logo
لماذا يؤثر المستعمر المعادن على الإنسان؟

بقلم : د. فيصل القاسم ... 5.8.08

من الخطأ الفادح أن نطلق على المستعمرين، قديمهم وحديثهم، صفة إنسان، فهم أقرب إلى الحيوانات الكاسرة منهم إلى الإنسانية. وإذا أردنا أن نكون محايدين في وصفهم، لاكتفينا بنعتهم بـ"مخلوقات"، مع الاحترام والاعتذار طبعاً من بعض المخلوقات، لأنه ليس كل مخلوق وحشاً ضارياً، فهناك مخلوقات غير بشرية، لكنها غاية في الوداعة والمسالمة.
لا أدري ما العقلية التي تحرك قادة أمريكا والمتحالفين معهم من المستعمرين الجدد! هل هي عقلية إنسانية؟ بالطبع لا. فالذي يؤثر المعادن الموجودة في باطن الأرض الأفريقية على الناس الساكنين فوقها هو مخلوق منحرف وشاذ وحقير وسافل وأقرب إلى مجتمع الحيوانات منه إلى مجتمع البشرية. لقد قال وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كسنجر في يوم من الأيام ما معناه: إن على أمريكا أن تفكر بالحفاظ على المعادن الموجودة تحت الأراضي الأفريقية من ذهب وألماس ونحاس وفضة وسواها، لأنها بحاجة لها في نهضتها الصناعية والتكنولوجية. ولهذه الغاية اقترح كسنجر أن تعمل بلاده على تحديد النسل في أفريقيا، لأن من شأن تكاثر الأفريقيين أن يستنزف تلك المعادن الثمينة التي تحتاجها أمريكا.
بعبارة أخرى، فإن كسنجر أراد أن يقول بطريقة ملتوية: إن المعادن أهم لأمريكا من الشعوب الأفريقية، ولا ضير في الحد من تكاثرها بشتى الطرق. صحيح أن كسنجر أراد الحد من النسل، لكننا نعلم أن المستعمر لديه طرق أخرى للقضاء على الشعوب التي قد تحول دون تحقيق غاياته، ومن تلك الطرق خلق المجاعات والحروب والأوبئة كي تبيد أكبر عدد ممكن من السكان، وبالتالي يتم حفظ الثروات التي يسيل لها لعاب المستعمرين.
وإذا كان كسنجر دبلوماسياً في حديثه عن ضرورة إبادة أكبر عدد ممكن من سكان المعمورة لأغراض صناعية وتكنولوجية، ربما بسبب خلفيته الدبلوماسية كوزير للخارجية، فإن زميله وزير الدفاع الأسبق روبرت مكنمارا قد كان صريحاً إلى أبعد الحدود في كلامه عن الحاجة إلى كبح جماح التكاثر في العالم بشتى الطرق. كيف لا وهو مهندس المذابح الجماعية واستخدام العنصر البرتقالي الذي يعاني من آثاره أكثر من ثمانية ملايين فيتنامي حتى الآن؟ وقد قال مكنمارا في خطاب له أمام نادي روما عام ألف وتسعمائة وتسعة وسبعين بكل صفاقة: "إن الارتفاع الصاروخي لعدد سكان العالم يشكل أكبر عائق أمام التطور الاقتصادي والاجتماعي في العالم، لهذا ينبغي علينا الآن وليس غداً أن نمنع وصول عدد سكان الكون إلى عشرة مليارات نسمة". ويرى الوزير أن هناك طريقتين لتحقيق ذلك، "إما بتخفيص معدل الولادات في أصقاع العالم، أو برفع معدل الوفيات. والطريقة الأخيرة يمكن أن تتحقق بعدة أساليب، ففي هذا العصر النووي يمكن للحروب أن تؤدي الغرض بسرعة فائقة وناجعة للغاية. وهناك طبعاً المجاعة والأمراض، وهما سلاحان ما زالا موجودين حتى الآن.
لا شك أن الكثير منا نحن الناس البسطاء قد فكر كثيراً بالعقلية التي تدير أشخاصاً مثل كسنجر ومكنمارا وبوش، لا بل المؤسسات الاستعمارية الحاكمة في الغرب. هل يُعقل أن يكون معدن الحديد، أو النحاس، أو البلاتين، أو حتى الذهب والألماس أغلى في عيونهم من الإنسان؟ كيف يفكر هؤلاء؟ أليس لديهم أبناء وبنات وزوجات وأقارب وأهل؟ ما قيمة هؤلاء البشر في تفكير أصحاب العقليات الاستعمارية كالذين جئنا على ذكرهم آنفاً؟ هل يُعقل أن يفضل مكنمارا وشركاه معدن الحديد مثلاً على جنس بني آدم الذي من المفترض أن الوزير الموقر ينتمي إليه؟ كيف يتحمس كثيراً للحفاظ على ثروات الأرض، ولا يتحمس للحفاظ على سيد الأرض الأول، ألا وهو الإنسان، حسب كل الشرائع السماوية والدنيوية؟
هل يُعقل أن أصحاب الشركات الاستعمارية الكبرى يفضلون برميل النفط على الكائن البشري؟ هل يُعقل أن يبيدوا ويمحقوا ملايين الأرواح من أجل الحفاظ على آبار النفط في باطن الأرض العراقية؟ أي عقلية تلك؟ هل يُعقل أن قطرة البترول أغلى بالنسبة لهم من قطرة الدم البشري؟ بماذا يفكر نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني عندما يأوي إلى فراشه ليلاً، ويضع رأسه على الوسادة؟ هل ينام مرتاح البال والضمير بعد أن تكون الشركة النفطية العملاقة التي كان يديرها، ألا وهي شركة "هاليبيرتون" قد أحكمت قبضتها على آبار جديدة في العراق، وبعد أن يكون الجيش الأمريكي قد نظف الأرض أمامها من البشر كي تسرق وتنهب على هواها دون أن ينغّص صفوها جائع عراقي؟ ما قيمة النفط والحديد والذهب مقابل الإنسان الذي خلقه الباري في "أحسن تقويم"، و كلفه عز وجل بإدارة شؤون الأرض؟ ما الذي يجعل البترول أهم لتشيني وشركاه من أرواح الناس في العراق؟ هل عقل ذلك الرجل عقل إنسان، أم عقل وحش لا يمت للإنسانية بصلة؟ كيف يشعر المستعمر عندما يفقد أحد أبنائه، أو بناته، أو أقاربه؟ هل يبكي؟ هل يحزن؟ هل يتألم؟ أم إنه ينتظر انتهاء مراسم العزاء كي يتفرغ لعد الأرباح البترولية والمعدنية؟ يا الله كم هم وحوش بلا ضمائر ولا عواطف!!
من الذي أعطى الحق لمديري الامبراطوريات الاستعمارية، قديمها وحديثها، كي يتلاعبوا بأرواح ملايين البشر بهذه الطريقة الجهنمية الرهيبة؟ هل يعتقدون أنهم مكلفون بإدارة شؤون الإنسانية؟ ألا يتعظون مما حصل لفرعون وغيره من الجبابرة من قبل؟


www.deyaralnagab.com