logo
نيويورك..الأمم المتحدة: الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة أطبقا الخناق على الانقلاب في السودان!!
31.10.2021

وأخيرا حدث التوافق داخل مجلس الأمن الدولي حول الانقلاب الذي قاده الفريق عبد الفتاح البرهان يوم الإثنين 25 تشرين الأول/أكتوبر الحالي. فقد أصدر المجلس بيانا صحافيا بإجماع الدول الأعضاء بعد مفاوضات استمرت ثلاثة أيام وإجراء تعديلات مهمة على النص الذي صاغته بريطانيا. أحد الاعتراضات الرئيسية التي أثارها الاتحاد الروسي كانت تتعلق بمصطلح «انقلاب عسكري» وهي الصيغة التي استخدمها الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في بيانه يوم الإثنين. المجلس اكتفى بوصف ما حدث بـ»سيطرة الجيش على الحكم». وأما نقطة الخلاف الثانية فتتعلق بالإدانة التي كانت دول الاتحاد الأوروبي في المجلس وبريطانيا تريد استخدامها في مشروع البيان الصحافي. وبعد مفاوضات تم التنازل عن مصطلح الإدانة واستبدل بـ»التعبير عن القلق». وهو مصطلح بالتأكيد أخف كثيرا من الإدانة. لكن هذه التغييرات لا تغير كثيرا من جوهر البيان:– هناك إجماع دولي برفض ما قام به البرهان، سمه انقلابا أو سيطرة للجيش على مقاليد الأمور لا فرق. فالبيان الصحافي أو الرئاسي، وهو أهم من البيان الصحافي ويعتبر وثيقة رسمية، لا يصدر عن المجلس إلا بموافقة جميع الأعضاء الخمسة عشر. وهنا مكْمن أهميته. أي أن المجلس الذي يمثل كل المجموعات الجغرافية في العالم متفق في ما يتضمنه البيان.– تضمن البيان قلق المجلس البالغ إزاء سيطرة الجيش في السودان على مقاليد الحكم، بإلغاء الجانب المدني من الحكم، ووقف عمل بعض المؤسسات الانتقالية، وإعلان حال الطوارئ، واحتجاز رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، فضلاً عن أعضاء مدنيين آخرين في الحكومة الانتقالية. وهذه مطالب فيما لو تحققت لأنهت الانقلاب وأعلنت فشله.– ودعا المجلس إلى الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين لدى السلطات العسكرية. كما دعا إلى الامتناع عن استخدام العنف وشدد على أهمية الاحترام الكامل لحقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في التجمع السلمي وحرية التعبير.– ودعا أعضاء مجلس الأمن السلطات العسكرية السودانية إلى إعادة الحكومة الانتقالية بقيادة مدنية على أساس الوثيقة الدستورية وغيرها من الوثائق التأسيسية للمرحلة الانتقالية.وحثوا جميع الأطراف على الانخراط في «حوار من دون شروط مسبقة، من أجل تمكين التنفيذ الكامل للوثيقة الدستورية واتفاقية جوبا للسلام، والتي تدعم التحول الديمقراطي في السودان.إن الذي دفع مجلس الأمن إلى التوصل إلى هذا التوافق يوم الخميس هو الموقف القوي والواضح من الاتحاد الأفريقي الذي جمد عضوية السودان في الاتحاد يوم الأربعاء. وهذا الموقف ما كان يمكن ليمر دون انتباه من أعضاء مجلس الأمن. فلم يمض إلا يوم واحد إلا وقد تبلور موقف مجلس الأمن من الانقلاب.وفي بيان صادر عن الاتحاد الأفريقي حول تجميد عضوية السودان أوضح أن القرار يأتي «تماشيا مع البروتوكول المتعلق بإنشاء مجلس السلام والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، والميثاق الأفريقي للديمقراطية والانتخابات والحكم». ودعا مجلس الأمن والسلم الأفريقي إلى الإفراج الفوري عن الوزراء والمدنيين المحتجزين. وأكد البيان تضامن الاتحاد الأفريقي مع شعب السودان في تطلعاته المشروعة لتعميق وترسيخ الديمقراطية، وللتغلب على التحديات التي تواجه بلاده.كما قام الاتحاد بإرسال مبعوث خاص للسودان للتواصل مع أصحاب المصلحة بشأن الخطوات اللازمة لتسريع استعادة النظام الدستوري في السودان واتخاذ الإجراءات اللازمة وتكثيف مشاركته مع قادة الحكومة الانتقالية ومجلس السيادة من أجل تسهيل استئناف الحوار.وبصدور موقف قوي وواضح من الاتحاد الأفريقي وما تبعه من موقف مجلس الأمن، على ضعفه، تكون الدائرة قد أحكمت حول الانقلابيين ولم يبق أمامهم إلا التراجع أو الانزلاق نحو مواجهات دموية مع جماهير الشعب السوداني وقواه الحية التي أعدت نفسها لمواجهات سلمية متواصلة متصاعدة خلال الأيام والأسابيع المقبلة لغاية هزيمة الانقلاب.من حيث المبدأ ترفض الأمم المتحدة مبدأ الانقلاب على السلطة الشرعية في أي بلد. هكذا كان موقف الأمين العام من جميع الانقلابات التي حدثت سواء في مالي أو النيجر أو جزر القمر أو ميانمار أو السودان.لكن لم نر إجماعا دوليا على رفض انقلاب عسكري مثلما هو الحال في الانقلاب السوداني. فقد عجز مجلس الأمن مثلا عن إدانة انقلاب عبد الفتاح السيسي على الرئيس المنتخب في مصر يوم 3 تموز/يوليو 2013. وقد أخفق مجلس الأمن الدولي عدة مرات في الاتفاق على بيان يندد بالانقلاب في ميانمار ويدعو الجيش للتحلي بضبط النفس ويهدد بالنظر في «إجراءات أخرى». واستمرت المحادثات طويلا للوصول إلى توافق ليس فقط مع مندوبي روسيا والصين بل ومع مندوبي الهند وفيتنام. وعندما صدر البيان كان باهتا لم يغير في الأمور من شيء وظلت جماعة الانقلاب في مواقعهم من دون أن يرف لهم جفن رغم مئات الضحايا التي جندلوها في الشوارع. وعندما صدر البيان جاء ضعيفا حيث «أعرب أعضاء مجلس الأمن الدولي عن القلق البالغ بشأن إعلان حالة الطوارئ التي فرضها الجيش في ميانمار في الأول من شباط/فبراير، والاحتجاز التعسفي لأعضاء في الحكومة، منهم مستشارة الدولة أونغ سان سو تشي والرئيس وين ميانت وآخرون». ودعوا إلى الإفراج الفوري عن أولئك المحتجزين. وقد سقط مئات الضحايا وصفها مقرر حقوق الإنسان الخاص بميانمار، توماس أندروز، يوم 11 آذار/مارس بأنها ترقى لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. ومع هذا أصدر مجلس الأمن بيانا صحافيا فقط يعبر فيه عن القلق لتزايد أعداد الضحايا من المدنيين.إذن توحد المجتمع الدولي في رفض انقلاب البرهان وأحكم الطوق عليه. فبالإضافة إلى الاتحاد الأفريقي ومجلس الأمن الدولي، كما أسلفنا، فقد صدرت بيانات تعارض أو تدين أو ترفض الانقلاب من جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون الإسلامي والبنك الدولي. أما موقف الإدارة الأمريكية فكان الأقوى حيث جمدت المساعدات المالية بقيمة 700 مليون دولار ولحق بها البنك الدولي الذي جمد صرف أموال المساعدات للسودان. الرئيس الأمريكي، جو بايدن، تحدث بنفسه وقال في بيانه: «أحث القادة العسكريين في السودان على الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين وإعادة المؤسسات المرتبطة بالحكومة الانتقالية، بما يتماشى مع الإعلان الدستوري لعام 2019 واتفاقية جوبا للسلام لعام 2020».للحقيقة والتاريخ أن الذي عدل موازين القوى عالميا وإقليميا ضد الاتقلابيين هو الشعب السوداني الشجاع والحر والمصصم على حماية ثورته. فقد استطاع هذا الشعب العريق أن يسمع العالم صوته المدوي بسرعة رغم الخسائر في الأرواح برفض الانقلاب واستمر تحركه التصعيدي في الشوارع والساحات والجسور وأمام المؤسسات الرسمية ومقرات الأحزاب السياسية والمنظمات الأهلية. لقد صمم هذا الشعب العظيم، بعد الإطاحة بدكتاتور السودان الأشرس، عمر البشير، الذي سام البلاد كل أنواع الهوان والقهر لمدة ثلاثين عاما، أن ينهي من حياته حكم العسكر وأن يعمل بشكل منظم وسلمي ومتواصل لبناء سودان جديد عادل وحر وديمقراطي. وصوته وصل أنحاء المعمورة. هذا الموقف الذي ما زال ينتقل من تصعيد إلى تصعيد لن يهدأ إلا بالإطاحة بالانقلاب. هذا الموقف هو الذي جمع حوله المواقف الإقيلمية والدولية. شعب السودان بنضاله السلمي يحمي أهداف ثورة كانون الأول/ديسمبر 2018 العظيمة. إنه شعب يستحق بعد كل هذه التضحيات أن يعيش في سوادن الخير والحرية والمساواة والحكم الرشيد في ظل سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان، ويبني مستقبله الآمن والمزدهر بعيدا عن مؤامرات العسكر وارتباطاتهم المشبوهة مع بعض الدول التي تنسق مواقفها مع الكيان الصهيوني والتي لا تريد لحكم للدولة المدنية الديمقراطية الحرة أن ترى النور في أي بلد من بلدان العالم العربي.


www.deyaralnagab.com