لم نر موقفا إسرائيليا أو دولياً يتجه نحو الاستجابة للحقوق الدنيا للفلسطينيين. الانقسام الفلسطيني يُستخدم الآن كمسوغ يتم تضخيمه بشكل كبير. مع ذلك فإن هناك مسؤولية فلسطينية ذاتية في إنجاز الوحدة والتوافق لا يمكن التقليل منها ليس فقط لإبطال هذا المسوغ, بل لمركزية ذلك للفلسطينيين كشعب وقضية.
وهناك الآن تصاعد في القناعة الدولية بضرورة تحقيق توافق فلسطيني, وهذه القناعة يجب أن تستثمر لطرح قضية معبر إيرز على اعتبار أن التوافق الفلسطيني والتواصل بين الفلسطينيين هو شرط شارط لإنجاح أي جهد في أي اتجاه. الوضع الراهن بسيطرة إسرائيل على حركة الفلسطينيين بين الضفة والقطاع هو استسلام للسياسة العنصرية والكولونيالية لإسرائيل. والأطراف الدولية التي "تُبدع" في خلق الصيغ والآليات للسيطرة على معبر رفح من جانبه المصري عليها مسؤولية التدخل لوضع نفس الصيغ والآليات للسيطرة على معبر إيرز من جانبه الإسرائيلي. ومطلوب اليوم وضع إستراتيجية فلسطينية وعربية ضاغطة على تلك الأطراف لكي يكون فتح معبر إيرز وإعادة اللحمة الجغرافية بين الضفة والقطاع اليوم قبل غد. والأفكار التي يتم تداولها نظريا للوصل بين الضفة والقطاع في حال الوصول إلى تسوية ما يجب أن لا تؤجل إلى ما لا نهاية, بل يجب أن تُفصل عن أية أفكار مستقبلية للتسوية, ويُصار إلى تطبيقها الآن كمطلب سياسي وحياتي واقتصادي لا علاقة له بما يدور من أفكار مستقبلية لا يعلم أحد متى سوف يتم تطبيقها.
فتح معبر رفح من دون فتح معبر إيرز معناه العملي تعزيز الانقسام الفلسطيني شئنا أم أبينا. لا يعني هذا مرة أخرى القول: إن فتح معبر رفح غير ملح وحيوي وحاسم لإنهاء الحصار غير الإنساني على قطاع غزة. لكن هناك تورط غير مباشر في مشروع إسرائيلي إستراتيجي بالغ الخطورة يعمل على خلق واقع جديد مفاده فصم القطاع نهائيا. وسوف نرى في المستقبل القريب سياسة وتوجه من قبل اليمين الإسرائيلي المُنتخب حديثاً يعزز ذلك الانفصام ولن يضيره فتح معبر فتح إن لم يشجعه مقابل التشديد أكثر وأكثر على معبر إيرز وتحديد حركة الفلسطينيين بين الضفة والقطاع إلى المستوى الأدنى. أول إفرازات تعزيز الانفصام الفلسطيني الجغرافي, حتى لو تمت مصالحة فلسطينية على مستوى القيادات, هو تعقيد تنظيم أي انتخابات فلسطينية قادمة, لأن مثل هذه الانتخابات تعني وجود وحدة عضوية عبر الجغرافيا الفلسطينية.
أقنوم الأمن ومسوغاته الذي تسوقه إسرائيل يجب إبطاله أيضا. فإذا كان معبر فتح سوف يُعاد فتحه تحت رقابة دولية فمعنى ذلك أن كل من يدخل قطاع غزة ويريد أن يصل إلى الضفة الغربية سوف يكون قد "أجيز أمنيا" من قبل تلك الأطراف ومن قبل إسرائيل بشكل غير مباشر. فإذا كانت إسرائيل تسيطر عمليا بشكل مباشر أو غير مباشر على معبر رفح فليس لها استخدام المسوغ الأمني لفرض الإغلاق في وجه الفلسطينيين بين الضفة والقطاع. ليس هناك استسهال لتحد صعب يجب خوضه ضد إسرائيل على هذا الصعيد, لكن هناك تغير في المناخ الدولي يجب استغلاله والمجادلة بأن التواصل الفلسطيني الديموغرافي والاقتصادي والاجتماعي بين الضفة والقطاع هو أولوية إستراتيجية. في نفس الوقت هناك مسؤولية كبيرة على القوى الفلسطينية كلها ومن دون استثناء سواء في قطاع غزة أو في الضفة الغربية إزاء خلق الظروف المواتية والتي تحشد موقف دولي بهذا الاتجاه. كل فلسطيني, وغير فلسطيني, يدرك أن استدامة الانفصام الجغرافي تعني تخليق هويات مناطقية متباينة, وتجارب اجتماعية وثقافية وسياسية, وكينونات تبتعد تدريجيا عن بعضها البعض مع مرور الزمن تعقد أي وحدة مستقبلية حقيقية.
باختصار: يجب وضع قضية معبر إيرز في قلب الحركة السياسية الحالية وعلى كل الصعد. أي مبادرة أو جهد فلسطيني أو دولي يجب أن يُفرض عليه تبني هذه القضية. فإن كان المطلوب مصالحة فلسطينية حقيقية وليس صورية فإن ذلك لا يتم بالمعنى الفعلي للمصالحة من دون تسهيل تواصل الفلسطينين فيما بينهم. وإن كان هناك نية حقيقية لإعمار قطاع غزة فإن ذلك لا يتم من دون ذلك التسهيل, لأن العمالة الفلسطينية والشركات الفلسطينية والاستثمار الفلسطيني هو الذي يجب أن يقوم بالإعمار. وإذا كان هناك تهدئة يُصار إلى الوصول إليها فإنها يجب أن تشترط فتح معبر إيرز قبل معبر رفح. وحتى البرنامج السياسي الهروبي لنتنياهو وحزب الليكود الذي يطرح فكرة "السلام الاقتصادي", ويريد الإفلات من أية استحقاقات سياسية, يجب دحضه على أساس أنه مستحيل التحقيق طالما ظل وضع معبر إيرز على ما هو عليه الآن – وهذا لا يعني المصادقة على مشروع نتنياهو ولا يعكس أدنى قناعة به. بل المقصود هو استخدام كل المسوغات والحجج للتدليل على أنه من دون فتح الضفة على القطاع فإن كل ما يُطرح الآن لا معنى حقيقي له على أرض الواقع. ما يحدث على أرض الواقع سواء بنوايا سيئة أو نوايا حسنة وبغض النظر عن كل الأطراف ومواقفها هو خلق كيانين فلسطينيين منفصلين.
www.deyaralnagab.com
|