logo
الأمن القومي العربي بين المزاج والضرورة !!

بقلم : إبراهيم حسين أبو صعلوك ... 29.03.2009

أثبت تخلّف بعض الدول العربية وعلى رأسها مصر عن حضور القمة العربية المنعقدة في الدوحة أن المصالح العربية ومن ضمنها الأمن القومي العربي مرهونة بمزاج الحكام العرب لان علاقات الدول العربية مع البعض لم تعد تحكمها المصالح المشتركة ولا المصير المشترك ولا الانتماء إلى قومية واحدة ودين واحد بل هي مرهونة بمزاج هذا الحاكم أو ذاك لذلك لا غرابة في تخلف هذه الدولة أو تلك عن هذه القمة وقد تتخلف غيرها بالغد عن القمة القادمة وهكذا دواليك لان الكل يعرف أن مزاج الإنسان قابل للصفو والتكدر في كل لحظة وما دام الحال هذا فلا غرابة أيضا في أن يجمع تكرار انتهاك سيادة الدول العربية، بين الأنظمة العربية وبين الطبل، فالطبل كلما نقرته علا صوته وهكذا الأنظمة العربية كلما انتهكت سيادة دولها علا صوتها تذكرت أن للأمة أمنا قوميا وكأن وجود الأمن القومي وعدمه منوط بحدث ما أو بمناسبة ما، فها هي الأمة تشغل نفسها جاهدة لتحديد هوية الطائرات التي نفذت الغارات الجوية على شرق السودان على الحدود المصرية السودانية وتحديد كيفية اختراق هذه الطائرات للعمق العربي دون اكتشافها وكأن هوية الطائرات وكيفية اختراقها هو المهم وليس غياب الرادع هو المهم ولا داعي في هذا السياق للكلام عن عدم اعتراض هذه الطائرات لان ذلك سيكون بمثابة نكته لا طعم لها وان كان السودان كغيره يدعي بالاحتفاظ بحقه في الرد، لان اختراق العمق العربي وانتهاك سيادة الدول العربية أصبح أمرا عاديا ومقبولا على العرب وحتى مسلما به وكأنه قدر محتوم ولا غرابة في أن يكون الأمر كذلك فالسكوت على هذه الانتهاكات ناتج عن العجز العربي غير المعلن رسميا والملموس واقعا والمعروف للقاصي والداني.
ومما يرسخ هذا العجز وصف البعض لهذا السكوت بأنه خطوة إستراتيجية علما أن اتخاذ الخطوات الإستراتيجية عادة ما يكون منوطا بظروف معينة فإذا ما تغيرت هذه الظروف تحتم التصرف بالمتلائم مع زوال هذه الظروف ووجود الظروف الجديدة لكن تكرار هذه الانتهاكات للعمق العربي وتدمير أهداف حيوية سوء كان ذلك من قبل إسرائيل أو من قبل غيرها قد كشف زيف هذه الخطوة وهذا الادعاء.
فلقد بدأ مسلسل انتهاكات العمق العربي ومعه المناداة بالحفاظ على الأمن القومي العربي حين مرت الطائرات الإسرائيلية قبل ربع قرن ذهابا وإيابا عبر أجواء عربية في طريقها لتدمير المفاعل النووي العراقي لتمكين الولايات المتحدة فيما بعد من احتلال العراق بموافقة العرب ومساعدتهم ثم قصف مقر القيادة الفلسطينية بحمام الشاطئ في تونس مرورا بشن الطائرات الإسرائيلية قبل عام غارة على منشآت عسكرية قرب دير الزور في شمال شرق سوريا وها هي العملية تتكرر لتطال شرق السودان قرب الحدود المصرية ناهيك عن انتهاك الأجواء اللبنانية المتكرر.
فما الذي ألهى العرب كل هذه السنين عن السعي لتعزيز أمنهم القومي أليس هو مزاج حكامهم الذين لم يكتفوا بإضاعة الأمن القومي فحسب بل أضاعوا أمن شعوبهم الوطني أيضا حين غفلوا عن السعي إلى ترسيخ انتماء الفرد إلى وطنه وقومه وزعزعوا هذا الانتماء بواسطة تجويع شعوبهم وإهدار مقدراتها وإيداع حتى رغيف خبزها الذي يعتبر جزءا من أمنها القومي في أيدي أعدائها فزرعوا بذلك الفساد والرشاوى والمحسوبيات حيث لا تكاد دولة عربية تخلوا من هذا الوباء وفي مثل هذه الظروف يصبح كل شيء مستباحا حتى الأمن القومي.
إن تزامن الكشف عن الانتهاك الأخير للعمق العربي مع انعقاد القمة العربية في الدوحة والصدمة التي خلفها هذا الانتهاك لدى الشعوب العربية يجعلها تتطلع وتتمنى أن يشكل هذا الانتهاك دافعا حقيقيا للأنظمة العربية للبحث بجدية عن سبل تتعالى إلى مستوى مواقف شعوبها الصادقة التي أبدتها خلال حرب إسرائيل على قطاع غزة لتعزيز أمن هذه الشعوب الوطني والقومي لتنعم هذه الشعوب بعزتها وكرامتها كغيرها من الشعوب والأمم وان لم تحقق هذه الأنظمة تطلعات وأماني شعوبها فسيبقى الأمن القومي العربي إلى تتغير هذه الأنظمة يراوح بين المزاج وبين الضرورة.

كاتب فلسطيني..اللد

www.deyaralnagab.com