عباس...... إذ يغري نتنياهو بالتطرف !!
بقلم : صالح النعامي ... 13.05.2009
يتوقف رئيس السلطة محمود عباس ومقربوه عن التعبير عن تبرمهم من مواقف رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد بنيامين نتنياهو وأركان حكومته من الصراع، ويطلقون التهديدات بعدم استئناف المفاوضات معه، في حال لم يتراجع عن هذه المواقف. لكن للأسف الشديد، فإن ما يقدم عليه عباس يسهم تحديداً في دفع نتنياهو لتبني مواقف أكثر تطرفاً. لم يقم بأي خطوة عملية يمكن أن تقنع نتنياهو بتغيير موقفه، فماذا يعني أن تواصل الأجهزة الأمنية التابعة لعباس التنسيق الأمني مع الجيش الإسرائيلي، وهل يمكن أن يغير نتنياهو مواقفه في الوقت الذي يخرج قادة الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية عن طورهم وهم يشيدون بـ " كفاءة " أجهزة عباس الأمنية في ملاحقة المقاومة في الضفة الغربية وضربها. لقد حاولت سلطة عباس أن تقدم دليلاً آخر لنتنياهو أنها لا تقل جدارة في محاربة المقاومة عن الأنظمة العربية التي سارعت مؤخراً للصدام مع حركات المقاومة العربية، عبر المؤتمر الصحافي الذي عقدته أجهزة السلطة الأمنية وأعلنت فيه القصة المتهاوية عن ضبط معمل لإنتاج المفتجرات في أحد مساجد الضفة. والمؤسف أن هذه الأجهزة الأمنية لا تحرك ساكناً في الوقت الذي يواصل فيه جيش الاحتلال إعمال القتل في المدن والبلدات والمخيمات الفلسطينية التي تحكمها السلطة، بحيث يبدو المشهد وكأنه تبادل أدوار بين السلطة وإسرائيل في محاربة المقاومة. وفي نفس الوقت، فإن إضفاء عباس مزيد من التشدد على مواقفه من الحوار الوطني لا يعتبر دليلاً على جديته في التبرم من مواقف نتنياهو، فحكومة نتنياهو ترى في تواصل الإنقسام مصلحة إستراتيجية لها، ناهيك عن حرص عباس على تهنئة نتنياهو بعيد الفصح اليهودي، والذي مس مشاعر كل فلسطيني وعربي ومسلم.
*وعد بلفور جديد
من هنا لم يكن من المستهجن أن يحاول نتنياهو جر الفلسطينيين إلى تقديم وعد بلفور فلسطيني جديد لإسرائيل. ففي محاولة منه لرمي الكرة في ملعبي سلطة رام الله والإدارة الأمريكية، ولتسويغ عدم استعداده لخوض غمار تسوية سياسية جادة بهدف التوصل لحل الصراع مع الفلسطينيين، عاد نتنياهو إلى الشروط التعجيزية، وضمن ذلك إعلانه أنه لن يتم الخوض في أي مفاوضات حول الدولة الفلسطينية قبل أن يعترف الفلسطينيون بأن إسرائيل دولة يهودية. لا يريد نتنياهو فقط أن يعترف الفلسطينيون بما جاء فيما يعرف بـ " وثيقة الإستقلال "، التي وضعها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأول دفيد بن غوريون عشية النكبة التي حلت بالشعب العربي الفلسطيني عام 1948، بل أنه من خلال هذا الشرط التعجيزي يريد مباركة فلسطينية لمخططه الهادف لإسدال الستار على أي فرصة للتوصل لتسوية سياسية عادلة للصراع. فماذا يعني اعتراف الفلسطينيين بيهودية إسرائيل، حسب منطق نتنياهو؟.
*يهودية الدولة؟
يحاول نتنياهو التهرب من الإجابة على هذا السؤال، لكن والده المؤرخ المعروف بنتسيون نتنياهو، ومستشاره السياسي الأكثر قرباً عوزي عراد الذي عينه مؤخراً رئيساً لمجلس الأمن القومي يريان أن اعتراف الفلسطينيين بيهودية إسرائيل يعني في الواقع تسليمهم وقبولهم بالإجراءات التي تقدم عليها إسرائيل لضمان طابعها اليهودي، وضمن ذلك التفوق الديموغرافي لليهود في أرض فلسطين، والمتمثلة في:
أولاً: رفض حق العودة للاجئين الفلسطينيين بشكل مطلق وبأي صورة، على إعتبار أن عودة اللاجئين يعني تهديد التفوق الديموغرافي لليهود في أرض فلسطين. وإن كان هناك إجماع صهيوني على رفض حق العودة للاجئين، فإن نتنياهو يرى أن الإرتكاز في هذا الموقف على ضرورة الحفاظ على الطابع اليهودي للدولة، يمكن أن يلقى تفهماً لدى دول العالم.
ثانياً: التخلص من فلسطينيي 48 بوصفهم "فائض سكاني " فلسطيني يهدد التفوق الديموغرافي لليهود، وذلك عبر إضفاء شرعية على الكثير من المشاريع الإجرامية، مثل: فكرة تبادل السكان التي يرفعها وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان والتي تنص على ضم المناطق التي يتواجد فيها فلسطينيو 48 بكثافة إلى مناطق السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، مقابل موافقة الفلسطينيين على ضم التجمعات الإستيطانية في الضفة الغربية لإسرائيل. وللحقيقة فإن هذه الفكرة تلقى استحساناً لدى الكثير من الأوساط في اليسار والوسط، حيث أن زعيمة حزب " كاديما " تسيفي ليفني سبق أن أعلنت تأييدها لهذه الفكرة. في نفس الوقت، فإن هناك الكثير من البرامج التي تعكف عليها المؤسسة الحاكمة في تل أبيب لدفع فلسطينيي 48 إلى ترك المناطق التي يقطنون فيها، مثل التمييز في تخصيص الموازنات، ومخصصات الضمان الإجتماعي والتضييق الأمني وعدم منح رخص للبناء وغيرها من إجراءات، فضلاً عن الدعوات لحرمان فلسطينيي 48 من حقوق المواطنة، كما برز ذلك في البرنامج الانتخابي لحزب " إسرائيل بيتنا " بزعامة أفيغور ليبرمان. ومن نافلة القول أن ضمان يهودية الدولة في نظر جميع النخب الحاكمة في إسرائيل يعني مواصلة تهويد مدينة القدس، وإضفاء شرعية على الإجراءات القمعية الممارسة ضدهم سواءً من قبل الحكومة ومن قبل بلدية الإحتلال في المدينة برئاسة رئيس البلدية الفاشي نير بركات.
ثالثاً: الإحتفاظ بالمناطق التي تتواجد فيها " مقدسات دينية " مزعومة لليهود، سيما في الخليل ونابلس وبيت لحم.
رابعاً: ضمان التفوق إسرائيل ً كـ " دولة " يهودية على اعتبار أن الأخطار ستواصل تهديدها، وبالتالي فإن الإصرار على يهودية الدولة يعني أن يسلم العرب بالتفوق الإستراتيجي الإسرائيلي في المجال العسكري، دون أن يكون من حقهم خرق التوازن القائم.
المشكلة أن إسرائيل تستند في إصرارها على اعتراف العرب بأنها يهودية إلى إسناد أمريكي واضح قدمته لها الإدارة الأمريكية السابقة، حيث سبق للرئيس الأمريكي السابق جورج بوش أن أعلن في قمة العقبة عام 2004 أن الولايات المتحدة تعترف بإسرائيل كدولة يهودية. من هنا فإن نتنياهو سيواجه الرئيس الأمريكي براك أوباما بهذا الإعتراف، والتأكيد له أنه يتوقع منه أن احترام إلتزام الإدارة السابقة.
من هنا، فإنه في حال لم يغير عباس طريقة تعامله مع الشأن الفلسطيني العام بشكل جذري، فإن نتنياهو لا يمكن أن يغير مواقفه المتطرفة.
www.deyaralnagab.com
|