غزة..فلسطين : مسار طويل وشاق لإعمار غزة بتكلفة 70 مليار دولار!!
16.10.2025
*كتب احمد ابوقمر...يدخل قطاع غزة مرحلة جديدة تُوصف بأنها الأصعب اقتصادياً منذ عقود، بعد أكثر من عامين من الحرب الإسرائيلية المدمرة، إذ لا تقتصر التحديات على إعادة بناء ما دمره الاحتلال من مساكن ومرافق، بل تمتد إلى إعادة تدوير عجلة الاقتصاد المنهار.وسبَّبت الحرب في توقف شبه كامل للنشاط الإنتاجي والتجاري وتراجع الناتج المحلي الإجمالي إلى أدنى مستوياته، وهو انهيار جعل من عملية الإعمار فرصة إنقاذ اقتصادي بقدر ما هي ضرورة إنسانية.وتحتاج غزة إلى مقاربة مزدوجة في إعادة الإعمار، الأولى تركز على استعادة الخدمات الأساسية والبنية التحتية، والثانية تتجه نحو تحريك الاقتصاد المحلي وتنشيط القطاع الخاص.ويتطلب ذلك فتح المعابر بشكل دائم وضخ التمويل الدولي ضمن آلية شفافة تضمن التوزيع العادل للمشاريع مع إشراك الكفاءات المحلية في التنفيذ.
مسار طويل ومعقد
ووفق تقديرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) فإن تكلفة إعادة إعمار قطاع غزة بعد الحرب المدمرة قد تصل إلى 70 مليار دولار، في وقت يواجه فيه القطاع أزمة إنسانية غير مسبوقة ودمارًا واسعًا في المباني السكنية والمنشآت الاقتصادية.وأوضح البرنامج أن عملية إعادة الإعمار ستكون "مسارًا طويلًا ومعقدًا ويحتاج إلى وقت كبير"، مشيراً إلى أن الأولويات العاجلة تتمثل في إزالة الركام وتأمين المأوى المؤقت للسكان تمهيدًا لإطلاق مشاريع الإعمار الشاملة.وأضاف: "نحو 50 مليون طن من الحطام خلفتها الحرب المستمرة منذ نحو عامين، في حين تضررت أو دُمرت 425 ألف وحدة سكنية بشكل كامل أو جزئي، وهو ما يجعل القطاع السكني الأكبر تضرراً في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي"، لافتاً إلى أنّ عملية الإعمار تحتاج إلى نحو 20 مليار دولار خلال العامين المقبلين وهي مرحلة أولى لتأهيل المساكن والبنى التحتية الحيوية.
مساكن من الخيام
يعيش الفلسطيني أحمد عليان من بيت لاهيا في شمال غزة، تجربة مأساوية بعد أن دمّر الاحتلال شقته السكنية في ديسمبر/ كانون الأول من عام 2023، وقال وهو يقف أمام خيمته: "نسكن الخيام منذ عامين، قضيناها نتنقل من مكان إلى آخر، ونتطلع مع انتهاء الحرب إلى البدء الفوري بإعادة الإعمار".وأضاف لـ "العربي الجديد": "لدينا تخوفات من المماطلة في إعمار غزة كما حدث خلال السنوات السابقة، حيث لم يتم إعمار جميع الوحدات التي دمرها الاحتلال في الحروب الماضية".ولفت إلى أن ما يعيشه اليوم ليس مجرد فقدان منزل، بل فقدان استقرار اجتماعي وإنساني، إذ لم يعد هناك مكان دائم يؤويه مع أسرته، مبيّناً أن الأمل في إعادة الإعمار هو ما يبقيه صامداً رغم الصعوبات اليومية.وختم: "نريد خطوات عملية لا وعوداً جديدة، الناس فقدت ثقتها بالحديث المتكرر عن إعمار غزة من دون نتائج ملموسة، نريد أن نرى المعدات تعمل والمنازل تُبنى من جديد".أما الفلسطيني نضال فارس من حي الشجاعية شرق مدينة غزة، فلا يزال ينتظر منذ عام 2014 إعادة إعمار منزله الذي دمرته إسرائيل في التصعيد العسكري آنذاك، قائلاً: "مرّ أحد عشر عاماً ولم يُبنَ منزلي حتى الآن، الاحتلال يرفض أي عملية إعادة إعمار حقيقية ويمنع إدخال مواد البناء والمواد الخام لأنه يريد المعاناة للسكان".وأضاف لـ "العربي الجديد": "خلال السنوات التي تلت تدمير منزلي، اضطررت إلى التنقل بين منازل مستأجرة، مما أنهك وضعي المادي وأثقل كاهله بالديون، كنت أتنقل في استئجار المنازل على مدار سنوات، وحالياً نعيش في خيام بعد أن أصبحت الإيجارات فوق طاقة الناس، لا أحد يستطيع تحمل تكاليف السكن في ظل غياب أي دعم حقيقي". وأكد أن أي عملية إعمار حقيقية يجب أن تبدأ من تغيير جذري في آلية إدخال مواد البناء وتجاوز العراقيل الإسرائيلية، مشدداً على أن "الإعمار لا يمكن أن يتم في ظل الحصار".
بدء الجهود الإنسانية
وفي الجانب الإنساني، بدأت في الأيام الأخيرة عملية إغاثة سريعة في قطاع غزة مع فتح بعض الشوارع الرئيسية واستعادة مصادر المياه في عدد من المناطق التي كانت معزولة بالكامل.وأعلنت الأمم المتحدة، تخصيص 11 مليون دولار إضافية لتوسيع نطاق العمليات الإنسانية في القطاع، وفق ما أفاد به وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، توماس فليتشر.وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، إن هذا المبلغ الجديد يأتي إضافة إلى 9 ملايين دولار خُصصت الأسبوع الماضي من صندوق الاستجابة للطوارئ المركزي (CERF)، لدعم الجهود الإنسانية العاجلة، مثل تأمين الغذاء والمياه والمأوى المؤقت للنازحين.كما بدأت فرق ميدانية مشتركة من منظمات الإغاثة الدولية بإزالة الركام من الشوارع الرئيسية لتسهيل حركة المساعدات، وسط تحذيرات من تفشي الأمراض نتيجة تدهور شبكات الصرف الصحي وتلوث المياه.
ورغم أهمية هذه الخطوات، تبقى محدودة أمام حجم الكارثة، فالأمم المتحدة تشير إلى أن ما يقارب مليون ونصف مليون فلسطيني ما زالوا من دون مأوى دائم، وأن الحاجة الملحة تتطلب مئات الملايين من الدولارات فقط لتأمين الإغاثة المؤقتة قبل البدء بمشاريع الإعمار الكبرى.
رؤية اقتصادية
من جهته، رأى المختص في الشأن الاقتصادي، نسيم أبو جامع، أن الحرب على غزة أوصلت الاقتصاد إلى مرحلة الجمود شبه الكامل، إذ أصبحت السوق السوداء تتحكم في معظم مفاصل الحياة الاقتصادية اليومية.وقال لـ "العربي الجديد" إن المطلوب اليوم هو رؤية شاملة للنهوض بالوضع الاقتصادي، بعد الوصول إلى أرقام كارثية غير مسبوقة، إذ تجاوزت نسبة البطالة 83%، بينما فاقت نسبة الفقر 90%، وهي الأعلى في تاريخ القطاع.وأضاف: "الحديث عن مبلغ 70 مليار دولار للإعمار يبدو منطقياً في ظل الدمار الكبير الذي طاول القطاعات السكنية والبنية التحتية والمرافق الاقتصادية" مؤكداً أن أي خطة إعمار يجب ألّا تقتصر على إعادة البناء فقط، بل تشمل تحريك عجلة الاقتصاد وإحياء القطاعات الإنتاجية.وتابع أبو جامع: "المطلوب هو إعادة فتح المعابر بشكل كامل دون أي معيقات مع بدء تدفق المواد الخام والبدء بمراحل عملية إعادة الإعمار، وعدم إغفال أهمية إنعاش القطاعات الاقتصادية بالتوازي مع إعادة بناء المساكن والبنية التحتية".ولفت إلى أن نجاح عملية الإعمار مرتبط بوجود تمويل سريع ونظام رقابة شفاف يضمن وصول الأموال إلى مستحقيها، محذراً من أن أي تأخير في بدء المشاريع قد يؤدي إلى موجة جديدة من الأزمات الاجتماعية والاقتصادية.
واختتم قائلاً: "في حال كانت هناك نيّات جدية، يمكن إنجاز إعادة إعمار غزة خلال خمس سنوات فقط، بشرط عدم فرض قيود على دخول مواد البناء وإيجاد تمويل دولي عاجل، فالإعمار ليس فقط بناء حجر، بل إعادة الحياة لاقتصاد بأكمله".وكان المتحدث الرسمي باسم بلدية غزة، عاصم النبيه، أكد في تصريحات عقب وقف الحرب، أن المدينة تواجه دماراً "كبيراً جداً" جراء القصف الإسرائيلي الذي استخدم خلال الأسابيع التي سبقت الاتفاق مدرعات مفخخة ضد منازل المدنيين والبنية التحتية، ما سبَّب انهيار شبكات الطرق والمياه والصرف الصحي.
وأوضح النبيه أن البلديات في غزة تقف اليوم أمام تحدٍّ غير مسبوق، بعدما دُمِّر أكثر من 85% من الآليات والمعدات الثقيلة والمقرات والمخازن، في وقتٍ تفتقر فيه إلى أبسط الإمكانات اللازمة للاستمرار في تقديم الخدمات الأساسية للسكان. وأشار إلى أن البلدية قدّمت قائمة مفصلة باحتياجاتها العاجلة إلى المؤسسات الدولية والأممية، تتضمن معدات ثقيلة ووقوداً وقطع غيار ومولدات وشبكات مياه جديدة، محذراً من أن عدم توفير هذه الاحتياجات سيجعل البلديات عاجزة عن تلبية الحد الأدنى من احتياجات المواطنين.
**المصدر : العربي الجديد
www.deyaralnagab.com
|