فلسطين المحتلة : الأسيرة المحررة منى قعدان: كنا نُصر على الفرح وإحياء طقوس العيد في السجن برغم الأوجاع!! 24.05.2020 *كتب علي سمودي- أعياد عديدة قضتها الأسيرة المحررة منى حسين عوض قعدان (46 عاماً) خلف القضبان، وعاشت معاناة ووجع الأسيرات في غياب الأهل والأحبة، وكان لها دور كبير وبصمات في التخفيف من ألم وأحزان الأسيرات وتعزيز صمودهن وثباتهن، وخلق أجواء احتفالية رغم منغصات الإحتلال وادارة السجون التي تحرمهن من أبسط حقوقهن.تنحدر المحررة منى قعدان وهي من بلدة عرابة، من عائلة مناضلة، عاشت تجربة الاعتقال الأولى في أقبية التحقيق على مدار 37 يوماً، بعد اعتقالها بتاريخ 15-12-1999 ، وتتالت فصول اعتقالها التي لم يسلم منها أحد من أفراد أسرتها، وخاصة الشيخ طارق قعدان، وقد تزامن اعتقالهما أكثر من مرة.وتقول منى "أصعب وأقسى اللحظات في حياة الأسير/ة وتجربتها الاعتقالية، هي المناسبات والأعياد على وجه الخصوص، فالأسر بحد ذاته، منغصات ومتاعب وحرمان، فكيف يكون في أوقات الأفراح والأتراح، لاسيما في العيد وطقوسه بلمة الأهل".وتضيف "رغم الحواجز والقيود والقضبان، تتحدى وتعيش الأسيرة مع أهلها في كل ثانية من يوم العيد، تتذكر كيف يخرجون إلى الصلاة، وسماع التكبيرات التي تعتبر بمثابة اكسجين القلب، إفطار العيد المميز وجمعة العائلة، ملابسهم الجديدة، حصول الأسيرة على العيدية من أبيها وأخيها وأقاربها، وما تمثله كل تلك الزيارات والتفاصيل من فرح. تفاصيل اليوم الأول من العيد تبقى مع الاسيرات تلازمهن حتى الغروب وانتهاء العيد، حيث تخلد بعد ذلك إلى برشها والآهات تملأ صدرها، لتبقى تتذكر وتتأمل، فالأمل سلاح الصبر والصمود الأول والأهم".قضت منى خلف القضبان 7 سنوات، خلال 5 اعتقالات، كان آخرها بتاريخ 13-11-2012، واستمر 42 شهراً حتى تحررت بتاريخ 10-3- 2016، حيث توفيت خلالها والدتها واعتقل شقيقيها طارق.وتقول منى: "رغم كل هذه الأوجاع ، فإننا متمسكون بالصبر وصناعة الفرح وإحياء طقوس العيد، كنا نوجد حالة الفرح والاحتفال رغم المعاناة، ونتمكن من إدخال السرور والسعادة على قلوب الأسيرات رغم الوجع والبعد عن الأهل الذين نستذكر معهم كل ثانية تمر خلال أيام العيد، وفي الوقت نفسه كانت إدارة سجون الاحتلال تجاول عادة افتعال أي منغصات، وتتعمد ذلك حتى لا ترى الفرح في عيون الأسيرات، فتتبع كل الأساليب من أجل منع الفرحه، مثل إعلان حالة الطوارئ وإغلاق الغرف، ومنعهن من التجمع أو منع صلاة العيد، لكن العقاب الأقسى الذي كانت تمارسها الإدارة في العيد، هو منع زيارة الأسيرات من قبل الأهل او المحامي، ومنع تزيين الغرف، فالإدارة تستغل كل الفرص لمنع أي فرح".بالرغم من ذلك كله، فإن الأسيرات كُنّ قُبيل العيد يبدأن التحضير للعيد، ويقمن بتجهز الكعك (المعمول) بما يتوفر لهن من مواد وتجهيزات، ثم يقمن بتنظيف الغرف وتزيينها باشياء بسيطة من الورق، وتحضير الملابس الجديدة لكل أسيرة من أجل الاحتفال بالعيد، الذي تبدأ طقوسه من ساعات الصباح بصلاة العيد جماعة، الأمر الذي ترافقه التكبيرات من داخل الغرف، حتى "نشعر باستعادة شريط الذكريات الذي يعزز روح الإرادة والأمل في قلوبنا، وعندما تسمح لنا الإدارة بالخروج للفورة ، نصطف لتبادل التهاني والأمنيات وسط الدعوات بالفرج والحرية واجتماع الشمل القريب" .تروي المحررة منى أنه بعد تناول القهوة والحلويات، تبدأ كل أسيرة بسرد قصتها، تتذكر كيف كانت حياتها في يوم العيد مع الأهل، فتمتزج المشاعر والصور حتى تستطيع أن تعيش أجواء العيد وكأنها قرب الأهل والأحبة.وتضيف: "من أهم لحظات العيد في صبيحة يومه الأول، جلوس الأسيرات قرب المذياع أو التلفاز بانتظار برنامج الأسرى على قناة فلسطين وغيرها من المحطات، حتى نسمع صوت الأهل ونتبادل تهاني العيد. هذا البرنامج يعتبر بمثابة زيارة إلى الأهل أو الإفراج، كل واحدة تنتظر سماع ذويها من أجل الاطمئنان عليهم".بالرغم من أجواء الفرح الذي تصنعه الأسيرات، فإن لحظات العيد لها تأثير حزين وصعب جداً على الأسيرات، خاصة الأمهات اللواتي تركن أطفالهن من غير مُعيل، فيما يزيد وجع الأسيرات اللواتي فقدن أحبتهن وهن في الأسر، وكذلك الاسيرات الصغيرات (الزهرات) اللواتي يكن بحاجة لرعاية وحنان الأم، التي لا يُعوض حضورها أي شيء، بالرغم من كل ما نبذله من جهد للتخفيف عنهن ورفع معنوياتهن.قضت الناشطة والمناضلة المحررة منى 17 عاماً في جامعة القدس المفتوحة حتى استكملت تعليمها، بسبب تكرار اعتقالها، حتى تخرجت بشهادة بكالوريوس تخصص تربية إسلامية عام 2017، ثم التحقت مباشرة بالدراسات العليا في جامعة النجاح الوطنية، ضمن دراسات المرأة والتنمية، وكذلك الدبلوم العالي بالقانون الشرعي، وما زالت تعيش وجع الأسيرات اللواتي لم تنساهن، وتساهم في دعمهن وإثارة قضاياهن، وتقول "الحرية معنى لا بضاهبه أي معنى آخر إلا كلمة الأُم. الحرية والأم أجمل معاني الحياة، خاصة عندما تأتي مناسبة جميلة بعد طول انتظار".وتضيف: "بعد تحرري، أذكر العيد الأول بعد 8 أعياد داخل الأسر. لا أستطيع وصف شعوري، خاصة حين التمّ شمل العائلة، لا سيما شقيقي الأسير، بعد سنين طويلة لم نجتمع في العيد مع الأهل والجيران. أنا الآن، في يوم العيد أستحضر أخواتي الأسيرات، كيف سيقضين العيد من جديد خلف القضبان، ماذا سيفعلن؟ كيف ستنصرف الإدارة ؟ هل يوجد أُسلوبٌ جديد؟ وأنتظر بفارغ الصبر حتى يأتي برنامج الأسرى على صوت فلسطين كي أتحدث معهن، وأذكرهن واحدة واحدة حتى يهدأ قلبي من لوعة فراقهن، ودعواتي لا تتوقف لهن بالحرية".من أهم طقوس العيد للمحررة منى، التواصل مع أُسر الأسيرات ومتابعة أخبارهن، وزيارة عوائلهن ورفع معنوياتهم، ولا تبدأ يومها قبل رسائل الشوق والمحبة عبر المذياع ، ورسالتها الأهم وسط احتفالات الجميع بالعيد كما تقول "موجهة للعالم بأسره، وللسلطة والقوى والفصائل وإلى الضمائر الحية وهي: كيف تغمض جفونكم، وحرائركم بأيدي الاحتلال، يتفنن في تعذيبهن وحرمانهن من أبسط حقوقهن، أين حريتكم وبناتكم وأخواتكم في السجون؟".!!
www.deyaralnagab.com
|