من ذاكرة نيسان.. قصص وحكايات من مجزرة مخيم جنين!! 16.04.2022 جنين – علي سمودي – وسط التهديدات الإسرائيلية بالاجتياح وعملية السور الواقي 2، يواصل أهالي مخيم جنين حياتهم بشكل طبيعي ودون أدنى اكثرات، بل وبعكس المحطات السابقة، شطبوا من قاموسهم مسألة الخروج والهرب من المخيم الذي يحيي هذه الأيام الذكرى السنوية ال20، لمعركة ومجزرة نيسان الشهيرة، والتي لا تفارق صورها مخيلتهم، فيتذكرونها بوجع وألم واعتزاز وفخر، بينما يمجد أحداثها الجيل الذي كان بعمر الورود عندما وقعت أو ولد بعدها.
**لن تتكرر النكبة ..
الأسير المحرر يحيى الزبيدي قال: "ما يجرى خطير، والاحتلال يخطط لمؤامرة كبيرة قد تبدأ فصولها من مخيم جنين، لكن شعبنا دومًاً أقوى من الاحتلال الذي لن ينسى ما تعرض له خلال معركة نيسان الأسطورية، فهذا الشعب لا يعرف الاستسلام، ولا يوجد فيه من يرفع الراية البيضاء".الزبيدي الذي شارك في المعركة مع إخوانه طه الذي استشهد بقذائف الاحتلال، ووالدته سميرة التي قتلها قناص، وشقيقه زكريا الذي نجا من الموت بأعجوبة، وداود وجبريل وثلاثتهم اعتقلوا، قال: "نعيش نفس السيناريو في الأحداث التي وقعت قبل الاجتياح الكبير في نيسان 2002، وكل الاحتمالات وارادة، لكن الحقيقة الوحيدة، أن شعبنا اليوم يمتلك الوعي والقدرة والإرادة، ولن يتكرر ما حدث في نكبة عام 1948 .. لن نغادر المخيم إلا لديارنا التي شردنا فيها في نكبة عام 1948، ومهما كانت الضحايا، دومًاً الخاسر الوحيد االاحتلال".وأضاف: "إسرائيل استخدمت كل الأدوات والأساليب لإبادة شعبنا وتصفية قضيتنا ومسحنا عن الخارطة وفشلت، واليوم بحصار جنين والمداهمات والاعتداءات اليومية، لن تجني سوى خيبة الأمل .. شعبنا سيقاوم ويصمد حتى ينتصر".
*من الذاكرة ..
المواطنة أم رمزي القريني، التي نجت وأسرتها من الموت بأعجوبة خلال المجزرة، ما زالت تروي لأحفادها، صور أحداث المخيم، خاصة عندما قفزت وأسرتها من نوافذ المنزل عندما بدأت الجرافات الاسرائيلية بهدمه، وتقول: "حاولوا دفننا أحياء لكن رب العالمين كرمنا بعمر جديد وحمانا، فعندما هاجم شارون المخيم، رفضنا الخروج مع بعض العائلات ذهبت لمدينة جنين من شدة الخوف والرعب، لكنني بقيت وأسرتي في منزلنا، وعندما اشتد القصف على المخيم، انقطعت أخبار أبنائي خاصة رجا الذي كان يقاتل مع كتائب شهداء الأقصى، ولم ننام أو نعرف طعم الراحه في الأسبوع الثاني من الهجوم، وفجأة بدأت جدران منزلنا تهتز بقوة كأنه زلزال، فقفزنا بسرعة وبعد دقائق وقع المنزل كله".وتضيف: "اقتادنا الجنود في شوارع المخيم ونحن في حالة رعب، كنا نفكر إذا كانوا يريدون قتلنا كما حدث في كفر قاسم ودير ياسين، شاهدت الدمار والبلدوزر الضخم يهدم ويدمر، وطردوا النساء والأطفال من المخيم إلى مدينة جنين والقرى المجاورة، واعتقلوا الجميع من الذكور من سن 15 عامًاً وما فوق".عاشت أم رمزي وأسرتها لدى إحدى العائلات في مدينة جنين، حتى انتهت المجزرة، وتقول: "كنا نموت في اليوم ألف مرة لقلقنا على أبنائنا المقاومين، وقلبي يتوقف عندما أسمع صوت الانفجارات ومصير ابني مجهولًا وخاصة أنه لم يكن يوجد أي وسيلة تواصل، وكان الأصعب علينا التفكير بالمصير المجهول الذي ينتظرنا بعدما شاهدنا أثار الدمار والهدم في المخيم، وبقيت حزينة ومهمومة على مصير ابني وإخوانه الأبطال، حتى علمت باعتقاله ونجاته من المجزرة التي لا يمكن نسيان لحظاتها حتى بعد الف عام ، فكيف انسى الموت وهو يطاردنا كل لحظة؟".
* عائلة الوشاحي ..
عائلات بأكملها، تعرضت للاستهداف خلال العدوان في نيسان 2002، قدمت الشهداء والجرحى والأسرى، وكان منهم من فقد منزله، فالاحتلال هدم 400 منزل بشكل كامل ومسحها عن الوجود، بينما أفادت الإحصائيات، أن عدد المنزل التي دمرت بشكل جزئي تجاوز ال800".الشاب مهند الوشاحي، كان بسن 12 عامًا عندما هاجم الاحتلال المخيم، واستشهدت والدته وشقيقه منير، يقول: :ما يحدث في هذه الأيام، صورة عن مقدمة الأحداث في اجتياح عام 2002، ولدينا قلق من ارتكاب اسرائيل مجزرة جديدة، فقد أصبحنا ننام ونصحوا على الرصاص والشهداء والجرحى والأسرى .. إنهم يحاصروننا وكأنهم يريدوننا أموات على قيد الحياة".وأضاف: "رغم مرور السنوات ما زالت أتذكر الهجوم على المخيم، والقصف والتدمير والتخريب، لقد قتلوا شقيقي منير الطالب في الثانوية، وبقيت والدتي تنزف داخل منزلنا حتى استشهدت".خلال اجتياح نيسان، بقي جثمان الوالدة مريم وشاحي ثلاثة أيام داخل منزلها على أطراف المخيم، بعدما أغلق الاحتلال مداخله وعزله عن العالم، ومنع الطواقم الطبية من التحرك والاستجابة لاستغاثة أهالي المخيم بعدما اشتد العدوان أمام صمود المقاومة، ويقول مهند: "بقي شقيقي منير ينزف لخمس ساعات متواصلة ولم تتمكن سيارة الإسعاف من الوصول إليه بسبب حصار الجنود والأوامر الصارمة المزودين بها بمنع الطواقم الطبية من نجدة جرحى المخيم، فاستشهد ولم نعلم بالخبر إلا بعد انتهاء المجزرة".ويضيف: "والدتي كانت في المطبخ تجهز الخبز والطعام للمقاتلين، وفجأة سمعنا صوت انفجار هز المنزل، وبدأ والدتي تصرخ فزعًاً بعدما أصيبت بشظايا قذيفة اسرائيلية، وبسبب انتشار الدبابات واالقناصة، لم نتمكن من اخراجها ونقلها للمشفى الذي لا يبعد كثيرًا عن منزلنا".يعانق مهند صور والدته التي تزين جدران منزله، ويقول: "لم نتوقف عن الاتصال بالطواريء، لكنهم كانوا محاصرين وعاجزين مثلنا، لأن الدبابات قطعت الطرق وأغلقتها وعزلت المخيم عن العالم، فاسودت الدنيا أمامنا وشعرنا بمدى ظلم العالم ونحن نقف عاحزين عن وقف نزيف والدتي التي جلست قربها وأمسكت يدها طوال الليل .. مرت الساعات ببطء ووالدي يصلي لرب العالمين لتنجو حتى شعرنا أن عقارب الساعة توقفت، وعندما أشرقت صبيحة اليوم الثاني، كانت والدتي ما زالت تنزف من منطقة الرأس، وحاولت ووالدي تقديم الإسعاف الأولي لكن عجزنا عن السيطرة على النزيف".بعد 20 عامًا على رحيل رفيقة دربه، لم ينسى اللاجيء عيسى الوشاحي ما حدث، ويقول: "بعد صوت الانفجار المدوي، دخلت من وسط الدمار وقد سمعت صوت أنين وصراخ، وسرعان ما عثرت على زوجتي وهي مضرجة بدمائها وكانت ملقاة على إناء العجين .. وجدت أنها أصيبت بعدد كبير من الشظايا في أنحاء جسدها وخاصة في منطقة الصدر والوجه والرأس، صرخت ولم يسمعني أحد، وسارعت للاتصال مع الإسعاف والهلال الأحمر الذي لا يبعد مقره عن منزلنا سوى 20 مترًا، لكن الاحتلال أطلق النار على سيارة الإسعاف ومنعها من الوصول لإنقاذ زوجتي .. حاول رجال الإسعاف المخاطرة لثلاث مرات كادوا يفقدون حياتهم فيها إلا أنهم فشلوا فيها جميعًا، وعشت أقسى وأصعب لحظات في عمري عندما شاهدت زوجتي تموت أمامي، وأنا عاجز لا أستطيع فعل شيء، فاستشهدت وبقينا معًا حتى انتهى الحصار".
** حصار تحت الأنقاض ..
خلال الحملة العدوانية التي استهدفت كبح وتصفية المقاومة التي قاتلت ضمن غرفة العمليات العسكرية المشتركة موحدة، هدمت البلدوزرات الأمريكية الضخمة المنازل في ساحات المواجهة في المخيم، ودفن شهداء تحت الأنقاض، ونزف جرحى حتى الموت، أما الحاجة لينا السعدي، فبقيت ووالدتها داخل منزلها بعد هدم غالبيته، لكنها عاشت الموت في كل لحظة كما تعبر.وتقول لينا وهي حفيدة الشهيد فرحان السعدي أحد قادة الثورة الفلسطينية في ثلاثينيات القرن الماضي، "كنت أعيش ووالدتي المريضة والمسنة والتي لا تقدر على الحركة، فهي مشلولة، وعندما بدأ القصف شعرنا برعب وخوف رهيب، وبقينا في الغرفة الداخلية لأنه لا يوجد اتصال مع أحد وحتى الجيران، كنا ننام ونستيقظ على القصف .. والدتي كانت تصرخ من الخوف، وازدادت الأمور صعوبة مع قطع النيار الكهربائي والاتصالات بشكل دائم، ولم نعد نرى أحد في الشوارع، وتصيب والدتي حالة صحية أسوا عندما تسمع صوت الانفجارات".عندما بدأت الدبابات بهدم المنازل لم تتمكن لينا من الخروج، فوالدتها مشلولة ولا يمكنها الحركة، وتقول "لم أجد من يساعدني وينقذنا، ودخلنا للداخل أكثر، وفجأة بدأت الجدران الأمامية لمنزلنا تنهار وتسقط، وبدأنا نصرخ ونستغيث ولم يسمعنا أحد .. حوصرنا حتى انتهت المحزرة في غرفة داخلية، ولم يبقى لدينا ماء، وتدهورت صحة والدتي وحالتها النفسية أصبحت سيئة، وتوقعت الموت في كل لحظة، فقد مرت ثلاثة أيام ولم يصلنا أحد، ولم نسمع صوت أحد، حتى وصل إلينا الصحفيون واستدعوا الإسعاف وأنقذونا"
**المصدر : "القدس" دوت كوم
www.deyaralnagab.com
|