الفلوجة..العراق : تنظيم «الدولة» ينجح في ترويج حمايته للمكوّن السنّي!!
25.07.2015
على مسافة ستين كيلومتراً إلى الغرب من العاصمة العراقية، بغداد، تقع مدينة الفلوجة، وهي ثاني أكبر مدن محافظة الأنبار، بعد مدينة الرمادي، وتعد الفلوجة العاصمة الاعتبارية للمقاومة العراقية ضد القوات الأمريكية، والتي ظلت تحتفظ بمكانة متقدمة في العقل الجمعي لعامة السُنَّة في العراق، وخارجه، حتى اليوم. والفلوجة هي أول مدينة خضعت بالكامل لسلطة تنظيم الدولة الإسلامية في الأسبوع الأول من عام 2014، ومنها أعلنَ تنظيم التوحيد والجهاد، نواة الدولة الإسلامية، بيانه التأسيسي الذي أعلن فيه «الجهاد» ضدّ القوات الأجنبية، حتى أضحت معقلاً للمقاتلين «الجهاديين» عامةً، والجماعات الإسلامية الموصوفة غربياً بـ «التشدّد» خاصة.بعد معركة الفلوجة الأولى ربيع عام 2004، والخسائر الكبيرة التي تكبدتها القوات الأمريكية التي اُرغمت على التفاوض مع أهالي الفلوجة، وقبولها بشروطهم، اعتقدت القوات الأمريكية، أنّ السيطرة على مدينة الفلوجة تعني في النهاية القضاء على المقاومة المسلحة في العراق، أو «التمرد السُنّي»، حيث شنّت هجوما كبيراً على المدينة خريف عام 2004، انتهى بسيطرتها على المدينة، بعد شهرٍ من القتال الشرس مع المقاتلين المدافعين عن المدينة.أدى الهجوم الأمريكي إلى مقتل أكثر من 3000 مدني، واعتقال عدّة آلافٍ من الشبان بتهمة الإرهاب، وتدمير البنى التحتية للمدينة بشكلٍ شبه كامل، وفرض حصار محكم على حركة الأفراد والبضائع بعد أنْ طوقتها بجدار كونكريتي يتخلله منفذ واحد للدخول والخروج، لكنّ هذه الإجراءات، «ووسائل العقاب الجماعي الأخرى لم تغير من واقع إيمان أبناء المدينة بمقاومة الاحتلال الأمريكي، وهي ثقافة باتت أشبه بجزء من التركيبة السايكولوجية للمواطن الفلوجي في رفض الظلم من أيّ كان، وهو ما انعكس بشكلٍ واضحٍ في خروج عشرات الآلاف إلى ساحات الاعتصامات رافضين النهج الطائفي لحكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وتطور هذه الحركة الاحتجاجية السلمية إلى حركة مسلحة يساهم فيها أبناء المدينة بشكلٍ كبير، «حتى وإنْ كانت هذه الحركة المسلحة تحت راية الدولة الإسلامية، فما يعنينا هو من يدافع عنا، وعن كرامتنا، وديننا، وأعراضنا، أيّا كان طالما نعتقد أنّه يعمل من أجل رفع الظلم عنا، وعن عموم السُنَّة في العراق»، كما يقول الشيخ أبو مجاهد المحمدي، أحد وجهاء عشيرة المحامدة، المقيم في مدينة الفلوجة، ».ويضيف، مستذكراً معركة الفلوجة الأولى، التي قال إّنه شارك فيها، «رغم أنّها كانت معركة قاسية، وإنّ القوات الأمريكية استخدمت كلّ ما لديها من وسائل القتل، والتدمير، بما فيه الفسفور الأبيض، لكنّ كلّ الخسائر لا تعني لنا شيئاً أمام حقائق يعترف بها العدو، قبل الصديق، فهي أول مدينة أجبرت القوات الأمريكية على التفاوض معها، رغم الخلل في موازين القوى العسكرية وغيرها، وهي المدينة التي ما زالت تحظى بمكانة كبيرة في نفوس العرب والمسلمين، والأحرار الشرفاء حول العالم، لهذا تستهدفها الحكومة ومن يؤيدها، ويريدون تدميرها، وكسر كبريائها، وسيفشلون كما فشلت القوة الأعظم في العالم». منذ الأسبوع الأول من عام 2014، فقدت الحكومة الاتحادية سيطرتها على كامل المدينة التي تخضع لسلطة تنظيم الدولة الإسلامية، وقد تعرضت المدينة لعشرات الحملات العسكرية في عهد رئيس الوزراء حيدر العبادي، استمرارا للنهج الذي اعتمده رئيس الوزراء السابق نوري المالكي لاستعادتها، لكنّها جميعاً باءت بالفشل، رغم القصف الجوي بالبراميل المتفجرة، والقصف البري براجمات الصواريخ، والمدفعية بعيدة المدى، التي أتت على بنيتها التحتية المخربة أصلاً.أساليب العقاب الجماعي التي اتبعتها حكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، واستمرار حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي على ذات الأساليب لخلق بيئة طاردة لتنظيم الدولة، وبالتالي تكفل أبناء المدينة بقتاله، وإخراجه من المدينة، باعتباره أحد مسببات الهجمات الحكومية، لكنّ النتائج، على ما يبدو، جاءت مغايرة تماماً للرغبة الحكومية، بل «انعكست على زيادة أعداد الشباب الذين يلتحقون في صفوف تنظيم الدولة، وهؤلاء وغيرهم اليوم يرون بأمّ أعينهم الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها قوات الحشد الشعبي بعد استعادة تكريت، بالإضافة إلى أنها معروفة بولائها لإيران، وتنفيذ سياساتها، وهناك مشاعر غير ودية لدى سُنَّة العراق، والفلوجة بشكلٍ خاص، تجاه الإيرانيين، ودخولهم إلى مدنهم». ويرى مصدرٌ مقرّب من تنظيم الدولة، مقيم في الفلوجة، «أنّ السياسات الحكومية، وانتهاكات قوات الحشد الشعبي، عزّزت كثيراً من موقع الدولة الإسلامية لدى السكان المحليين في المناطق التي ما زالت تحت سيطرتها، وفي الفلوجة بشكلٍ خاص، وقد تمكنت من استثمار تلك الانتهاكات، وتوظيفها، في ترويج مفهوم حماية المجتمع السُنّي من الميليشيات الشيعية، والحرس الثوري الإيراني في نفس الوقت»، وعن العوامل التي تدفع تنظيم الدولة للاطمئنان إلى مستقبل سيطرتهم على المدينة، يقول المصدر المقرّب: «العقيدة القتالية لمقاتلي الدولة الإسلامية الراغبين بالموت لا يمكن قياسها على العقيدة القتالية للجنود، والشرطة، والصحوات، الذين يقاتلون في معظم الأحيان إما دفاعاً عن النفس، أو من أجل الراتب الشهري، لهذا لا نفكر بهزيمتنا على يدّ القوات الحكومية ومَنْ يساندها».لا يقتصر رفض عودة الحكومة الإتحادية، أو أيّ من القوى الأخرى غير السُنيَّة على الرافضين لسياسات الحكومة، والمناوئين لها، بل أيضاً قيادات في مجالس الصحوات، بما فيها صحوات عامرية الفلوجة الأكثر قرباً من الحكومة وسياساتها، ويقول القيادي في صحوة عشيرة البو عيسى، سطام العيساوي، ، «منذ فترة نلمس بشكلٍ واضح، رفض أهالي عامرية الفلوجة، وصحواتها، لأيّ تواجد للحشد الشعبي في الناحية، ومحيطها، لكنّ الخيارات أمامهم أشبه بالمعدومة، لذلك باتوا يفضلون فقط الصحوات على غيرها، ويساندون مقاتليها بكل إمكانياتهم، وهذا سببٌ من أسباب عدم تمكّن تنظيم الدولة من السيطرة على المدينة حتى الآن، وتمسكهم بالصحوات، هو قرار مصيري لمنع وصول التنظيم إلى الناحية، لكنّ هذا لا يعني أنّ أهالي الناحية يفضلون الحشد الشعبي على تنظيم الدولة الإسلامية، فبالتأكيد لو انتهت الصحوات، وأصبحوا أمام خيارين، فإنهم سيختارون تنظيم الدولة، وسيقاتلون الحشد الشعبي لو حاول أنْ يفرضَ نفسه كقوةٍ بديلة عن الصحوات».ويختم القيادي في صحوة عشيرة البو عيسى، حديثه قائلاً: «إنّ صمود عامرية الفلوجة في وجه هجمات تنظيم الدولة، يعود بالدرجة الأساس إلى أنّ المدافعين عن المدينة هم من أبنائها، وهم يحظون بتعاطف أبناء المدينة، وأبناء العشائر المحيطة بها، ويفضلونهم على غيرهم، حيث أنّ فصائل الحشد الشعبي، عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله لا يدافعون عن المدينة لأجل المدينة وأهلها، إنما هو دفاع يرتبط بتوجههم الديني، حيث يرون أنّ عامرية الفلوجة هي خط الدفاع عن المقدسات الشيعية في كربلاء، لذلك لا يعنيهم دمار المدينة، أو قتل سكانها، فالمهم لديهم الدفاع عن المقدسات الشيعية بأيّ ثمن».!!
www.deyaralnagab.com
|