logo
حوار مع الشاعره الفلسطينية آمال عواد رضوان!!

بقلم : مهند صلاحات ... 27.02.2009

[ازدياد عدد المبدعات في الآونةِ الأخيرةِ يدلُّ على اتّساعِ مداركِ ووعيِ المجتمع... المرأةُ هي الكائنُ الأجملُ في منافي الحياةِ اللئيمةِ القبيحةِ... مجتمعَ المثقّفين والقرّاءِ يَحكمونَ على النّصّ من خلال السّيرةِ الذّاتيّة للكاتب]

تعتبر الشاعرة الفلسطينية آمال عواد رضوان واحدة من جيل الأديبات الفلسطينيات اللواتي ظهرن في بداية الألفية الجديدة، معلنات عن جيل جديد، يحملن في ثنايا أدبهن هموم شعبهن العامة، والهم الحياتي الخاص، في مزيج شعري نثري مفعم بالتفاصيل التي تليق بسمة العصر، لتقف بصف شعراء النثر المدافعين عن خصوصية القصيدة النثرية، بوصفها قصيدة شعر عربية حداثية بامتياز.
مجلة رؤية حاورت الشاعرة آمال بعد صدور ديوانها الأخير سلامي لك مطراً والذي صدر بالتعاون مع دار الزاهرة للنشر والتوزيع، والمركز الثقافي الفلسطيني- بيت الشعر، والذي لاقى ترحاباً من نقاد ومثقفين عرب من أمثال الشاعرة الأديبة سمر محفوض، والدكتور إبراهيم سعد الدّين من القاهرة، والشّاعرُ محمّد حلمي الرّيشة، ود.بطرس دلة، وهو الديوان الثاني لها بعد ديوانها الأول بسمة لوزية تتوهج في العام 2005، الذي قدّمها فيه الشاعر الفلسطيني مُحَمَّد حِلمِي الرِّيشَـة، وتكشف فيه عن بداياتها الأولى في الكتابة، وتتحدث عن تجربتها كشاعرة فلسطينية واعدة شقت طريقها في زحام الظروف الاجتماعية والسياسية والناس، وكسرت طوق العادات والتقاليد والاختباء خلف الأسماء المستعارة هرباً من قيود المجتمع وطوقه.
يقسّم في العادة الأدباء والشّعراء بحسب المرحلة الزّمانيّة، إلى كلاسيكيّ وحداثيّ وما بعد حداثيّ، ومن ناحية أخرى، يتمّ تقسيم الشّعراء، إلى مدرسة الشّعر الحرّ والنّثر والتّفعيلة والعمودي وغيره. إلى أيّة عائلة شعريّة تنتمين؟ ولماذا؟
- تفيض الرّوحُ بعطرِها كلّما هاجتْها ذاكرةُ المكانِ وذكرى الزّمانِ، وكالبخورِ تظلُّ تعبقُ بنردينِها على جمرةِ الحواسّ، تُذكيها ومضةُ شرارةٍ، فتُلهبُ المشاعرَ ببوحِ عطرِها، حينَها تنطلقُ عصافيرُ النّفسِ من أقفاصِ صدرِها، لتحلّقَ في أثيرِ الكلمةِ الطّلقِ، دونَ تأطيرٍ ودونَ تكبيلٍ، وما إن يمتلئُ صدرُها ببياضِ هوائِها وأريجِها، حتّى ترفرفَ بأجنحتِها، وتعلُوَ وتهبطَ في غيبوبةٍ لذيذةٍ، تُغمضُ عيونَها، وتزقزقُ راقصةً ثملةً، في فضاءِ طقسِها الشّعريِّ.
لا أجدُني أنتمي إلى مدرسةٍ شعريّةٍ محدّدةٍ، إنّما أنتمي إلى تلقائيّةِ روحي وعفويّةِ نفسي، وبمنتهى الفوضى الشّعريّةِ التُدوِّخُني، ودونَ التزامٍ أو تقيّدٍ بخطوطٍ وشاراتٍ معيّنةٍ، بدُوارٍ عذبٍ، تسيرُ قافلةُ الوجدانِ في تيهِ صحرائِها، في اتّجاهاتِها العشوائيّةِ إلى حيثُ اللا اتّجاه، وعلى غير هُداها، تُهديني مرآة روحي، فأقشعُني في ظلمةِ الوقتِ المسروقِ.
ما أكتبُهُ هو مرآتي، يعكسُ روحي، وهو نابعٌ من ذاتي ولِذاتي، وعلى سجيّتِها تتواردُ غزلانُ الحروفِ إلى منابعِ النّفسِ، تنهلُ من وجدانِها بما تجودُ به، حتّى ترتويَ الحروفُ والكلماتُ، فيفرفحُ النّصّ وينتعشَ.
من أيّةِ بوّابةٍ دخلتِ إلى الشّعرِ، ولماذا تكتبين؟
- من بوّابةِ الحياةِ ولجتُ عالمَ الشّعرِ المسكونِ بي، هذهِ الغابةُ الضّيّقةُ الشّاسعةُ المسكونةُ بالنّقائضِ، تتداخلُ النّوافذُ فيها بالمنافذِ منها وإليها، تُلزمُكَ الصّمتَ في جَلَبَةِ ثرْثرَتِها، والصّراخَ في هدْأةِ غفْوَتِها، تُؤَرْجحُكَ ما بين أدغالِها الموحِشةِ الخلاّبةِ، وتترُكُكَ على ضفافِ التّأمُّلاتِ العقيمةِ والتّساؤلاتِ الوَلودةِ:
أينَني مِنَ البَشَرِ؟ وأينَ البشرُ مِنَ الإنسانيّةِ؟
أينَها الإنسانيّةُ الطّرزانيّةُ في فوضى الأوجاعِ اللاّمحدودةِ؟
وتظلُّ التّساؤلاتُ تتناهبُها أصابعُ الرّياحِ الحديديّةِ الهشّةِ.
يا ترى، أيُّ توازنٍ يُقدّمُهُ لكِ الشّعرُ؟
- الشِّعرُ لا يقدّمُ لي توازنًا بمعناهُ النّفسيِّ، أو بأيّ معنًى آخَر كما يقولُ البعضُ، لأنَّ الشّاعرَ مسكونٌ بهواجسَ لا تهدأُ ولا تكنُّ، طالما حواسّهُ مشرّعةٌ لأنفاسِ الحياةِ. الشَاعرُ مرهونٌ بكفِّ عفريتٍ، يَجعلُهُ باستمرارٍ على فُوّهةِ بركانٍ لا يَخمَدُ، وإنْ يهدأ أحيانًا، فالشّاعرُ على وتيرةِ الاضطرابِ، يظلُّ يُداعبُ أوتارَ الحواسِّ في معزوفاتٍ تتوالى وتتعالى وتتهاوى، فلا تصِلُ سماءً لتركُنَ، ولا تصِلُ أرضًا فتَسكُنَ، هو قضاءُ الشّاعرِ أنْ يظلَّ هائمًا ما بينَ أديمٍ وسديمٍِ.
كيف تُقَيِّمينَ تجربةَ الشّعرِ الفلسطينيِّ في الوقتِ الحاليِّ، إذا ما استثنيْنا الرّموزَ الكبيرةَ المكرَّسةَ فيه؟
- لا هويّةَ للشّعرِ بمنظوري المتواضعِ، فالشّعرُ هوَ لغةُ الإنسانيّةِ، لا يخضعُ للونٍ أو عِرقٍ أو دينٍ أو مذهبٍ أو حزبٍ أو زمانٍ أو مكانٍ، إن اجتثثْنا منهُ أسماءَ معالمَ وأعلامَ، ولا يمكنُ للتّاريخِ والجغرافيا أنْ يؤطِّرا الشّعرَ، فالمضامينُ بمواضيعِها تتشابهُ في جُلِّها وعلى غالبِها، باختلافِ التّعابيرِ والأساليبِ والقواميسِ اللّغويّةِ والمفرداتِ والمتغيّراتِ، في عالمِنا العربيِّ الموجوعِ المألومِ على الأخصّ، وفي العالمِ أجمع على الأعمّ.
حينَ اقرأُ قصيدةً، يهمُّني جدًّا ألاّ أعرفَ كاتبَها أبدًا، كي أتذوّقَ بمنتهى الصّدقِ والموضوعيّةِ مضمونَ النّصِّ، لأنَّ الشّاعرَ والفنّانَ على مختلفِ إبداعاتِهِ وفي شتّى درجاتِهِ بتدرّجها، يتراوحُ إبداعُهُ ما بينَ صعودٍ وهبوطٍ.
قد تطفو على السّطحِ رموزٌ تَنحتُها وتُشكِّلُها وتُحجِّمُها جهاتٌ معيّنةٌ يخدمُها، رموزٌ نكرِّسُ لها جُلَّ الاحترامِ والتّقديرِ، وحتّى التّقديس أحيانًا، إن لم يكُنْ في بعضِ الأحايينِ شِبْهَ تأليهٍ، فيما هناكَ أيضًا مبدعونَ آخرونَ، لم تُواتِهِم الفرصةُ الإعلاميّةُ، وبقَوْا تحتَ الرّدمِ دونَ الالتفاتِ إليهم، وقدْ يكونونَ أكبرَ شأنًا وأبدعَ شعرًا، من رموزٍ جالتْ وصالتْ بهم أجنحةُ الإعلامِ التُرفرفُ.
هل تَرَيْنَ أنّ الأوضاعَ السّياسيّةَ الحاليّةَ، قد أثّرتْ على تجربةِ الإبداعِ عندَ المرأةِ الفلسطينيّةِ ؟ وهل كانَ هذا التّأثيرُ إيجابيًّا أم سلبيًّا؟
الشّاعرُ هو مُبدِعُ النّصِّ، وزارعُ زهورَ الحروفِ في حديقةِ نَصِّهِ، راويها ومُنَسِّقُها، يرعاها بروحِهِ، بنشاطِهِ ومثابرتِهِ وحِسِّهِ وإخلاصِه لها، إضافةً إلى البيئةِ الاجتماعيّةِ والسّياسيّةِ والنّفسيّةِ والثّقافيّةِ وما يتلوها من مكوِّناتٍ أخرى، كلُّها تُشَكّلُ مجموعَ الظّروفِ الّتي تُؤَثِّرُ على القصيدة، فكلّما كانتِ الظّروفُ أقسى، زادَ شقاءُ الشاعرِ بمضاعفةِ جهدِهِ.
لذلكَ، ما نلاحظُهُ في النّصوصِ الأدبيّةِ عامّةً والشّعريّةِ خاصّةً، أنّها مرهونةٌ بالظّروفِ، يغلبُ عليها طابعٌ واحدٌ في معظمِها، ألا وهو الطّابعُ النّضاليُّ والنّقدُ الاجتماعيُّ والسّياسيُّ، والعاكسُ الأثرَ السّلبيَّ والموجِعَ للإنسانِ.
هذا الانسياقُ وراءَ مَركبةِ الظّروفِ، جَعَلَتِ الصّوَرَ واللّوحاتِ تتكرّرُ، ولكن بألوانَ تتعدّدُ، بذاتِ الطّابعِ المألوفِ، ولكن بإضاءاتٍ تتشكّلُ وتتنوّعُ،
وقياسًا لحضورِ الرّجلِ، فالمرأةُ أظهرَ دورُها على نُدرتِه في مجالاتٍ محدّدةٍ، في النّاحيةِ الاجتماعيّةِ والسّياسيّةِ إضافةً للرّثاءِ، فهل الهمُّ العامُّ ألغى الهمَّ الخاصَّ للشّاعرةِ بِحُكْمِ الظّروفِ ؟ أم أنَّ المجتمعَ قد حدّدَ دورَ الشّاعرةِ المرأةِ في التّعبيرِ عن مشاعرِها وتقبُّلِ إبداعِها؟
وبرأيي، فالشّاعرُ والشّاعرةُ هما عودُ الحياةِ، يتناولانِ جُلَّ المواضيعِ بكافّةِ تعبيراتِها وعبراتِها، بكلِّ دقائقِ تفاصيلِها وحقائقِها، بمعزوفاتِها ومقاماتِها، يعزفانها دونَ عُزوفٍ عن إحداها، يتحدّثانِ عنها دونَ أن يكونَ لموضوعٍ ميزةٌ تتفوّقُ على ميزةٍ أخرى.
لا تزالُ مسألةُ التّعبيرِ عن العواطفِ، بالنّسبةِ للمرأةِ في المجتمعاتِ العربيّةِ الشّرقيّةِ، مَحَلَّ نقاشٍ، فما حجمُ الحرّيّةِ في نصِّكِ الشّعريِّ؟
- الحياءُ في التّعبيرِ الكتابيِّ لعبَ دورًا كبيرًا في إحجامي وإبعادي عن النّشر، وما أكثرَ ما كتبتُ ومزّقتُ وحرقتُ، فليس سهلاً أن تخترقَ ذاتَكَ لتَراكَ بضعفِكَ، بدمعِكَ، خصوصًا، وأنّ مجتمعَ المثقّفين والقرّاءِ العاديّين، يَحكمونَ على النّصّ من خلال السّيرةِ الذّاتيّة للكاتب، وليس من خلال السّيرة الذّاتيّة للمجتمعِ بأكملِهِ وبمَن حولَهُ، وكأنّ ما يكتبُهُ الشّاعرُ هو بالضّرورة يحكي عن تجربتِهِ الخاصّةِ، وهذا فيه الكثيرُ من الإساءةِ للشّاعرِ، خصوصًا إن كانت شاعرة.
لقد كتبتُ على صفحاتِ النّتّ لفترةٍ وجيزةٍ، وقد كانَ يقرؤُني العديدُ من الشّعراءِ والنّقّاد، وما كان أسعدَني بتلكَ اللّحظةِ، حين بادرَني د. جمال قباني من سوريا، بتعليقٍ نقديٍّ موسّعٍ في إحدى قصائدي، متنبِّئًا أنَّ وراءَ هذهِ النصوصِ الشّعريّةِ، تتخفّى وتكمنُ شاعرةٌ واعدةٌ، كما تلاه أيضًا د. إبراهيم سعد الدّين من القاهرة، بنقدٍ موسّعٍ حولَ ثلاث قصائد من نصوصي.
حتى ذلك الحينِ، كنتُ أكتبُ تحتَ اسمي المستعار "سحر الكلمات"، إلى أن كانَ اليومُ الذي ظهرَ فيه الشّاعرُ محمّد حلمي الرّيشة، والذي قرأ نصوصي وكان يرقبُني من على بُعْدٍ، فكتبَ تعقيبًا يُطالبُني بالتّصريحِ باسمي الحقيقيِّ دونَ رهبةٍ أو وجلٍ، لأنّ ما أكتبُهُ لا يمثّلُ شاعرةً بشخصِها، بل يمثّل وطنًا، وقد ألحّ على نشرِ النّصوصِ في مجموعةٍ شعريّةٍ تحملُ اسمي الصريح، متبنّيًا فكرةَ النّشرِ من خلالِ بيتِ الشِّعرِ الفلسطينيِّ في رام الله.
هكذا ومن خلالِ تشجيعِ كادرٍ من النّقّادِ والشّعراءِ، أشرقَتِ البسمةُ اللّوزيّةُ بوهَجِها، وقد كان نورُ الوهجِ مصحوبًا باستغرابٍ شديدٍ ممّن يعرفُني ويحيطُ بي، ومنذُهُ قامت قرابة تسعُ قرات ومقاربات ودراساتٍ حولَ البسمةِ التتوهّجُ بمضمونِها.
الشّاعر هو شاعرٌ بغضّ النّظرِ إن كان امرأةً أو رجلاً، فلا علاقةَ لذلك بالتّعبير، إن كان يرقى كلاهُما إلى ما يُشيد بهذه العواطف، ويسمو بها إلى مراتبِ الرّوحِ السّاميةِ، بعيدًا عن هيوليّةِ الجسدِ الفاني.
كيف يمكنُ لشخصيّةِ المرأةِ المُبدعةِ والشّاعرةِ، أن تُحقّقَ طموحَها في مجتمعِنا الفلسطينيِّ، في ظلِّ هذه التّناقضاتِ الاجتماعيّةِ، والظّروفِ السّياسيّةِ العاصفةِ، والّتي تعصفُ بكلِّ شيء
- المرأةُ هي الكائنُ الأجملُ في منافي الحياةِ اللئيمةِ القبيحةِ، والمرأةُ هيَ الأنقى والأطهرُ في نفاياتِ الظّروفِ القاسيةِ التي تمرُّ بها المجتمعاتُ المظلومةُ المستعبدةُ، والمسيَّسةُ بحُكمِ القويّ.
المرأة هي لمسةُ البياضِ النّاصعِ، لكلِّ جانبٍ أسوَدٍ مُعتمٍ يحملُ في جنَباتِه مراثي الحياة.
أومنُ أنّ للمرأة أدوارًا أكبرُ رحمًا لإنسانيّة تتشظّى قهرًا، وأوسع رحمةً لوطنٍ يتلوّى كمدًا ومهانةً، وأكثرُ حنانًا لطفلٍ يتسوّلُ كرامةً تتمرّغُ على حوافِّ عينيهِ.
المرأةُ هي الأمُّ والزّوجة والحبيبة والمُربّية والسّاندةُ لأسرتِها ولزوجِها، وهيَ الرّفيقةُ في دروبِ المعاناةِِ إن كانَ يلازمُها زوجُها دربَ الحياةِ والبيتِ، وإن غابَ عنها في سجنِ الموتِ والقيدِ، غدتِ المرأةُ رجلاً وأبًا وناطورًا لكرمِ زيتونِها العاري، فتلكَ النّعجةُ الوديعةُ تغدو لبؤةً تستبسلُ في حمايةِ عرينِها، كي لا يضلَّ خرافُها أو تفترسُها الذّئابُ الضّالّةُ في ظلِّ ظروفِ الحربِ والقهرِ القاهرةِ.
هل لتلكَ الشّخصيّةِ الفذّةِ المتميّزةِ هذه، إلاّ أن نؤازرَها بالعِلْمِ والثقافةِ والوعيِ والاحترامِ، والإعلاءِ من شأنِها، كي ترفعَ من شأنِ أسرتِها ومجتمعِها ووطنِها والإنسانيّةِ جمعاء؟
هذا الكائنُ العظيمُ المدعو امرأةً، وهي وضّاءةُ الجبينِ في أحلكِ الظّروفِ واللّيالي، ما أندى كفَّها بعطائِها وفي أقحطِ المواسمِ وأغبرِها، إن تُعْطَ حقَّها من خلالِ وعيِ المجتمعِ الّذي تعيشُ به.
المرأةُ لها أن تُبدعَ وتُنجزَ على أعلى المستوياتِ، وبأرقى المعاييرِ وأنقى الموازينِ، فيما لو تواجدتْ بمجتمعٍ ينظرُ إلى كينونتِها، يُعاملُها كإنسانٍ له كيانٌ كاملٌ متكاملٌ، وليسَ كأنثًى محدودةِ الحركةِ في إطارِها المرسومِ لها.
كيف تنظرينَ لإسهامِ المرأةِ في تدوينِ التّاريخِ والتّراثِ الفلسطينيّ، وما يحملُهُ هذا التّاريخ والتّراثُ كذلكَ، من محاولاتِ نهبٍ وطمسٍ للهويّةِ وغيرِها؟
- رغمَ محدوديّةِ إمكاناتِ المرأةِ بحركتِها، ورغمَ قلّةِ الحيلةِ بسببِ الظّروفِ الصّعبةِ المحيطةِ بها في فتراتٍ عصيبةٍ سابقةٍ، فقد استطاعتِ المرأةُُ أن تشقَّ الحواجزَ المانعةَ بقدرتِها الشّخصيّةِ الفرديّةِ، من أجلِ أن تقولَ كلمةً توثيقيّةً لتاريخِ بلدِها وتراثِهِ وأوجاعِهِ.
أسوقُ أسماءَ بعض النّساءِ الجليلاتِ، مثل الأديبة "نائلة لبّس" من النّاصرة، والتي بادرتْ إلى توثيقِ الفولكلورِ الحيِّ من العجائز، بأمثالِهِ وغنائِهِ الشّعبيِّ في الأفراحِ والتّعديدِ في الأتراحِ، كذلك السّيّدة "نهى زعرب قعوار"، فقد عملتْ على كتابةِ تاريخِ النّاصرة، بأناسِها وعائلاتِها ومعالمِها بصورٍ موثّقةٍ، و"الشّاعرة فدوى طوقان" أيضا لعبتْ دورًا في تأريخ حقبةٍ زمنيّةٍ بكيفيّة معايشتِها بأحداثِها، من خلالِ أشعارِها وكتابةِ سيرتِها الذّاتيّةِ، كما أنّ هناكَ أسماءَ أخرى عديدةً عملتْ على توثيق ما أمكنَ، قد يكونُ عددُهُنَّ أقلَّ بكثيرٍ من عددِ المبدعين الرّجال، لكن ازدادَ في الآونةِ الأخيرةِ عددُ المبدعاتِ، وهذا يدلُّ على اتّساعِ مداركِ ووعيِ المجتمعِ، رغمَ قسوةِ الظّروفِ، ورغمَ كلَّ الرّغمِ.
كيف تنظرينَ لتجربةِ النّثرِ، وهل هي جنسٌ أدبيٌّ مستقلٌّ، أم أنّها امتدادٌ لتطوّرِ القصيدةِ العربيّةِ؟
- قصيدةُ النّثرِ لا زالتْ تخضعُ منذُ عشراتِ السّنين للدّينونةِ والمحاكمةِ، وتدورُ حولَها تساؤلاتٌ غير محدودةٍ حولَ اسمِها بالذّاتِ، إن كانَ يمكنُ تصنيفُها في قالبٍ شعريٍّ مستقلٍّ، أم نثريٍّ خاصٍّ، أم جنسٍ أدبيٍّ لا يمتُّ الشّعرَ بِصِلَةٍ، أما أنا شخصيًّا، لا يحتلُّ هذا الموضوعُ جزءًا من اهتماماتي، ولا يشغلُ بالي، كما لا تهمُّني الأسماءُ ولا المسمّياتُ والتّصنيفاتُ، فلا الكنيةُ ولا اللّقبُ ولا الصّفةُ يمكن أن تجعلَ من هذا النّصَّ أو ذاكَ مستحقَّ التّقدير أو لا، وإنّما النّصّ نفسَهُ يُثبتُ حضورَهُ بزخمِهِ ولغتِهِ وجمالِهِ. وبالتّالي، على المبدع أن ينشغلَ بإبداعاتِهِ وتطويرِ لبِّها وجوهرِها، ولْيَجْعَلِ القشورَ لمن يتفرّغونَ لتقشيرِها، فالمبدعُ الحقيقيُّ هو مَن لا يلتفتُ إلى الوراءِ، وإنّما يسعى جادًّا في شقِّ دربِ إبداعِهِ.
كيف تَصِفينَ فِعْلَ كتابةِ القصيدةِ؟ وما الّذي تريدينَهُ مِنَ القصيدةِ؟
- للكلمةِ قُدسيَّتُها وسحرُها الآسرُ، في متاحفِ الجمالِ المطموسةِ بأنفاقِ النّفاقِ والقبحِ على أشكالِهِ، والكلمةُ الجميلةُ الصّادقةُ تُبدعُ وتَخلقُ، تُطرّزُ وتَرسُمُ، وتُبهِرُ النّفسَ، فتزرع الفرحَ في حناياها، وتُشيعُ السّكينةَ والأملَ في خلاياها.
للقصيدةِ أَلَقُها وروْنَقُها البديعُ حينَ تضجُّ بصمْتِها، تعترضُ وتُعارضُ وتستعرضُ بشفافيّةِ عينِها الثّاقبةِ، ما يَخفى عن العينِ الرّائيةِ، فالقصيدةُ هي الأشعّةُ الخارقةُ للحواسّ، تُصوِّرُها، تُجرِّدُها، تُجسِّدُها، تُترجمُها، وتَجعلُها عينًا ثالثةً وأذنًا ثالثةً، وحاسّةً تفوق الحواسّ الخمس.
شخصيًّا، لا أريد شيئًا من القصيدةِ، بل هي من تريدُني دومًا، تَخترقُني، تُربكُني، تُقلقُني، تَغتصبُ نومي ومنامي، تُلاحقُني، تُطاردُني، تستدرجُني الى كمائِنِها، تُمسكُ بي، تُعاقبُني، تُعذّبُني وتَستنطقُني إلى أن أَقولَني.
كيف تلمسينَ التّقدّمَ في تجربتِكِ الشّعريّةِ، منذُ أوّل مجموعةٍ شعريّةٍ "بسمة لوزيّة تتوهّج"، وحتّى مجموعتِكِ الشّعريّةِ الأخيرةِ "سلامي لكَ مطرا"، والّتي صدرتْ مؤخّرًا؟
- المجموعةُ الأولى "بسمةٌ لوزيّةٌ تتوهّج"، كانت بمثابةِ كسرِ حاجزِ الخوفِ والرّهبةِ، فقد كان يلزمُني أن أتزوّدَ بمؤونةٍ معنويّةٍ كبيرةٍ في تلك المغامرةِ الجريئةِ، والتي أُعلنُ فيها للمرّةِ الأولى عن اسمي الصّريحِ، وفي الوقتِ ذاتِهِ، عن ريشةِ قلمٍ ترسمُ أولى لوحاتِها الشّعريّةِ، فقد حرصتُ ألاّ يكونَ إبداعي للاتّجارِ والبيعِ، ولم أوزّعْ من المجموعةِ سوى عشراتِ النّسخِ، لأسماءَ محدّدةٍ من ذوي التّخصّصِ اللّغويِّ والنقديِّ ولبعضِ الشّعراءِ، وذلك من أجلِ جسِّ النّبضِ حولَ ردودِ الفعلِ لمضامينِ المجموعةِ.
الحمد لله، لقد كانت المفاجأةُ أكبرَ بكثيرٍ من توقّعي، وقد حظيَتِ المجموعةُ باهتمامٍ بالغِ الأثرِ في نفسي، وهكذا كانت المؤونةُ المعنويّةُ بزَخَمِها، مَثارَ تحفيزٍ وتحميسٍ من أجل متابعةِ المشوارِ الشّعريِّ، وتَحَمُّلِ مشقّاتِ وُعورَةِ الدّربِ، للإتيانِ بما هو أجودُ وأنجعُ وأجملُ، وفي العام (2007) كانت اللّوحة الثّانيةُ "سلامي لك مطرًا"، قبل مدة قليلة، والحمد لله رصيدي المعنويّ في ازديادٍ، من حيث تقبّلِ الآخرين لنصوصي، ولكن بالمقابلِ، هذا العبءُ يزيدُني إصرارًا، على التّفرّغِ والتّفرّدِ بما رسمتُهُ لهذا الدّرب.

خاص: الحقائق ... المصدر: الشاعره امال عواد رضوان

www.deyaralnagab.com