logo
1 2 3 47740
القدس المحتلة : "الاستيطان الصامت".. وحش مُتخفٍّ يبتلع ما تبقى من القدس والضفة!!
15.10.2018

دون ضجيج، وبعيداً عن أعين الإعلام، ينشط في الخفاء "وحش" إسرائيلي خطير، مهمته سرقة وابتلاع ما تبقى من الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية والقدس، التي نجت بأعجوبة من مصيدة عطاءات البناء الاستيطانية الرسمية التي تُعلنها الحكومة الإسرائيلية.طرح حكومة الاحتلال، في صُحفها الرسمية ومنابرها الإعلامية، لعطاءات بناء في المستوطنات التي لم تتوقف منذ سنوات طويلة، في الضفة والقدس على وجه الخصوص، يعتبره الفلسطينيون غطاء تتستر فيه على تفاصيل مخطط أكبر يسير خلف الكواليس، أكل الأرض الفلسطينية وغيَّر معالمها الجغرافية والديمغرافية مع مرور الزمن."الاستيطان الصامت"، الذي تدعمه منظمات إسرائيلية متطرفة بتوجيه من الحكومة، يعد من أخطر الأذرع التي تتلاعب فيها "إسرائيل" لفرض سيطرتها بقانون القوة على الأراضي الفلسطينية بطرق غير مشروعة، بعيداً عن رصد الإحصائيات التي تُشرف عليها مؤسسات رسمية، لإرضاء المستوطنين، وهروباً من موجة الانتقادات العربية والدولية والأممية التي ترافق الإعلان عن بناء وحدات استيطانية جديدة.- سرقة في الخفاءبالقرب من قرية "وادي المالح"، في الركن الشمالي الشرقي من الضفة الغربية المحتلة بالأغوار، أقام مجموعة من المستوطنين، منتصف العام 2015، بؤرة استيطانية صغيرة على إحدى الأراضي الزراعية المحاذية للقرية، وشملت بعض البيوت المتنقلة (كيبوتسات)، ولكن بصورة تدريجية بدأت هذه البؤرة تكبر حتى أصبحت مستوطنة رئيسية وكبيرة، بحسب ما صرح به عارف دراغمة، رئيس المجلس القروي لوادي المالح.ويقول لـ"الخليج أونلاين": "في البداية اعتقدنا أن هذه البؤرة ستزول؛ لكونها بعيدة وعشوائية، ولم تحظَ بإعلان رسمي من قبل الحكومة الإسرائيلية، لكن مع مرور الشهور أصبح الدعم المالي واللوجستي يصل إلى هذه البؤرة في الليل والنهار، وبدأت تكبر تدريجياً حتى صادرت مساحات كبيرة من محيط قريتنا".ويشير إلى أن هذا النوع من التوسع الاستيطاني يطلق عليه اسم "الاستيطان الصامت"، الذي يبتلع الأراضي الفلسطينية، ويصادرها دون أي إعلان رسمي من قبل حكومة الاحتلال، وهذه الطريقة شهدت ازدهاراً كبيراً في الفترة الأخيرة، خاصة في مناطق الأغوار والمناطق الشمالية من الضفة الغربية.هذا النوع من الاستيطان، بحسب دراغمة، الذي لا يعلن عنه رسمياً، ولا حديث حتى عن تكلفته أو مساحته، غالباً ما يجري داخل التجمعات الاستيطانية الكبيرة مثل غوش عتصيون قرب بيت لحم (جنوب الضفة الغربية)، ومعاليه أدوميم، وشرقي القدس، وأرئيل قرب سلفيت (شمال الضفة الغربية)، وهذا الاستيطان يتكامل مع الاستيطان المُعلن عنه بصورة رسمية الذي يتم تحديد مكانه والمدة الزمنية لإنشاء كتله، وتكلفته المالية.أذرع "الاستيطان الصامت" الطويلة لم تطل فقط مناطق واسعة من شمال الضفة الغربية، بل وصلت إلى مدينة القدس المحتلة ومحيطها، فخلال سنوات قليلة صادرت آلاف الدونمات التابعة للفلسطينيين، ووضعت مكانها بؤراً استيطانية حديثة البناء، أصبحت فيما بعد بلغة الأمر الواقع مستوطنات يقطنها آلاف المستوطنين.وفي تقرير لها نشر بتاريخ 20 سبتمبر الماضي، كشفت حركة "سلام الآن" (حركة إسرائيلية ترصد التطور الاستيطاني في المناطق المحتلة) عن أن الحكومة الإسرائيلية ضاعفت ثلاث مرات عدد البيوت الاستيطانية في السنة الماضية؛ من 2629 وحدة سكنية في سنة 2016 إلى 6742 وحدة في سنة 2017، وأن وتيرة البناء الحالية، تدل على أنه في الربع الأول من سنة 2018، وضعت مشروعات وخطط بناء لمضاعفة عدد الوحدات السكنية سبع مرات مقارنة بالسنة السابقة.وبحسب إحصائيات فلسطينية رسمية، فإنه ومنذ مطلع العام 2018، زاد الاستيطان على الأراضي الفلسطينية المحتلة بالضفة والقدس بنسبة 1000%، وتضاعفت موازنة الاستيطان حتى وصلت إلى 600% في نفس العام، وارتفع عدد المستوطنات المقامة على الأراضي المحتلة إلى رقم قياسي وصل حتى 503.-* ابتلاع المدن الفلسطينيةويعتقد خبراء ومختصون في قضايا الاستيطان الإسرائيلي، في أحاديث خاصة لـ"الخليج أونلاين"، أن اعتماد حكومة الاحتلال على "الاستيطان الصامت" في تنفيذ مخططاتها التهويدية والعنصرية للسيطرة على الأراضي الفلسطينية، كان سبباً في الارتفاع المخيف لنسبة الاستيطان وعدد المستوطنات.ويقول الخبير في شؤون الاستيطان ومدير دائرة الخرائط بجمعية الدراسات العربية في القدس، خليل التفكجي: إن "الاستيطان الصامت يعد من أخطر المخططات الإسرائيلية وأكثرها تأثيراً على أرض الواقع، لكونه يسير في الخفاء ويأكل ويسرق ما يشاء من الأراضي الفلسطينية دون أي حساب".ويضيف لـ"الخليج أونلاين": "هذا النوع من الاستيطان يتواصل على الأرض، ولا تمسه أي قرارات للتجميد أو حتى المنع إذا حمتها الظروف السياسية، فهو يسير ضمن مخطط إسرائيلي خطير لالتهام الأراضي الفلسطينية والسيطرة عليها بطرق العربدة والقوة، لتصبح أرضاً ممنوحة للمستوطنات، وفرض واقع جديد".ويوضح أن هذا النوع من الاستيطان تُشرف عليه منظمات إسرائيلية متطرفة، تلقى الدعم والتمويل بصورة غير مباشرة من حكومة الاحتلال، وهدفها الرئيسي سرقة أكبر قدر من الأراضي الفلسطينية وتحويلها للمستوطنات، دون أن يشعر أو يرصد عملية السرقة أحد، لإرضاء المستوطنين، والهروب من الإدانة والغضب الدولي.ويلفت الخبير في شؤون الاستيطان إلى أن الهدف الرئيسي من هذه المستوطنات، سواء كان بناؤها صامتاً أو رسمياً، هو تغيير جغرافي وديموغرافي للأراضي الفلسطينية، لتقطيع القرى والمدن الفلسطينية وابتلاعها تدريجياً، ومحاصرتها من كل جانب، ومنع تمددها.ويشير إلى وجود مخططات لعزل القدس عن عمقها في الضفة الغربية، ببناء مستوطنات "بيت إيل" و"شاعر بنيامين" بقلنديا، ومنطقة "عطروت" بمشروع استيطاني ضخم يضم 2000 وحدة، وتغيير في حركة المواصلات، مع التغييرات في المعبر العسكري "عطروت - قلنديا " وبناء جسور وأنفاق مع قريتي جبع وحزما ومنطقة الكسارات أسفل مخيم قلنديا.ولفت التفكجي إلى أن التغيير الحاصل في الضفة الغربية، وخاصة المناطق المتاخمة لحدود القدس هي تغييرات جوهرية وذات أبعاد خطيرة على مستقبل القدس والضفة معاً، مقدراً حجم الموازنات والتعهدات المالية الضخمة لهذه البؤر الاستيطانية والمستوطنات الجديدة بأكثر من نصف مليار دولار."حكومة الاحتلال تبنت بشكل رسمي مبدأ الاستيطان الصامت، وهي تعمل- من خلال مؤسسات وجمعيات تابعة لها- على تحقيق كل أهدافها غير المشروعة والتي تلتف على القانون الدولي من خلال هذا المنهج الظالم"، يقول غسان دغلس، مسؤول ملف الاستيطان بالضفة الغربية المحتلة.ويوضح لـ"الخليج أونلاين" أن هذا النوع من البناء الذي عادة ما يكون بطرق التفافية وغير قانونية، لم يتوقف منذ سنوات طويلة، وقد زاد بطريقة مخيفة نهاية العام 2014، حتى سجل أرقاماً جنونية، مطلع العام 2018، في سرقة الأراضي الفلسطينية بالضفة والقدس ومصادرتها.ولفت إلى أن حكومة الاحتلال هي التي تمنح المستوطنين والمؤسسات اليهودية الضوء الأخضر من تحت الطاولة لتنفيذ هذه المشاريع الصامتة، موضحاً أن هذا الأمر لن يسكَت عليه، وسيكون هناك رد فعل فلسطيني قوي على هذه الخروقات والتعديات التي تجاوزت كل القوانين الدولية، وابتلعت معظم الأراضي الفلسطينية.يذكر أن المستوطنات المقامة على أراضي الضفة والقدس، تغلق ما مساحته قرابة 435,000 دونم بحجة الأمن، وتعتبر هذه المساحات احتياطياً استيطانياً وقد سقطت بقبضة الاحتلال بحكم الأمر الواقع، وأن معسكرات جيش الاحتلال، المقامة فقط على الأراضي الفلسطينية لحماية هذه المستعمرات، مقامة على 55,000 دونم.ويبلغ مجموع مساحات الأراضي الضائعة من الفلسطينيين بسبب الاستيطان وحماية المستعمرات وطرقها والجدار العازل قرابة 1864 كم، وهذه تشكل ما نسبته 33% من مجموع مساحة الضفة الغربية، ونسبة مساحة الأراضي المصنفة (C)، التي تخضع للسيادة التامة الإسرائيلية من أراضي الضفة الغربية، قرابة 60% من مجموع مساحة الضفة الغربية.الأمين العام للهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات، حنا عيسى، بدوره حذر من الاستيطان الصامت الذي تنفذه سلطات الاحتلال في الضفة والقدس، مشيراً في بيان صحفي وصل "الخليج أونلاين" نسخه منه إلى أن الاستيطان "يفوق خطره عمليات البناء الاستيطاني الذي تعلن عنه الحكومة".وقال: "وفقاً للمؤشرات فإن الاستيطان زاد في مطلع عام 2018 ما نسبته 1000%، وموازنة الاستيطان تضاعفت 600%"، وأن مجموع المستوطنات في الضفة الغربية وشرقي القدس بلغ 503 مستوطنات تلتهم نحو 200 ألف دونم من الأراضي الفلسطينية، يزيد عدد المستوطنين فيها على مليون"."الاستيطان لم يتوقف أبداً، ومصادرة الأراضي وفقاً للإحصائيات تشير إلى أن الاحتلال صادر أكثر من 25 ألف دونم خلال العام المنصرم، علاوة على السرقات العشوائية التي تنفذها منظمات تابعة للاحتلال ومستوطنوه بشكل صامت، وهو الأمر الذي يفوق خطره وأبعاده الاستيطان الحكومي المعلن"، يضيف عيسى.ويشير إلى سعي سلطات الاحتلال لإغراق مدينة القدس المحتلة بالمستوطنين، وضرب ثلاثة أطواق استيطانية حولها، الأول يطوق منطقة المسجد الأقصى والبلدة القديمة، والثاني يطوق الأحياء في القدس، والثالث يطوق القرى العربية المحيطة بالقدس، منبهاً إلى إنشاء الاحتلال عدداً كبيراً من الأحياء الاستيطانية والمستوطنات على رؤوس التلال والأودية التي تسهل الدفاع عنها.وطالب بالتحرك دولياً لإجبار سلطات الاحتلال على التوقف عن مواصلة سياساتها الاستيطانية العلنية والصامتة قائلاً: "ذلك أن مواصلة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة يخالف الأعراف والاتفاقيات الدولية، خاصة المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين لعام 1949".وبين أن هذه المادة تحظر على دولة الاحتلال نقل المستوطنين إلى المناطق المحتلة، كما عدت المادة الثامنة الفقرة ب/ 8 من ميثاق المحكمة الجنائية الدولية لسنة 1998، نقل دولة الاحتلال جزءاً من المستوطنين إلى الأراضي المحتلة جريمة حرب.الجدير ذكره أن ملف الاستيطان أحد أبرز ملفات الخلاف بين الفلسطينيين و"إسرائيل" في ظل توقف مفاوضات السلام بينهما منذ نهاية مارس من العام 2014، بعد تسعة أشهر من المحادثات برعاية أمريكية لم تفض إلى أي اتفاق، فيما ارتفعت وتيرة الاستيطان إلى أرقام جنونية خاصة بعد وصول دونالد ترامب إلى كرسي الرئاسة الأمريكية.!!
المصدر: الخليج أونلاين


www.deyaralnagab.com