6 آلاف منظمة ليبية في مهب فتوى قانونية!!
10.04.2023
طرابلس- معتز ونيس: في ليبيا، يكاد يطال الجدل جميع مناحي الحياة، إلا أنه هذه المرة وصل منظمات المجتمع المدني جميعا، والتي أنشئت بعد ثورة أطاحت بحكم الزعيم الراحل معمر القذافي (1969-2011)، الذي كان يحظر إنشاء تلك الكيانات.ففي 8 مارس/ أذار الجاري، أصدرت إدارة القانون، في المجلس الأعلى للقضاء، فتوى قانونية تنص على “عدم شرعية الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني” جميعا، والتي جرى إنشاؤها بعد 2011، وهو العام الذي سقط فيه نظام القذافي، عبر احتجاجات شعبية وانتفاضة مسلحة.واستندت الفتوى القانونية إلى أن جميع تلك المنظمات شكلت دون قانون من السلطة التشريعية (البرلمان) ينضم تأسيسها ويحدد تمويلها.وبناء على ذلك، أعلنت الإدارة القانونية، أن “كافة المنظمات والجمعيات التي جرى تشكيلها استنادا إلى لوائح تنظيمية صادرة عن السلطة التنفيذية، دون الاستناد لأي قانون تشريعي، فإنها والعدم سواء، ويتعين على الجهات العليا في الدولة اتخاذ الإجراءات اللازمة لحلها”.وعليه صدر تعميم من ديوان رئاسة الوزراء بحكومة الوحدة، في 13 مارس، موجه إلى كافة الوزرات، يطالبها بضرورة تنفيذ ما خلص إليه الرأي القانوني، الصادر عن إدارة القانون بالمجلس الأعلى للقضاء، وعدم التعامل مع مؤسسات المجتمع المدني.
المنظمات ترد
وردا على ذلك اعتبرت 22 منظمة مجتمع مدني ليبية في بيان مشترك أن “تعميم 13 مارس هو الأحدث في سلسلة الهجمات على المجتمع المدني في ليبيا”.ذات المجتمع المدني وفق المنظمات الموقعة على البيان “هو الذي لعب منذ سقوط نظام القذافي العام 2011 دوراً حيوياً في توثيق انتهاكات حقوق الإنسان ودعم ضحايا الجرائم والانتهاكات بمختلف أنواعها والمحافظة على التماسك الاجتماعي وتقديم المساعدة الإنسانية لكل فئات المجتمع الليبي ولكل فئات المهاجرين”.وفي بيانها طالبت تلك المنظمات السلطات بضرورة “إيقاف القوانين الجائرة وحملات القمع التي تستهدف المجتمع المدني”.واعتبرت المنظمات الإجراء الحكومي الأخير في حقها “يجعل جميع منظمات المجتمع المدني غير قانونية ويعني في النهاية إغلاق مجال العمل المدني بالكامل في ليبيا”.وقالت البيان إن “منظمات العمل المدني واصلت عملها الدؤوب رغم تهديدات الجماعات المسلحة واستمرار العنف ضد المدافعين عن حقوق الإنسان”.واعتبرت المنظمات الموقعة على البيان أن “الحرب القانونية الموجهة إلى المجتمع المدني هي جزء من اتجاه قمعي أوسع يحد من ممارسة الحقوق بما في ذلك حرية الرأي والتعبير والحق في حرية التجمع”.وتابعت “نفس الاتجاه يظهر في استخدام قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية الصادر في 27 سبتمبر 2022 (عن مجلس النواب) والذي جرى استخدامه مؤخرًا كأداة لإسكات الأصوات غير المتطابقة مع توجه السلطات الحاكمة وهي ضمن سلسلة إجراءات جرى انتقادها دولياً”.وذكرت المنظمات أن “تقييد عمل منظمات المجتمع المدني ينتهك التزامات ليبيا القانونية الدولية بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي صادقت عليه ليبيا”.وفي جانب أخر نبهت المنظمات الليبية إلى أن “تعميم 13 مارس يمنع عمليا المراقبة المستقلة للانتخابات المحتملة في العام 2023 والتي من المقرر أن يلعب المجتمع المدني دوراً حيوياً في هذه العملية بما في ذلك مراقبة نزاهة عملية التصويت”.المنظمات الأهلية قالت أيضا إن “هذه الحملة القمعية المتجددة تثير تساؤلات حول نية حكومة الوحدة الوطنية في تنظيم انتخابات نزيهة تنقل البلاد نحو الاستقرار والديمقراطية”، وفق نص البيان.ومضت بالقول “الهيئات الحاكمة المتنافسة في ليبيا قادرة على تنحية خلافاتها العنيفة جانباً والتوحد حول شيء واحدٍ () وهو خنق المجتمع المدني والهجوم على منظماته وانعدام ضمان الأمن أو الحماية لأفراده والجمعيات المرتبطة به”.وطالبت المنظمات الأهلية “السلطات الليبية بإصدار مرسوم ينظم عمل منظمات المجتمع المدني للفترة المؤقتة مع مراعاة المعايير الدولية لحقوق الإنسان وبالمشاركة مع المجتمع المدني حتى يجري إصدار قانون جديد ينظم عمل المجتمع المدني من السلطة التشريعية الجديدة”.كما طالبت “بضمان التحقيق في جميع أشكال الانتهاكات بما في ذلك التهديدات والأعمال الانتقامية ضد منظمات المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان ومحاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات وتوفير الحماية اللازمة للمدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان بطريقة تسمح لهم بأداء اعمالهم ومتابعة أنشطتهم بحرية”.اعتبر الناشط في المجتمع المدني وليد المصراتي، أن “الفتوى القانونية، التي تلقفتها الحكومة، كارثة بكل المقاييس، وتهدد مصير نحو 6 آلاف منظمة أهلية فاعلة”.وفي حديث مع الأناضول، قال المصراتي، العضو في مجلس إدارة منظمة محلية، إن “ما صدر عن إدارة القانون بالمجلس الأعلى للقضاء، لا يعد حكما قضائيا، بالتالي هو غير نافذ وغير مُلزم”.وتابع “أستغرب من صدور مثل تلك الفتوى الجدلية، وأستغرب أكثر من بناء الحكومة عليها، ومصدر استغرابي أن مؤسسات المجتمع المدني الرافد للسلطة والشعب في العالم”.وأضاف “في ظل أزمة اقتصادية خانقة بالبلاد، تعمل مؤسسات المجتمع المدني الناشطة في مجال الإغاثة، على دعم الفئات الفقيرة، فيما تعمل أخرى على رعاية الأيتام، وأخرى أيضا في إثراء الثقافة عبر نشاطات أدبية”.المصراتي، اعتبر أن “كل تلك الجهود التي يبذلها المجتمع المدني تأتي في ظل العجز الحكومي الحالي، أي أنه على الحكومة شكر ودعم تلك المنظمات، وليس إرباك عملها وإلغائها”، على حد قوله.وأشار إلى أن “المجتمع المدني يتعرض للتضييق من الحكومات المتعاقبة، وذلك بإصدار قرارات وقوانين تعد تقييدا لعمله”.واستطرد الناشط المدني قائلا “تلك الفتوى تستند إلى أن منظمات المجتمع المدني تعمل دون قانون صادر عن السلطة التشريعية منذ 2011، وهذا أمر يدين السلطة التشريعية، بدءا من المجلس الوطني الانتقالي المؤقت (2011-2012) مرورا بالمؤتمر الوطني (2012-2014) إلى مجلس النواب (منذ 2014)”.تلك الهيئات التشريعية المتعاقبة، يرى المصراتي، أنها “قصرت في عملها، ولم تصدر قوانين، باعتبارها الجهة المخولة بذلك”.وتساءل “كيف يتم لوم مؤسسات المجتمع المدني بسبب تقاعس جهات أخرى عن أداء مهامها”. كما اعتبر أن “هذه الفتوى القانونية إلغاء لمكتسبات ثورة 17 فبراير، التي جاءت من أجل ضمان حرية التعبير حق التنظيم المدني”ولفت الناشط المدني، إلى أن “إجحاف نظام القذافي، في حق المنظمات الأهلية أحد أهم أسباب قيام الثورة ضده”.وفي الوقت ذاته، استغرب “تبني حكومة الوحدة للفتوى المثيرة للجدل، رغم أنها أصدرت في 19 فبراير/ شباط الماضي، القرار رقم 138 لسنة 2023، الذي يقضي بتشكيل لجنة لدراسة طلبات إشهار الجمعيات الأهلية، فكيف تتبنى فتوى بحلها؟”.المصراتي، شدد على أن “حرية الرأي والتعبير وتشكيل الجمعيات والمنظمات؛ سواء المدنية أو السياسية، حق أصيل من حقوق الإنسان”.ولفت إلى أن الفتوى القانونية تعد “انتهاكا للمواد (7 و14 و15) في الإعلان الدستوري (دستور مؤقت منذ 2011) التي كفلت حق الليبيين في إنشاء منظمات المجتمع المدني وحرية عملها”.وعلى الطرف المعاكس، يساند آخرون الفتوى القانونية القاضية بعدم شرعية مؤسسات المجتمع المدني، بينهم المحامي أيوب الحسناوي، الذي قال إن “للفتوى القانونية أبعاد أخرى، أولها الأمن القومي الليبي”.وأوضح الحسناوي أن “أكثر من 70 بالمئة من المنظمات الأهلية العاملة في البلاد تتلقى دعما ماليا من منظمات خارجية، وهنا مربط الفرس”.وأردف “بعض تلك المنظمات الدولية لها أجندات في ليبيا معادية للأمن القومي، وأخرى معادية للإسلام بشكل عام، وتستخدم المنظمات النسوية الليبية لتحقيق تلك الأهداف الخبيثة”.الحسناوي، لفت إلى أنه “في مجتمع حديث العهد بالعمل المدني مثل ليبيا، يجب أن يكون هناك رقابة لصيقة بالمنظمات العاملة، وذلك لضمان سلامة البلاد، خاصة مع وجود أعداد كبيرة من عناصر المخابرات الأجنبية داخل البلاد”.واستدل بما بثته قناة الجزيرة القطرية قبل أيام، قال إنها “فضحت مخططا روسيًا عبر ضابط مخابرات قبضت عليه قوات حكومة الوحدة في طرابلس عام 2019، وكان يتجول في طرابلس على أنه ضمن منظمة مجتمع مدني دولية معنية بالثقافة”، على حد قوله.ففي 17 مارس الجاري، بثت قناة الجزيرة، تحقيقا تلفزيونيا، من برنامج “ما خفي أعظم”، بعنوان “أسرار شوغالي”، سلطت فيه الضوء على مكسيم شوغالي، رئيس صندوق حماية القيم الوطنية في روسيا، الذي اعتُقل مع مرافقه في العاصمة الليبية طرابلس عام 2019، بتهمة محاولة التأثير على الانتخابات.واعتبر الحسناوي، أن هذا المثال “يوضح خطورة عشوائية عمل تلك المنظمات في ليبيا، والحاجة لتقنين عملها، وبنائها عبر قوانين ناظمة حقيقية”.
*(الأناضول)
www.deyaralnagab.com
|