الخرطوم.. السودان : أطباء السودان... الإضراب ضد الانقلاب ينذر بكوارث صحية!!
09.12.2021
تصدر أطباء السودان مشهد مناهضة الانقلاب منذ يومه الأول في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، فأعلنوا إضراباً مفتوحاً عن العمل في المستشفيات التعليمية والحكومية، ومغادرة المستشفيات التابعة للجيش والشرطة والمخابرات، مع الالتزام بمعاينة الحالات الصحية الحرجة، ومرضى العناية المكثفة، والحضانات، وأقسام النساء والتوليد.وأعاد إضراب الأطباء الحالي إلى الأذهان إضرابهم الطويل قبل سقوط نظام الرئيس المعزول عمر البشير، والذي استمر لنحو 207 أيام، وكان له أثر بالغ في إسقاط النظام رغم انتقادات لإقحام القطاع الطبي في العمل السياسي.وطلبت لجنة الأطباء المركزية، وهي من الأجسام النقابية الرئيسية، من الأطباء المناوبين عدم استقبال حالات جديدة في العيادات الخارجية، والالتزام بتغطية أقسام الطوارئ بجميع مستشفيات المدن والأرياف، وكذلك مراكز غسيل الكلى.ووفقاً لإحصاءات نقابية، فإن الإضراب نجح بنسبة 80 في المائة، ورافقه تنظيم عشرات الوقفات الاحتجاجية في المستشفيات والمراكز الصحية بالعاصمة الخرطوم وبقية الولايات، اصطفافاً مع قطاعات الشعب المناهضة للانقلاب، وما أعقبه من تسوية سياسية مع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. وزاد غضب الأطباء مع تكرار اقتحام سلطات الانقلاب المستشفيات، وهو ما تم رصده في تقرير مفصل حول الاعتداء الأمني على مرافق الرعاية الصحية، وعلى الطاقم الطبي، ووقائع اعتقال المرضى، ومنع نقل جرحى التظاهرات الشعبية إلى المشافي، فضلاً عن منع العاملين في بنك الدم الوطني من أداء مهامهم، وحرمان المعتقلين من تلقي الرعاية الصحية، وإيقاف سيارات الإسعاف على الطرق، وإغلاق الطرق والجسور الذي يعيق وصول المرضى إلى المستشفيات، وإطلاق الغاز المسيل للدموع في داخل المراكز الصحية.وبمرور الأيام، واجه المواطنون مشكلات عدة في العلاج، وأصبح النظام الصحي، خصوصاً في العاصمة الخرطوم، على عتبة الانهيار، وقال بيان للمديرين العامين في المستشفيات إنه "منذ انقلاب 25 أكتوبر، وبعد الإقالات التي تمت في وزارة الصحة، تمت إعادة تكليف الفلول وعناصر النظام البائد، وتوقف الدعم المادي للمستشفيات، كما حدث نقص حاد في المستلزمات نتجت عنه معاناة في المستشفيات التي تعمل حالياً بكفاءة متدنية، وبعضها في الطريق إلى التوقف التام".وأوضحت تقارير طبية من ولاية شمال دارفور (غرب) مدى الإهمال المتعمد الذي يعاني منه قطاع الصحة بصورة عامة، وإدارات الطوارئ بصورة خاصة، والذي أدى إلى وفاة العشرات نتيجة الإصابة بالتهاب الكبد الوبائي، وقال بيان للمكتب الموحد للأطباء إن "20 وفاة سجلت لنساء حوامل، جلّهن في الشهور الأخيرة من الحمل"، وتوقع حدوث وفيات في مناطق أخرى لا تتمكن الفرق الصحية من الوصول إليها لأسباب أمنية.وحمّل طبيب من ولاية شمال دارفور، فضّل عدم الكشف عن اسمه، مسؤولية ما يحدث لضعف استجابة المركز الصحي، والإغلاق شبه الكلي لوزارة الصحة الاتحادية منذ أطاح قائد الجيش الوزير ووكيلة الوزارة، وتوقف أغلب العاملين في الوزارة عن العمل احتجاجاً على الانقلاب، وقال إن "الانقلاب عيّن كوادر طبية محسوبة على النظام السابق ليس من أولوياتها التعامل مع الطوارئ الصحية، مثل التي تشهدها شمال دارفور، وكثير من مناطق الإقليم تشهد أوبئة من بينها فيروس كورونا، ما ينذر بالمزيد من المخاطر".ولفت مكتب الأطباء الموحد إلى أن الانقلاب يتحمل مسؤولية مئات الوفيات الناتجة عن تعطيله الخدمات الصحية، سواء كان عن طريق الاعتماد على منسوبي النظام السابق لتسيير الوزارة الاتحادية والمراكز والمرافق الصحية الأخرى، أو عن طريق إحداث قيود أمنية تعوق المواطنين عن الحصول على الخدمات الصحية، فضلاً عن تبوّؤ العسكريين مناصب في الدولة ليست من اختصاصهم، ما يجعل حصيلة الأداء متدنية، وهو الأمر الذي ينذر بمزيد من الفشل.وعلى خلاف إضراب الأطباء، أظهرت تقارير وزارة الصحة الاتحادية زيادة كبيرة في أعداد الوفيات والإصابات بمرض "كوفيد-19"، ما ضاعف من مشكلات المستشفيات، بحيث أصبح من الصعب إيجاد أسرة في مراكز العزل.أصيب المسن السوداني الصديق أحمد (70 سنة) بفيروس كورونا، وفشلت محاولات ذويه في إيجاد مستشفى يستقبله، فاضطروا، حسب قول ابنه ، إلى إبقائه في المنزل، واستدعاء طبيب لمتابعة حالته، لكن كان من الصعب عليهم الحصول على أسطوانة أوكسجين، ففارق الرجل الحياة بعد 10 أيام من إصابته.ويوضح الطبيب هيثم مكاوي، اختصاصي التخدير والعناية المكثفة في مستشفى سوبا الجامعي، للصحيفة "العربي الجديد"، أن "ما يمر به النظام الصحي حالياً يعد من الأسوأ على مدار تاريخه، فهناك ارتباك إداري غير مسبوق داخل المستشفيات سببه التغييرات الإدارية في وزارة الصحة، كما زادت التعقيدات مع عصيان الأطباء وإضرابهم عن العمل، فضلاً عن الانهيار والتدمير الكبير الموروث من نظام الرئيس المعزول عمر البشير، وما تلاه، إذ أثرت السياسات الاقتصادية لحكومة عبد الله حمدوك على القطاع الصحي، وأخيراً تدخل الانقلاب العسكري في تعيينات وزارة الصحة وإدارات المستشفيات، وجرى كل ذلك بالتزامن مع زيادة إصابات كورونا خلال الأسابيع الماضية، ويحتاج المريض الواحد إلى 25 ألف جنيه سوداني يومياً (55 دولاراً) بينما لا يتوفر أي تمويل ويضيف مكاوي أن "الحديث عن مجانية العلاج للفقراء والشرائح الضعيفة أصبح ضرباً من الخيال، فحتى من يمتلكون الأموال لا يجدون مراكز علاجية، ما تسبب في ظهور شركات خاصة تعمل في مجال التطبيب المنزلي يديرها أطباء صغار، ورغم إيجابيتها في تقليل الضغط على المستشفيات، إلا أن تلك الممارسات الطبية تتم من دون رقابة أو محاسبة". ويوضح الطبيب السوداني أن "إنهاء مشاكل النظام الصحي مرتبط بإنهاء الأزمة السياسية في البلاد، واستيعاب النقابات في إدارة المؤسسات الصحية، ووضع خريطة استراتيجية للصحة، وزيادة الرقابة على المستشفيات الخاصة التي تتربح من جيوب المرضى دون رقيب أو حسيب في ظل انهيار النظام الصحي الحكومي".ن جهته، يقول المدير السابق لإدارة تعزيز الصحة في ولاية الخرطوم، محمد نقد الله، والذي تمت إقالته بعد الانقلاب العسكري، إن "النظام الصحي كان قد بدأ بالتعافي خلال الأشهر الأخيرة السابقة على الانقلاب، وظهرت ملامح تحسن تدريجي بحصوله على دعم مالي دولي في مجال تأهيل المستشفيات، وتوفير اللقاحات، والمساهمة في مجالات صحة الأم والطفل بإشراف من منظمة الصحة العالمية، ويونيسف، والاتحاد الأوروبي، والبنك الدولي، لكن المانحين قرروا وقف دعمهم مباشرة بعد وقوع الانقلاب العسكري".أوضح نقد الله أن "السودان حصل في السابق على أكثر من مليون جرعة من لقاحات كورونا المختلفة بدعم من البنك الدولي، وحصل على وعود بالمزيد، وهي جرعات بات مصيرها الآن مجهولاً بعد توقف دعم البنك الدولي"، مشيراً إلى أن "إضراب الأطباء يمكن رفعه في أي وقت، لكن الأزمة الكبرى هي شح المستلزمات الطبية، وأتوقع حدوث هجرة كبيرة من الأطباء بعد الصدمة والإحباط اللذين خلفهما وقوع الانقلاب، خاصة أن الكثير منهم تحملوا بعد ثورة 2019، استجابة لشعار (حنبنيهو) الذي رفعه الثوار، أما الآن فلا أعتقد أنهم سيصدقون ذات الشعار بعد أن أربك الانقلاب كل الحسابات".بدوره، يؤكد الصيدلاني أحمد صقير، لـ"العربي الجديد"، أنه "بحكم التجربة العملية، فإن الانقلابات العسكرية لا تعرف المحاسبة أو الشفافية، وقد ظهر ذلك خلال حكم نظام البشير، والذي جرت خلاله جرائم فساد كبيرة في مجال الدواء، مما ضاعف من أسعاره، وساهم في ندرته، وهو أمر متوقع تكراره بعد الانقلاب الحالي، وبالتالي ستكون هناك أزمات متلاحقة في قطاع الدواء".ويشير صقير إلى أن المعضلة الأخرى التي تواجه قطاع الدواء أنه "يحتاج إلى دعم بملايين الدولارات من الدولة، وبما أن الانقلابات لا تضع ذلك ضمن أولوياتها، وتركز على القطاعات الأمنية والعسكرية على حساب الصحة والتعليم والخدمات، فإن النتائج ستكون كارثية".
www.deyaralnagab.com
|