logo
غزة..فلسطين : لحظات حاسمة قبل القصف.. تهديدات الاحتلال واتصالاته تربك الفلسطينيين!!
16.04.2025

*كتب علاء الحلو..لم تتمكن الفلسطينية سها الغمري من اصطحاب أي شيء من مستلزمات بيتها لحظة تهديد الاحتلال الإسرائيلي منطقة الشجاعية، شرقي مدينة غزة، حيث خرجت برفقة أسرتها على وجه السرعة قبل بدء الغارات والإخلاء القسري. وتخلق التهديدات الإسرائيلية المتتالية لمختلف المناطق في قطاع غزة حالة من الذعر والرعب بين الفلسطينيين الذين يعيشون فصول المقتلة الإسرائيلية منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، جراء التجارب السابقة التي تعرض خلالها سكان المناطق المهددة لمجازر شنيعة.ويمر شريط الجرائم الإسرائيلية سريعا أمام مخيلة أهالي المناطق أو البنايات المهددة بالإخلاء الفوري أو القصف، حيث يستذكرون مباشرة ملامح الغارات القوية التي طاولت المناطق المطلوب إخلاؤها، الأمر الذي يخلق صراعا مخيفا وسباقا قاسيا مع الوقت. ويعيش الفلسطينيون لحظات إرباك وبلبلة مرعبة عند إصدار الاحتلال أوامر الإخلاء، حيث تضج الأماكن بصراخ الأهالي بعضهم على بعض للخروج قبل بدء القصف والأحزمة النارية، ليبدأ بعدها ماراثون الركض والمشي على الأقدام للنجاة بالحياة.وتختلف الأساليب الإسرائيلية المطالبة بالإخلاء، سواء من خلال رمي الطائرات الحربية المناشبر الورقية، أو نشر الخرائط عبر الإنترنت، أو المكالمات الهاتفية والرسائل النصية، أو حتى من خلال إطلاق صاروخ "تحذيري" صغير يضرب سطح المنزل ليقول: "اخرجوا الآن، القادم قاتل ودموي". ولا تتيح التهديدات الإسرائيلية وقتا كافيا للفلسطينيين للملمة أغراضهم ومستلزماتهم الضرورية التي يمكن أن تعينهم على مواجهة الواقع الجديد الذي يتجهون إليه، الأمر الذي يزيد حالة التوتر والقلق، خاصة في ظل انعدام البدائل والغلاء الجنوني في الأسعار.وتقول الفلسطينية سها الغمري (43 عاما)، إنها شعرت بالرعب الحقيقي لحظة نشر الخرائط الداعية لإخلاء المنطقة التي كانت موجودة فيها، وقد سارعت برفقة أسرتها للخروج دون التمكن من حمل أي مستلزمات، وذلك لضيق الوقت والخوف من بدء الغارات خلال لحظة تجميع الأغراض. وتصف تلك اللحظة بأنها الأكثر قساوة ورعبا، حيث يتجمد فيها التفكير، سوى بالنجاة من الموت المحقق، حيث تتعرض المناطق المهددة للقصف المباشر دون مراعاة للوقت أو لإمكانية عدم خروج كل السكان، وترى أن نشر الخرائط أو التهديدات لا يغدو كونه ذرا للرماد في عيون العالم، لإيهامهم بأن الاحتلال يمنح المواطنين فرصة للنجاة بحياتهم، إلا أن الواقع غير ذلك، حيث يبدأ القصف فجأة ودون أي متسع من الوقت.يتغير كل شيء في لحظة حين يعلن أن الاحتلال وجه تحذيرا إلى منطقة ما في غزة، إذ لا يشبه الأمر إعلانا عابرا أو صافرة إنذار، بل هو إعلان مباشر عن اقتراب الموت، فتصبح الثواني أثقل من الجبال، ويتحول الهدوء النسبي إلى فوضى تعم المنطقة. وتتلمس الأيدي المرتجفة لحظة التهديد الأوراق الثبوتية والوثائق الضرورية والأدوية والهواتف والمفاتيح ليتم وضعها في حقيبة أو في كيس بلاستيكي، فيما يحاول البعض حمل كل شيء إلا أن الوقت لا يسعفه، وهناك من يتحرك للنجاة بحياته وحياة أسرته فقط.وتمسك الفلسطينية نغم مهنا (17 عاما)، بدميتها الصغيرة لحظة سماعها أصوات الطائرات الحربية أو القصف، علها تمنحها شيئا من الأمان المفقود. وتقول مهنا إنها اصطحبت دميتها عند الإخلاء الأخير لمنطقتها الواقعة شرقي مدينة غزة، وتوضح لـ"العربي الجديد"، أن كل شيء في الحرب مخيف ومقلق، إلا أن سماعها عبارة "المنطقة مهددة" يعتبر الأكثر قساوة، حيث تتبدل المنطقة في لحظة إلى صراخ وعويل وخوف وارتباك وسباق مع الوقت. وتضيف: "هذه اللحظات تنسيني حتى اسمي، ذات مرة تم قصف بيت مجاور، وشعرنا بأننا سنتعرض للقصف، خرجت مسرعة دون أن ألبس حذائي، نزلنا جميعا على السلالم مسرعين، لم نفكر حينها سوى في الخروج أحياء".ويحمل الفلسطيني خليل حجيلة (41 عاما)، حقيبة الأوراق الثبوتية المجهزة مسبقا لحظة تهديد المنطقة، ويستقل سيارته الصغيرة التي تعرضت لأضرار جراء قصف مجاور، فيما ينطلق نحو المجهول، لا يعرف وجهة سوى الابتعاد عن المكان المهدد. ويبين حجيلة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تهديد المناطق يخلق زحاما مفاجئا في الشوارع، حيث تحمل السيارات والكارات التي تجرها الدواب فوق طاقتها من بشر ومستلزمات، ويسير كل منها في اتجاه دون معرفة وجهة محددة، ويقول: "خلال سيري بالعربة بعد تهديد منطقتنا أوقفني الناس في الشارع، وعرضوا دفع أي مبلغ لنقلهم خارج دائرة الخطر. تمكنت حينها من اصطحاب بعض الأشخاص مجانا، وكنت أتمنى لو اتسعت سيارتي للمزيد، فأنا أدرك حجم الرعب الذي نحياه جميعا".وتعتبر هذه اللحظة بالنسبة للفلسطيني أدهم السمري من أصعب اللحظات التي واجهها وما زال يواجهها، حيث يجمع أفراد أسرته وبعض الأوراق الهامة للخروج على وجه السرعة قبل بدء الغارات. ويوضح السمري، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن ضيق الوقت لا يتيح للأهالي في المناطق المهددة حمل أي مستلزمات ضرورية، حيث ينحصر التفكير في النجاة بالأرواح، دون التفكير بأي شيء آخر، على الرغم من الأهمية البالغة لكل شيء، خاصة في ظل الواقع الاقتصادي الصعب. ويشعر السمري بالعجز أمام أطفاله في هذه اللحظات، حيث يركضون نحوه خائفين دون القدرة على فعل أي شيء سوى نقلهم لمكان آخر قد يشعرهم بنوع من الأمان، ويقول: "عشت كل الحروب، لكن هذه الحرب تعتبر الأقسى والأكثر شراسة".وتختلط مشاعر الفلسطينيين لحظة ترك بيوتهم جراء التهديد الإسرائيلي، حيث يمتزج شعور الخوف والذعر بشعور العجز والغضب لاضطرارهم لترك بيوتهم وأغراضهم وشقاء عمرهم عرضة للقصف والتدمير والضياع أو حتى السرقة. ولا يعتبر تهديد أي منطقة أو بيت مجرد إنذار للنجاة من الموت، بل "زلزالا إنسانيا"، يغير كل شيء في البيت والمنطقة في ثانية واحدة، فيما يدرك الناس أن التحذير لا يعني فقط "أخرج"، بل يعني "قد لا تعود".
*المصدر : العربي الجديد


www.deyaralnagab.com