الطارف••• العذراء التي اغتصبها موريس!!
بقلم : الخير شوار ... 30.04.2009
الطارف•• الولاية الجزائرية رقم 36 والتي تقع بعد عنابة باتجاه تونس، عبر نقطة أم الطبول الحدودية الساحلية. حتى نعبر إلى تلك الناحية التي امتزجت فيها الطبيعة الساحرة ببشاعة خط موريس الرهيب، والألغام المضادة للأفراد التي مازالت تحصد الأطراف والأرواح، علينا تجاوز عنابة من تخومها، وكنسية القديس أوغسطين التي تطل من أعلى ربوة لتعطي تلك المدينة لمسة جمالية خاصة• الخير شوار
عند مدينة، بوثلجة، إشارة مرورية تدل على ''قرية السبعة''، ومن النادر أن تحضى قرية غيرها بإشارة من ذلك النوع، عند أي مدينة، لكن تلك القرية لها وضع خاص جدا، فهي مهد الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد، والذي رغم هواه الوهراني وكان يقيم بشكل مستمر هناك حتى وهو متربع على كرسي المرادية، ورغم تردده الدائم على عنابة التي ينسب إليها بحكم أنها أكبر مدينة في ناحيته والولاية الإدارية التي كان ينتمى إليها، إلا أنه لم يقطع صلته بقرية ''السبعة'' التي ولد ونشأ فيها، ففي تلك القرية التي لا تبعد كثيرا عن بوثلجة والطارف، ينتصب قصره، ويؤكد سكان المنطقة أنه يزورها في مناسبات الأفراح والأتراح، ويؤكدون على فضله في ''صعود'' الطارف كولاية في التقسيم الإداري لسنة ,1984 وهي التي كانت مجرد قرية صغيرة، ولم تأخذ بعد طابع المدينة الحقيقية بعد كل تلك السنين، وهي لا تتوفر لحد سنة 2009 على فندق مهما كانت درجته، ولا على دار للثقافة وتفتقر إلى الكثير من المرافق التي تليق بأبسط ولاية، ووسط تلك الطبيعة الساحرة تتوزع أطراف تلك القرية التي تريد اكتساب ملامح مدينة بحجم عاصمة ولاية، حيث ورشات مشاريع السكنات والمرافق، ولا نأخذ وقتا طويلا لتجاوز ''عاصمة الولاية'' صوب مدينة القالة في أقصى الشرق، حيث لا تبعد الحدود التونسية إلا بـ12كيلومتر عبر نقطة أم الطبول، وحيث لا تبعد مدينة تونس العاصمة إلا بـ225 كيلومتر، فالمناسبة وإن كانت ''ملتقى الطبيعة والإبداع'' ويفترض أن تحتضنه مدينة الطارف إلا إن الإقامة الرسمية في القالة، فحسب الشاعر، سليمان جوادي، مدير الثقافة بالولاية الذي يريد بعث نشاط أدبي وثقافي فيها، وهو القادم من الجلفة حيث أرسى تقاليد ثقافية مازالت مستمرة إلى الآن، فإن الطارف لا تتوفر على ''حمّام للإقامة''، وحتى الافتتاح الرسمي للملتقى اضطر لتنظيمه في دار الشباب أحمد بتشين، عوض عن دار الثقافة التي لا وجود لها• في انتظار إنجاز مشروع دار الثقافة، ومشروع إذاعة الطارف الذي أوكل إلى الشاعر، عادل صياد، القادم من إذاعة سوق اهراس وقبله إذاعة تبسة ووادي سوف•
*أخضر الجغرافيا وأحمر التاريخ
لا أدري إن كان من حسن الحظ أو من سوئه، أن تتزامن مناسبة الزيارة، مع اضطراب جوي، قيل بأنه قادم من إيطاليا، حيث منتهى أحلام الحرافة ومشاريعهم، عند جزيرة صيقلية التي يتخيلها البعض ممن يريدون عبور البحر إلى هناك، مرورا بكنوز المرجان التي تنام تحت الماء والمعرضة للقرصنة بأشكال مبتكرة، فالقالة المدينة التي ترتبط بموسم الاصطياف، لم أعرفها على تلك الصورة المضطربة ولو في فصل الربيع إلا في هذه المناسبة، حيث تأخر الشتاء قليلا ولم يغادرها إلا مع ذلك الاضطراب الجوي• وعند مدينة، عين العسل، حيث كانت الأمطار لا تتوقف والبرد بلغ شدته كأنك في منطقة سهبية لا تعرف جو البحر المتوسط، كان الجو يتراوح بين الصحو والمطر، وقوس قزح يظهر في مناطق مختلفة يذّكر الرائي بأهازيج الطفولة التي تختصره في لونين•• أخضر الجنة وأحمر جهنم وعبارة ''حزام أمّا (أمي) أخضر''• لكن حقيقة القوس أبعد من اللونين، أخضر الطبيعة الساحرة على ضفاف بحيرة الطيور ومحمية القالة الطبيعية، وأحمر خط موريس الرهيب، حيث كانت القاعة الشرقية أثناء الثورة التحريرية المستقلة عن الولايات التاريخية الست المشهورة، وهي تمتد إلى سوق أهراس، بقيادة عمارة العسكري المعروف بـعمارة بوقلازا• وفي تلك المنطقة التي اكتوت بلهيب خط موريس، بقيت آثار ونماذج منه، تحكي تاريخ الدم الذي سال والأجساد التي تفجرت طيلة سنين طويلة، وهي تفصل بشكل قسري، تلك المناطق عن امتدادها في الأراضي التونسية، وحيث تمتزج العادات والتقاليد وتتقوى رابطة الدم إلى درجة أن بعض العائلات بعض أفرادها تونسي وبعضها الآخر جزائري• والذين عرفوا بشاعة ذلك الخط يقولون بأن عرضه كان يمتد إلى الستين مترا، وكان مكهربا ومليئا بالفخاخ والألغام المضادة للأفراد والصواريخ المرتبطة بأجراس الإنذار، وأنجزه الاستعماريون سنة 1958 ليمتد عبر الحدود الجزائرية التونسية، وبقيت المعاناة مع ألغامه وآثارها النفسية متواصلة إلى اليوم•
*القالة•• عاصمة الولاية بالنيابة
مدينة القالة تحت رحمة الاضطراب الجوي، المطر غزير والبرد شديد والبحر هائج، وحركة المرور قليلة وقت غروب الشمس التي لم يظهر لها أثر في ذلك الوقت، وعند الشاطئ بقايا من زجاجات النبيذ المكسورة هي آثار بعض الذين مروا من هناك، دون أن يتركوا حكاياتهم التي قد يكون البحر قذف بها في أعماقه أو على اليابسة التي تضربها أمواجه في كل حين، وعند الكنسية التي تميز تلك المدينة القديمة، والتي أغلقت أبوابها بعد الاستقلال وتحولت في بعض المناسبات إلى قاعة للمعارض وتقضي معظم أيام السنة مغلقة أبوابها، وغير بعيد عنها يوجد المرفأ القديم حيث كان يعج بالسياح في فصل الصيف، لكنه في الشتاء يتحول إلى مكان موحش، إلا من السكان الأصليين أو من العابرين الذين يقطنون في الفنادق التي تجد صعوبة في غير موسم الاصطياف، ومن غريب الصدف أن ينقطع التيار الكهربائي عن المدينة في تلك الليلة، ويبقى الفندق مظلما وعماله يهرعون إلى زرع الشموع في كل مكان، لكن التيار الذي يفترض أن يعود بسرعة بقي منقطعا لأكثر من ساعة وسرعان ما انقطع من جديد لنقضي الليلة بدونه وسط ظلام دامس إلا من ضوء الشموع التي لا تكاد تضيء• وبعد ليلة بدون كهرباء تستقبل القالة نهار جديد بجو ممطر، ورغم القدم الواضح على ملامح بناياتها، فهي الوجه المشرق لولاية الطارف، تلك القرية الصغيرة التي شاءت السياسة أن تحولها إلى ولاية، ولأن المقتضيات تفرض أن يفتتح ''ملتقى الطبيعة والإبداع'' في ''عاصمة الولاية''•
*بالقرب من قلعة بن جديد
سيول الأمطار لم تترك مجالا للتفريق بين بحيرات الماء الطبيعية و''بحيرات'' الفيضان الذي جاء به الاضطراب الجوي، وفي الطريق إلى الطارف انحرفنا قليلا عن الطريق المختصر، لنعبر بالقرب من ''البحيرة'' والمحمية الطبيعية، ولم تسمح السيول بالتمتع بتلك المناظر التي شوهها أثر احتراق لغابة بقي كالندبة على خد ذلك الغطاء الأخضر• وبعدها توجد بلدة بريحان، التي لا تختلف عن أي بلدة صغيرة في عمق البلاد تشكو قلة الامكانيات والحيلة وغارقة في السياسة من خلال الشعارات وصور الحملة الانتخابية التي لم تنتزع إلى حد الآن، وبعد المرور من تلك البلدة على العابر الاختيار بين المرور على ''قرية السبعة'' حيث قصر الشاذلي بن جديد والشارع الصغير الذي يحمل اسمه، لكن قبل الوصول إلى ''قلعة بن جديد'' التي تؤدي إلى عنابة، علينا الانحراف إلى بوثلجة التي تعيدنا إلى الطارف القرية- الولاية، ووسط ذلك الطريق الإسفلتي الصغير كان المطر يسيل بغزارة والوضع ينذر بفيضان قد لا تحمد عقباه، ومن بعيد كان راعي غنم في حالة يرثى لها وهو يسوق القطيع ويحمل ''مطرية'' بالية يحاول من خلالها يائسا صد الزخات المتتابعة التي أثقلته، وبعد ''غابة'' من أشجار الصبار، كان طفل يحمل قفة وهو لا يبالي بالمطر، وكانت قرية صغيرة تعيش السياسة من خلال الشعارات والصور الموجودة في موقف الحافلات• وبعدها تشكلت من سيول الأمطار بركة مائية هي نموذج مصغر للبحيرة التي تشتهر بها القالة، وبل يكاد الغريب لا يدري إن كانت تلك بركة أم بحيرة؟
*الطارف من جديد
قبل الدخول إلى بوثلجة التي دخلناها أول مرة، ونعود إليها عبر ذلك المسلك الطويل نسبيا، كانت الطرقات القروية المهترئة تقاوم سيول الأمطار وتغمرها في بعض المناطق حتى تكاد السيارة تنجرف مع السيل، كان هناك قطيع من الأبقار يرعى ولا يدري بالماء الذي يبلل المرج، ومزارع الكروم على قلتها تحاول إعطاء صورة عن الطبيعة الفلاحية المنتوعة للمنطقة، وهي متجاورة مع حقول القمح والشعير، وبعد اجتياز مدينة بوثلجة تظهر الطارف من جديد وهي تحتفي بمدينة ''القدس'' ''عاصمة أبدية للثقافة العربية'' من خلال ملتقى الطبيعة والإبداع في طبعته الثالثة، وبجانب مقر الولاية توجد دار الشباب أحمد بتشين التي عوضت دار الثقافة المنعدمة، حيث يوجد الشاعر، سليمان جوادي مدير الثقافة، والروائي السبيعيني إسماعيل غموقات، الموظف في المديرية، وهما في استقبل ضيوف تلك التظاهرة الثقافية التي استضافت كتّاب وشعراء جزائريين من مختلف البقاع من أجل هدف مزدوج هو الاحتفال بالقدس ''عاصمة أبدية للثقافة العربية''، من جهة، وتشجيع الأدب السياحي ومحاولة إعطاء نفس جديد للملتقيات الأدبية في الجزائر من جهة أخرى، وفي غياب أدنى المرافق توزعت النشاطات الثقافية على مدرجات المركز الجامعي للمدينة ودار الشباب وعلى الطبيعة التي جرحها خط موريس الرهيب وتحاول لملمة جراحها في تلك القرية التي شاءت السياسة أن تحولها إلى عاصمة ولاية تطمح لأن تصبح مدينة•
كاتب جزائري
www.deyaralnagab.com
|