logo
رواية الحياة!!

بقلم : ريم عبيدات ... 10.04.2009

*( حين ننحني على كتف نرسيس فإنما لنرى وجهنا لا وجهه منعكساً على صفحة الماء.. "جورج ماي" )
ضمن أية مناخات تكتب السير الحياتية في بلادنا، وبخاصة أن إهمال كتابة السيرة الذاتية في أدبنا، والتي تضج بها رفوف المكتبات العالمية، كما وقراءتها نقدياً، سيحكم وثائق تجربتها ويمنعها من النمو والحراك الصحي للتمدد والنضج وهي لا تزال من أكثر الأجناس الأدبية صخباً ومرونة كجنس “مراوغ” لاكتسابها الكثير من سمات أجناس أخرى، والقيود التي تتحكم في كتابتها، وتجعلها تسرب مضامينها وأشكالها إلى أنواع شقيقة وصديقة تحاشياً لنتائج التجلي.
وما الذي يجعل كتابة السير العربية بكل هذا البهاء؟ هل نشد وثاق أنفسنا لنتحول من رواة نسرد حياتنا، إلى ذوات مسرودة ضمن حيوات متخيلة يطيب لنا رسم معالمها، كما تحوي المخيلة لا الذاكرة، وبحيث تسرد الشخوص أناها وفقا لمناظير جديدة وزوايا رؤية مصنوعة حيناً ومتخيلة حيناً آخر، ووفقا لرغباتنا في روايتها على الصورة التي تستقر عليها وليس التي كانتها في شريط الأحداث. ما قد يفسر قلة تجارب السرد الحياتية في بيئتنا العربية بالمقارنة بتلك في مجتمعات وثقافات أكثر انفتاحاً، وأكثر تسامحاً وقبولاً للتجربة.
وقد يندرج ذلك تحت مسميات عدة منها ما سماه د. جابر عصفور ب “شجاعة الاعتراف”- حيث يتمتع الكاتب الغربي بمساحة واسعة من الحرية غير مضطر للرياء أو الكذب، فيما يبدو العربي محروماً من الحرية.
وربما وجد الكثير من كتابنا ومبدعينا ضالتهم في الرواية مؤثرين السلامة عبر البناء الإبداعي والسردي لرواية الأحداث والحقائق، حيث الطريق معبد نحو الكثير من المخاتلة والمراوغة الإبداعية، والاختباء وراء جدران الإبداع للتحرر من سطوة قوانين كتابة السير وما تتطلبه من جرأة وشجاعة في اتخاذ القرارات وعلى رأسها المجابهة والسباحة عكس السائد.
ولا تنتهي مشكلات السير العربية بصورة خاصة وأحياناً العالمية بدرجة أقل بكثير، بمشكلة الحذف أو المسكوت عنه كما وبروز (الأنا) في أرفع تجلياتها، في الكثير من الكتابات، بشكل يبدو لقراءة المؤول تعويضاً عن إقصاء متعمد في متن الحياة، يحاول الكاتب تصحيحه وتعديله وإعادة كتابة أحداثه وشخوصه برفض التهميش عبر التركيز على ذاتها، وهو قيد وانحياز تام للذات يفقد العمل الكثير من قيمته ومهنيته ويرضخ التجربة للكثير من الموقفية.
كم تحرمنا أسوارنا الغليظة من معادن التجربة، ومن فضاءات التحليق عبر أجنحة التجربة لذواتنا الإنسانية الحقيقية.


www.deyaralnagab.com