رام الله..فلسطين : «الاستيطان غير المرئي»… حرب على مياه الضفة!!
14.07.2025
*كتب سعيد أبو معلا..رام الله: يوم 22 من أيار/ مايو من عام 2023 اضطر آخر مَن تبقى مِن سكان تجمع «عين سامية» الفلسطيني، المجاور لمدينة رام الله، والذين يبلغ عددهم نحو 200 إنسان، إلى هجرة أرضهم بعد أن أوصلت إسرائيل حياتهم، عبر سنوات، إلى وضع لا يطاق.ورغم أن المستوطنين حققوا ما يريدون بتهجير سكان التجمع الغني بالمياه، واقتلاع كل ممتلكاتهم، إلا أن هجمات المستوطنين لم تتوقف.الهجمة الجديدة على التجمع كانت مساء الأحد، حيث استهدفت آبار المياه في المنطقة التي ينظر إليها على أنها منطقة غنية بمياه الينابيع.
ويوجد في المكان نحو 6 آبار مياه تزود نحو 19 قرية وبلدة في محافظة رام الله بمياه الشرب منذ ستينيات القرن الماضي وحتى اللحظة.وأعلنت مصلحة مياه محافظة القدس في ساعات متأخرة من مساء الأحد عن أن هجمات المستوطنين المتطرفين أفقدت الهيئة الاتصال والتحكم بجميع آبار عين سامية عقب اقتحام مستوطنين لها وإلحاق خراب ودمار كبير بالمكان.
وقالت مصلحة مياه محافظة القدس في بيان مقتضب إن مجموعة من المستوطنين اقتحموا جميع آبار العين، وقاموا بتخريب وتدمير المكان، الأمر الذي أدى إلى انقطاع الاتصال والتحكم بالكامل بها.وأضافت في بيانها «في حال عدم وضع حد فوري لهذه الاعتداءات فان المنطقة جميعها ستتعرض لكارثة مائية لم يسبق لها مثيل.»ويحمل تكرار الهجمات المنظمة على عيون المياه تداعيات خطيرة حيث استعرض فارس المالكي، رئيس وحدة الإعلام والعلاقات العامة في مصلحة مياه محافظة القدس، الانعكاسات الخطيرة لهذه الاعتداءات على مصدر المياه الرئيسي لعدد كبير من التجمعات السكانية الفلسطينية في حال ترجمت الاعتداءات وقف العمل فيها.وقال المالكي إن مجموعات المستوطنين اقتحمت الآبار وتحديدا المحطة المركزية في المنطقة، وعملت مساء على قطع الاتصال وآليات التحكم وتحطيم كاميرات المرقبة وخطوط الاتصال والإنترنت، إلى جانب تدمير البوابات.وأضاف: «لقد عادت الطواقم إلى الآبار صباحا، والطواقم الفنية ما زالت تعمل في المنطقة من أجل إصلاح خطوط الاتصال، وفحص المياه قبل أي عملية لتزويد المواطنين بالمياه العذبة».وتابع: «كانت لدينا تخوفات من أن يكون المستوطنون قد وضعوا موادًّا سامة في المياه، لكننا قمنا بعد الفحص باستئناف الضخ مرة أخرى».وتمثل مياه عين سامية مصدرا رئيسا لأكثر من 19 تجمعا سكانيا فلسطينيا، وتحديدا في قرى شرق رام الله وصولا إلى شمالها وتحديدا مناطق جلجليا، وعبوين وسنجل.وقال إن نحو 12 ألف متر مكعب تسحب من الآبار لتصل إلى المواطنين، فهي تلبي حاجة نحو 60 ألف مواطن يستفيد من مياه الموقع المستهدف.
*حرب مستمرة
ويرى عبد الرحمن التميمي، مدير عام مجموعة الهيدرولوجيين الفلسطينيين، أن الهجمة ليست بالأمر الجديد على المستوطنين، «لقد استولوا على نحو 25 نبع في الاعوام السابقة، وما يجري في «عين سامية» هو أمر متكرر.ورجح في تصريح لـ«القدس العربي» أن يكون الهدف من الهجوم يتمثل في وجود خطة للسيطرة على تجمع الآبار بعد أن طرد سكان التجمع.
وقال «في تقديري إن المستوطنين وحكومتهم يريدون حسم موضوع المياه في الضفة الغربية من خلال إجبار الفلسطينيين على شراء المياه من محطات التحلية الإسرائيلية وعلى أسس تجارية، أما مياه الفلسطينيين في الضفة الغربية فتخصص للاستيطان».وردا على سؤال بشأن التحرك المتاح للسلطة الفلسطينية، قال إن السلطة وفق اتفاق أوسلو لا يمكنها فعل أي شيء، و»لكن ما يمكنها فعله هو أن تفتح الملف على الصعيد الدولي، كون قضية المياه من الملفات الإنسانية، بالدرجة الأولى».ويعدّ ملف المياه من الملفات التي أُجّل النقاش فيها في اتفاق أوسلو 1993، ومن دون إشراك أطراف دولية، والحديث للتميمي، ولن تحل هذه المشكلة، «وأتوقع أن يكون الضغط على هذا الملف الجوهري في هذا الصيف أكثر فأكثر حتى تكتمل فكرة الإسرائيليين وهي إجبار السلطة الفلسطينية على شراء المياه من الجهة الإسرائيلية».ويرى التميمي أن هناك علاقة وطيدة بين المستوطنين والمياه، ويصف ممارسات الاحتلال بحق المياه الفلسطينية أنها تشكل «استيطانا غير مرئي».ويعود للوراء لفهم ما يجري في عموم الضفة: «في سنة 1967، أي بعد احتلال الضفة بأيام صدر الامر العسكري رقم 92 الذي عدّ كل مصادر المياه مصادر حكومية، أي أصبحت تتبع الجيش الإسرائيلي».وأضاف: «كل الإجراءات الاحتلالية التي تلت ذلك هو عملية تراكم لتلك الرؤية الإسرائيلية المستقبلية».ويفسر الأمر بالقول: «ما يقوم الاحتلال به اليوم هو تعميق سيطرته على 80 % من مصادر مياهنا سواء بشكل مباشر أو غير مباشر».فـ«الفلسطينيون كانوا يشترون نحو 20 مليون متر مكعب من إسرائيل، أما اليوم فقد أصبحوا يشترون حولي 100 مليون، وهذا يعني أن الاحتلال أخذ مصادر المياه الفلسطينية لأغراض الاستيطان وفي نفس الوقت حولنا لزبائن عنده».
ويرى الخبير المائي أن جذور ذلك الأمر كان حاضرا في اتفاق أوسلو الذي وافق عليه الفلسطينيون، «كي أكون أكثر موضوعية هذا أمر مذكور في اتفاق أوسلو، حيث جاء في البند رقم 3 من بند رقم 40 أن العلاقة بين السلطة الفلسطينية وبين شركة ميكروت (المتخصصة في المياه)، هي علاقة على أسس تجارية».وذكر أن الاحتلال نشر في إعلامه أن لديه 12 محطة تحلية للمياه، 4 محطات نُفّذت، و4 تحت الانشاء، و4 مخطط لها، والمحطات المخطط لها إسرائيلي تقول بملء فمها إن 400 مليون متر مكعب التي ستنتجها وتكون زيادة عن حاجة السوق الإسرائيلي ستذهب للسوق الفلسطينية والأردنية».وختم حديثه: «إسرائيل في موضوع المياه واضحة تماما ولها استراتيجية تقول إن المياه الجوفية في الضفة الغربية هي لأغراض تطوير الاستيطان الصناعي والزراعي والسكاني، أما الفلسطينيون فعليهم شراء مياه التحلية من إسرائيل وعلى أسس تجارية، ونحن، للأسف، نذهب في هذا الاتجاه.
*تقرير أممي
وقبل أيام، ذكر تقرير للأمم المتحدة، أن البنية التحتية للمياه في الضفة الغربية تعرضت للتخريب من قبل المستوطنين، وأن ذلك «يعطل وصول السكان للمياه ويضر بالمجتمعات».وأشار التقرير الأممي إلى وقوع حوادث متعددة منذ بداية العام «استهدفت أنابيب المياه في القرى والمناطق الرعوية».وذكر أن «هذه الحوادث تشكل ما نسبته 13 بالمئة من جميع حوادث المستوطنين المتعلقة بالبنية التحتية المائية».وقبل أيام، دمر مستوطنون خطا ناقلا للمياه بين قريتي عقربا ومجدل بني فاضل جنوب نابلس كان يغذي قرى: جوريش، وقصرة، وقريوت، وجالود، ودوما، وتلفيت، ومجدل بني فاضل. وفي السياق ذاته، أظهرت دراسة بحثيّة أعدّها معهد «المحيط الهادئ» أنّ هجمات الاحتلال الإسرائيليّ على إمدادات المياه الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، شكّلت ربع إجمالي أعمال العنف المرتبطة بالمياه في عام 2023، على مستوى العالم.ووثّق معهد المحيط الهادئ الذي يتتبّع العنف المائي، ومقرّه كاليفورنيا، قرابة 350 صراعًا على المياه في جميع أنحاء العالم عام 2023، بزيادة قدرها 50 في المئة عن عام 2022، بما يشمل الهجمات على السدود وخطوط الأنابيب والآبار ومحطات المعالجة والعمّال، فضلًا عن الاضطرابات العامة والنزاعات حول الوصول إلى المياه، واستخدام المياه كسلاح حرب وشملت المناطق التي شهدت قفزات كبيرة في أعمال العنف بسبب المياه، أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، وبوليفار في كولومبيا، والهند، وكذلك النزاعات على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية.وشكّلت النزاعات على المياه في الشرق الأوسط 38 في المئة من إجمالي النزاعات في العام الماضي، ويرجع ذلك إلى حدٍّ كبير إلى الهجمات الإسرائيليّة على إمدادات المياه والبنية الأساسية الفلسطينية في الأراضي المحتلة، حسب المتتبع الذي يرصد التقارير الإخبارية وروايات شهود العيان وتقارير الأمم المتحدة وقواعد بيانات الصراع الأخرى.وأشار التقرير إلى قيام المستوطنين الإسرائيليين، وقوات جيش الاحتلال بتلويث وتدمير آبار المياه والمضخات وأنظمة الري الفلسطينية في 90 مناسبة خلال عام 2023، وهو ما يعادل أكثر من 7 أعمال عنف متعلقة بالمياه كل شهر.والكثير من أعمال العنف مرتبطة بالمياه في الضفة مرتبطة بضم الأراضي وبناء المستوطنات، التي قضت محكمة العدل الدولية في رأي استشاري تاريخيّ بعدم قانونيتها.يذكر أن السياسات الإسرائيلية حتمت على الجهات الفلسطينية الرسمية شراء 85 مليون متر مكعب سنوياً من الاحتلال الإسرائيلي، بحسب مصادر رسمية.وتصل تكلفة المتر المكعب الواحد من الموارد الوطنية لحوالي 2.6 شيقل، بينما تتجاوز تكلفة متر المياه المشترى من إسرائيل 4 شيقل.!!
**المصدر : القدس العربي
www.deyaralnagab.com
|