logo
1 2 3 41150
الشاوري يُنعش الصيادين وفرحة موسمية لا تعوّض!!
25.06.2025

**يُسلط موسم صيد سمك "الشاوري" الذي يظهر مرة واحدة سنويًا قبالة سواحل بنزرت التونسية بين مايو ويونيو. وتبرز أهمية السمك اقتصاديًا وثقافيًا، ودوره في تراث المنطقة الغذائي، إضافة إلى تنظيم مهرجان سنوي للاحتفاء به. كما يتناول تحديات الصيادين وضرورة تنظيم الصيد للحفاظ على استدامته.
تونس - في شهر واحد من العام يجتمع عشاق سمك “الشاوري” مرة بالفترة بين مايو ويونيو بميناء “كاب زبيب” الصغير التابع لبلدية الماتلين بمحافظة بنزرت التونسية لتذوق سمك لا يأتي إلى سواحل البلاد سوى شهر واحد في العام.
وعندما يصل الزائر إلى الميناء الصغير الرابض تحت تل صخري حيث ترسو قوارب الصيادين الصغيرة، تجذبه رائحة شواء “الشاوري” الذي يقدم مجانا خلال المهرجان المخصص له والذي يقام سنويا ليوم واحد.
محمد جمال، بحار في الخمسينات، قال وهو يجهز شباكه للخروج في رحلة صيد على قاربه الصغير “هذا السمك يأتي مرة في السنة لمدة شهر، وجميع البحارة ينتظرونه لتحسين مداخيلهم وتجديد مراكبهم من دخله”. وأشار إلى أن “الشاوري”، “يأتي بين منتصف مايو ومنتصف يونيو، ونحن نعرف أماكن تواجده على سواحل بنزرت وهو يتنوع بين الكبير والصغير”.
وتابع جمال “يتم استهلاك هذا السمك بشكل كبير في منطقتنا خاصة في منطقة رأس الجبل المحاذية لميناء كاب زبيب”. وقال “البعض يقوم بتمليح هذا السمك ويبقى مخزنا ويقدم على طول السنة مع السلطات بعد شوائها”.
ويؤكد جمال أن “البحر في بنزرت غني بهذا السمك الذي يباع عادة بين 15 دينارا/ كلغم (5 دولارات) في أول الموسم ثم ينحدر سعره إلى 8 و10 دنانير ( 2.6 دولار و 3.3 دولار).”
واشتكى جمال من قلة تنظيم صيد سمك “الشاوري” بالقول “الصيد الدائم لا يترك فرصة للبحر للراحة اللازمة ليتجمع السمك من جديد”. وأضاف “يتجمع الشاوري حول الذريع (التسمية التونسية لنبتة البوسيدونيا) ويبيض في سواحل بنزرت ثم يغادرها”. بدوره يقول بدرالدين الفْقَيِّر (سبعيني) وهو مزود ثلج بميناء “كاب زبيب” إن “سمك ‘الشاوري‘ أو الزميمرة أو الجامور له طريقة عيش خاصة”.
ويضيف أن “‘الشاوري‘ له خاصيات فريدة، حيث يبدأ بالتجمع منذ 25 أبريل في مكان للتزاوج وينتظر ريح الشرش (الرياح الشمالية الغربية وفق تسمية البحارة) ليشكل كرة كبيرة وينزل في آخر هبوب الريح فتتجنب الدلافين أكله ويأتي البحارة لصيده”.
وأضاف الفْقَيِّر “يبدأ العمل على صيد ‘الشاوري‘ من 10 مايو ويستمر إلى يونيو، وإذا تم تكثيف الصيد يغادر ‘الشاوري‘ المكان ويصبح فريسة سهلة للدلافين”. وتابع “ليس هناك من يوجه البحارة لطريقة صيد جيدة لسمك ‘الشاوري‘ الذي يختلف عن باقي أنواع الأسماك إذ له نمط حياة خاص به”.
ويقول الفْقَيِّر “موسم صيد ‘الشاوري‘ ينتظره الفقير ومتوسط الحال والغني للحصول على مردود مالي، ولكن منذ 3 سنوات تراجعت مداخيل البحارة من صيده وبيعه”. وأضاف “كان البحارة يدّخرون منه المال لمواجهة مصاريف كامل الصيف (..) منذ 10 سنوات كانت مداخيل الصيادين خلال موسم ‘الشاوري‘ لقارب لا يتجاوز طوله 9 أمتار نحو 40 ألف دينار (26.6 ألف دولار آنذاك).”
ووفق الفْقَيِّر “ينتشر ‘الشاوري‘ بين (مدينتي) طبرقة وقليبية ومنه يمر حتى منطقة الشابة بمحافظة المهدية، ولكن من يحتفي به هو مدينة الماتلين ويستهلكونه بكثرة”. وقال “بحكم علاقات المصاهرة بيننا وبين جهات أخرى انتشر استهلاك هذا السمك في مناطق أخرى (من تونس) وأصبح الجميع يسأل عنه ويأتون من العاصمة لشرائه”.
وأوضح الفْقَيِّر أنه “بصفة عامة 90 في المئة من السكان يستهلكونه مقليا، ولكن في منزلنا كانت والدتي تشويه بقليل من الزيت ويكون لذيذ جدا.” وتابع “هناك طريقة ثالثة أن أنثى ‘الشاوري‘ يتم تجفيفها وتمليحها وتخزينها، ويتقن هذا سكان رفراف (قرية مجاورة لمدينة الماتلين).”
وقال حاتم سعيد، باحث في التراث “علاقة سواحل بنزرت بالسمك عريقة جدا فمنذ حضارة قرطاج (814 ق م – 146 ق م) إلى روما نجد فسيفساء تشير إلى صيد السمك والأخطبوط في بحيرة بنزرت”.
وأضاف، “‘الشاوري‘ يتبع مسارا في البحر تكون فيه درجة معينة لحرارة المياه،” مبينا أن “المسار من ميناء كاب زبيب إلى الرأس البحري لمدينة الماتلين يمر به سمك التونة ويمر معه ‘الشاوري‘ الذي يطلق عليه في أماكن أخرى الزميمرة أو الزرقة”.
وتابع أن سمك “الشاوري”، “يعيش في أعماق بين 20 و50 مترا في البحر المتوسط ثم يتوجه للتكاثر في جزيرة جالطة (قبالة مدينة بنزرت) ثم يأخذ مساره نحو السنغال في المحيط الأطلسي”.
وقال سعيد “تاريخيا معروف فإذا ظهر سمك التونة يظهر الشاوري والعكس صحيح، والآن ليس لنا بحارة مختصون في صيد التونة لأنه لنا فقط قوارب صغيرة تهتم بصيد ‘الشاوري‘ والبحارة يقولون إن التونة تقتفي أثر ‘الشاوري‘ لالتهامه”.
وأكد سعيد على أهمية وجود سمك “الشاوري” في مطبخ مدينة بنزرت والقرى الساحلية المحيطة بها، مبينا أنه “من مدينة غار الملح إلى بنزرت هناك عادات غذائية مرتبطة بهذا السمك فهو يجفف للاستعمال كامل العام”.
وذكر أن “الشاوري”، “له كذلك أهميته في المطبخ الأندلسي البنزرتي لأن الأندلسيين عندما أتوا إلى تونس (بداية من القرن 13) حملوا معهم عادات غذائية منها تمليح الأسماك”. وتابع سعيد “لتثمين هذا المنتوج البحري نقيم سنويا مهرجانا لتذوق سمك ‘الشاوري‘ مجانا”.
بدوره قال حمدي زغبيب منسق عام مهرجان “الشاوري” بمدينة الماتلين “منذ عام 2022 نقيم مهرجانا سنويا لـ‘الشاوري‘ وأردنا من خلاله أيضا التعريف بالمنطقة سياحيا واقتصاديا وعرض منتجات حرفية لمدينة الماتلين”. وأضاف زغبيب وهو رئيس سابق لبلدية الماتلين "'الشاوري' هو علامة من علامات كاب زبيب ومنطقة بنزرت بصفة عامة."


www.deyaralnagab.com