شرعية منظمة التحرير الفلسطينية !
بقلم : نقولا ناصر* ... 21.03.2009
إذا لم يقد الحوار الفصائلي الجاري في القاهرة إلى فرز واضح ينهي الخلط المتعمد غير البريء بين شرعية منظمة التحرير الفلسطينية وبين شرعية لجنتها التنفيذية وبينها وبين سلطة الحكم الذاتي في الأراضي المحتلة عام 1967 فإن الطريق لن يكون معبدا أبدا أمام مصالحة وطنية ذات مصداقية يمكنها أن تعيش عمرا أطول من أي اتفاق توافقي مؤقت قد يتمخض هذا الحوار عنه.
لقد تقزٌمت منظمة التحرير إلى لجنة تنفيذية لم يجر تجديد انتخابها بينما توفي خمسة من أعضائها واستقال آخر ويمتنع سادس عن حضور اجتماعاتها "تحت الاحتلال" (فاروق القدومي) مما أفقدها النصاب القانوني بغياب ثلث أعضائها البالغ عددهم ثمانية عشر ، كما أن بعض المتبقٌين يخالف نظام المنظمة الأساسي بعدم التفرٌغ لعضويتها استيزارا أو لغير ذلك من الأسباب وبعض منهم دون أي مهمات وبعض بمهمات لا يقوم بها وقسم لم يسمع صوته منذ سنوات ، ناهيك عن "فتح أبواب اجتماعاتها لكل من رغب، أو تواجد في مبنى الاجتماع من ممثلي فصائل ، أو وزراء في السلطة ، أو أعضاء في المجلس التشريعي أو حتى بعض موظفي المقر ، لدرجة أن اجتماعاتها باتت أقل انضباطاً ونظاماً من اجتماع أي مكتب سياسي أو أي هيئة قيادية لأي فصيل من فصائلها ، وهكذا تهلهل وضعها أكثر ، ولم تعد بياناتها أو قراراتها تحمل معنى أو موقفاً محدداً ، أو تحظى باهتمام واحترام الرأي العام" كما قال عضوها السابق عبد الله الحوراني ، لتتحول اللجنة التنفيذية ، المفترض أن تكون الهيئة القيادية السياسية الأعلى للشعب الفلسطيني ، إلى عنوان أو توقيع يستدعى حسب الحاجة كشاهد الزور لإضفاء شرعية منظمة التحرير على مواقف قيادة سلطة الحكم الذاتي التي تستمد شرعيتها من اعتراف الاحتلال بها ومن الاتفاقيات الموقعة بين المنظمة وبين دولة الاحتلال.
وهذه اللجنة التنفيذية المنتهية ولايتها والفاقدة لنصابها ما كانت لتصل إلى حالها هذا لو كانت مرجعياتها ميثاقا ومؤسسات أفضل حالا منها ، فالمجلس الوطني الفلسطيني زيد عدده ليتجاوز (750) عضوا ليتحول إلى أشبه بمهرجان جماهيري إذا انعقد ، كما حدث عندما اجتمع عام 1996 ، مع أن النظام الأساسي ينصٌ على انعقاده سنويا ، وينصٌ على إعادة النظر في أعضائه ، ومنهم ينتخب أعضاء اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي ، كل ثلاث سنوات ، والمركزي بدوره أكل الدهر عليه وشرب دون تجديد ولم ينعقد بدوره إلا أربع أو خمس مرات كان آخرها عندما حل محل "الوطني" في انتخاب محمود عباس رئيسا لدولة فلسطين ، مدى الحياة عمليا ، بعد انتهاء ولايته كرئيس للسلطة أوائل العام الحالي ، مع أن نظامه ينص على انعقاده كل ثلاثة أشهر .
ومن المؤكد أن اللجنة التنفيذية الحالية للمنظمة لن تجد حالا أفضل من هذا الحال لمرجعياتها المؤسسية المتكلٌسة ولوضع الميثاق الوطني للمنظمة -- المعلٌق حاله بين الأصل وبين التعديل -- لكي تحتكر القلة الناشطة من أعضائها لنفسها دور المنظمة ومؤسساتها فتختصر شرعية المنظمة المغيٌبة فيها ، ومن أجل ذلك كان لا بد لها من الخلط المتعمد بين شرعيتها وبين شرعية المنظمة بينما كلا الشرعيتين موضع طعن استنادا إلى مرجعيات منظمة التحرير نفسها.
ويجدر هنا التذكير بأن الشرعية "الانتخابية" لم توصل أعضاء التنفيذية إلى عضويتها التي وصلوا إليها بالشرعية "الثورية" كممثلين لفصائل مقاومة بعضها لم يعد له إلا وجود رمزي وجميعها تخلت عن شكل المقاومة الذي أوصلها إلى العضوية واستبدلته بالتفاوض كخيار وحيد لا بل إن بعض الأعضاء لم يعد يمثل أي فصيل مقاوم بأي شكل للمقاومة.
إن الطعن في شرعية تمثيل اللجنة التنفيذية للشعب الفلسطيني لا يعني الطعن في شرعية منظمة التحرير ومحاولات اللجنة التي أصبحت محمومة مؤخرا للخلط المتعمد بين الأمرين لا تفسير له سوى الحرص على الوضع الراهن للمنظمة وعلى عدم تفعيلها وإحياء دورها.
وإذا استبعدت الأسباب الذاتية للمستفيدين من استمرار هذا الوضع تظل محاولات إحلال سلطة الحكم الذاتي محل المنظمة وإحلال شرعية السلطة محل شرعية المنظمة هي التفسير الأقوى لهذا الخلط ، كما يتضح من إلحاق الصندوق القومي للمنظمة بوزارة مالية السلطة وفك ارتباط السفارات والبعثات الدبلوماسية الفلسطينية بالدائرة السياسية للمنظمة وإلحاقها بدلا من ذلك بوزارة خارجية السلطة ، لتتكرس رقابة الاحتلال على مالية المنظمة ولتتحول مهمة الدبلوماسيين من سياسية إلى خدميٌة ينحصر بعدها السياسي في طمأنة المانحين على الالتزام بشروطهم السياسية كي يستمروا في الوفاء بتعهداتهم المالية.
ولو لم تكن شرعية تمثيل اللجنة التنفيذية للمنظمة وللشعب الفلسطيني موضع طعن لما كانت هناك أصلا حاجة إلى أي حوار فلسطيني خارج إطار المنظمة ، ومع المنظمة ، ولما كانت هناك حاجة أيضا إلى لجنة التوجيه والإشراف العليا على هذا الحوار لو كانت التنفيذية حقا هي الهيئة القيادية السياسية الأعلى للشعب الفلسطيني ، ولو لم تهمٌش اللجنة التنفيذية المنظمة حدٌ الشلل لما نمت منظمات وطنية خارج إطارها ولما استطاعت حماس مثلا لوحدها الفوز بثقة عدد من الناخبين الفلسطينيين يفوق ما فازت به فصائل المنظمة مجتمعة.
إن استمرار تنظيم حملات إعلامية و"شعبية" للدفاع عن شرعية منظمة التحرير هو إيغال في الخلط المتعمد يستهدف الدفاع فقط لا عن شرعية المنظمة بل عن شرعية لجنتها التنفيذية بوضعها الراهن ، إذ لم تعد مثل هذه الحملات قادرة على التشويش على حقيقة أن لا أحد في إطار المنظمة أو خارج إطارها يجادل في شرعية تمثيلها لشعبها.
لكن قطاعات واسعة من المنظمة نفسها وقطاعات أوسع من خارجها تجادل في شرعية تمثيل لجنتها التنفيذية للمنظمة نفسها ولشعبها على حد سواء ، فحركة حماس – التي وصفت المنظمة بأنها "وطن معنوي" للشعب الفلسطيني (أسامة حمدان) – عندما تطالب بمرجعية قيادية انتقالية إلى حين تفعيل المنظمة وتجديد ولايات مؤسساتها إنما تمسك بمفتاح تفعيل المنظمة ، وطالما ظل هذا المفتاح بيد التنفيذية بوضعها الحالي فإن حلول سلطة الحكم الذاتي محل المنظمة يكاد يكون نتيجة مؤكدة.
لقد أصبح الفصل بين قيادة المنظمة وبين قيادة السلطة شرطا مسبقا لا بد منه لتفعيل منظمة التحرير أولا ، ولوقف التغوٌل المتسارع للسلطة على المنظمة ثانيا ، ولوضع حد نهائي ثالثا لاستمرار الخلط المتعمد بين شرعية المنظمة وبين شرعية لجنتها التنفيذية التي باتت عمليا عنوانا خاطئا لقيادة الحكم الذاتي التي ترى في استمرار هذا الخلط مدخلها إلى قيادة المنظمة أيضا.
مما يقتضي التوافق الوطني على انتخابات رئاسية للسلطة وأخرى منفصلة عنها للمنظمة إضافة إلى انتخابات "تشريعي" السلطة والمجلس الوطني (ولا ينفي ذلك أن تكون جميع الانتخابات "متزامنة") ، إذا كانت الانتخابات في ظل الاحتلال خيارا لا مفر منه ، إذ لا يعقل أن يستمر رئيس السلطة مرتهنا لوظيفتها الخدمية كي يرتهن الوظيفة الوطنية والسياسية للمنظمة لتأمين رواتب موظفي السلطة باعتباره الأولوية للسلطة والمنظمة معا ، ولا يعقل في هذه الحالة كذلك أن يكون رئيس السلطة مسؤولا أمام رئيس المنظمة من الناحية النظرية لكنه من الناحية العملية ليس مسؤولا أمام أحد غير رئاسته نفسها!
www.deyaralnagab.com
|