ارحمونا !!
بقلم : ريم عبيدات ... 03.04.2009
تحدثنا بتفصيل في شؤون الإعلام وشجونه معاً كمجموعة من الباحثين والإعلاميين والاستشاريين ضمن استشارة لمحطة فضائية ناشئة، لننساب إلى تحليل ما أصاب الشاشة العربية المعاصرة من أمراض فتحت الباب دفعة واحدة وقفزت إلى كافة تفاصيلنا، كالتسطيح، والافتئات، وضعف المهنية، واستسهال شأن المهنة، والهجوم على التعليم الأكاديمي، وعدم الاعتراف بالتدريب، وهامشية البحث العلمي، وضعف الأداء وضعف الولاء المؤسسي، والارتجال الشديد من القيادة إلى القاعدة، وغياب الثقافة المؤسسية، وغيرها.
فما كان من الصديقة الشاعرة إلا أن بادرتني بالسؤال: بصفتك مذيعة سابقة، لماذا يحاول بعض مذيعينا التشاطر على ضيوفهم إحراجاً، وتجريحاً أحياناً، وكذلك وعصرهم تماماً عن كل ما هو شخصي، وخاص وعائلي؟ ما القيمة في معلومات لهذه؟ وبماذا تعود على المشاهد وهي لا تعني إلا صاحبها؟ وما المتعة التي يجنيها المذيع؟ هل انتهت المعلومات القيمة من الحياة للجوء إلى فتات الأفكار الباهتة نصنع منها كشافات تخطف الرؤية؟
المصيبة الأكبر هي حجم الأنا التي تضرب بالضيوف وديكورات البرنامج عرض الحائط، ليتحولوا إلى فاترينة لعرض الأنا الخاصة بمقدم أو مقدمة البرنامج. طبعاً، أليس هذا هو منبره الخاص الذي يطل عبره علينا لإتحافنا بعبقريات لم نكن نحلم بها؟
إن حضور الأنا في الشخصية المبدعة عموماً. والإعلامية خصوصاً، يفترض أن يعبّر عن تقنية تستدرج الجمهور للإقبال على الفكرة، وزجه في متاهات الحكاية الإعلامية ببراعة وفن ومخيلة زاخرة بسيناريو الإمتاع.
لكن هذه الأنا تطلق لتتحول إلى اداة لتهشيم الضيف والتنافس معه والهجوم على إبداعه. ولا يقف الحد عند شيء من الغرور أو الغيرة او الاستفزاز للضيف، بل يصل بالبعض إلى منافسة المبدعين جميعاً كل في صنف إبداعه.
نوبة من التعبئة المختنقة بالذات تصل إلى حد الهوس، مدعومة تماماً بالتغييب القصدي للعالم الخارجي وما لديه وما يعنيه. ونمو إحساس قاتل بختم العلوم كلها والتفوق المطلق على كل المتفوقين، في حين يتوارى كبار المذيعين خلف ضيوفهم لمنحهم الفرصة الكاملة للظهور والبروز بعدالة وجمال وموضوعية، مركزين طاقاتهم على إعطاء هذا الآخر “الضيف” حقه من التعريف والمناقشة والحوار، وهو الدور الحقيقي للمذيع المحترف حقاً.
أما نحن الجمهور الكريم، فإننا عادة ما نتحول في أتون الكثير من هذه البرامج إلى كائنات بلا ملامح، مطلوب منا أن نشاهد بأدب، من دون اعتراض يذكر ومن دون تساؤل من أي نوع، وإلغاء شبه تام لكافة قدراتنا التحليلية والنقدية.. لأن بعض الزملاء والزميلات المذيعين يتفضلون علينا تفضل المانح المعطي المؤثر الكريم، بالسماح لنا بمشاهدتهم.
فيا مذيعينا ومذيعاتنا الكرام ارحموا أنفسكم قليلاً وتواضعوا لله، وارحمونا.
www.deyaralnagab.com
|