موسم الزيتون الفلسطيني: أعراس تراثية ولماّت عائلية تكسو الأرياف… والغزّيون يستقبلون بفرح حصادا ذهبيا!! 31.10.2022 يستبشر سكان قطاع غزة، كباقي المناطق الفلسطينية، بموسم وفير من زيت الزيتون، بسبب كمية المحصول الكبيرة، مقارنة بالعام الماضي، الذي حرمت فيه بسبب ضعف الكميات وارتفاع الأثمان، غالبية العائلات من امتلاك هذا الغذاء الأساسي للفلسطينيين.وبعد عام كان أكثر مكانا للزيت البلدي هو أرفف محلات العرض، وبعض منازل الميسورين ماديا، بدأ السكان الغزيون في البحث عن أفضل أنواع الزيت لشرائه، وذلك مع بدء عملية العصر التي استمرت حتى نهايات شهر أكتوبر/ تشرين الأول.
*موسم حصاد وفير
ووفق توقعات وزارة الزراعة في غزة، فإن كميات هذا العام المقدرة لمحصول الزيتون تبلغ 34 ألف طن، وهي ما ستنتجه مساحة 34 ألف دونم مثمرة هذا العام، خاصة وأن التقديرات تشير إلى أن الدونم سينتج طنا واحدا من الزيتون، فيما كانت الكميات التي حصل عليها المزارعون في الموسم الماضي تغطي فقط ما نسبته 35٪ من احتياجات سكان القطاع.وبدأ المزارعون منذ أيام بقطف هذا المحصول، فيما أجل آخرون منهم العمل، على أمل الحصول على كميات أكبر من الزيت، بناء على توصيات وزارة الزراعة، وهو أمر يؤكده أصحاب المعاصر، والمزارعون الأوائل الذين هبوا لجني المحصول، على أمل البيع مبكرا، والذين أكدوا أن كميات الزيتون لإنتاج «تنكة الزيت» كانت أكثر مرتين مما كانت في الأعوام السابقة.والجدير بالذكر أن موسم قطف ثمار الزيتون يبدأ في المناطق الفلسطينية بالعادة، وفقا للمقولة الشعبية في عيد «صلب الصليب»، وهو عيد شرقي قديم يصادف يوم 27 من شهر سبتمبر/ أيلول، ويستمر الموسم طوال شهر أكتوبر، وحتى ما بعد منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر، وهناك من يستبشر بنزول زخات خفيفة من المطر مع بداية الموسم، وفق عادة فلسطينية منذ العهد الكنعاني القديم، قبل أن يضطر المزارعون هذا العام للتأخير لأكثر من أسبوعين كاملين.
واستبقت وزارة الزراعة بدء الموسم، بأن أعلنت انتهاء كل الاستعدادات والتحضيرات الخاصة بافتتاحه، بما يشمل تشغيل المعاصر، حيث بدأت أولى عمليات الجني الرسمي للمحصول منتصف الشهر الماضي، وهو الموعد الذي يُسمح للمعاصر بالتشغيل واستقبال ثمار الزيتون بهدف العصر واستخراج الزيت.
وجرى اختيار هذا الموعد، انسجاماً مع القرار المعمول به في الضفة الغربية، على أن يتم تأخير موعد قطف الزيتون لأصناف النبالي المحسن و(18 K) الى الأول من نوفمبر، وذلك للحصول على أفضل كمية ونوعية من الزيت، كما دعت الوزارة المزارعين لضرورة تحري صفات النضج في ثمار الزيتون قبل عملية الحصاد، ودعت المواطنين كافة إلى ضرورة الالتزام بتوصيات الوزارة، بشأن موعد القطاف وضرورة اتخاذ الإجراءات السليمة أثناء القطف ونقل المحصول للمعاصر وفق توصيات المرشدين الزراعيين.
ويؤكد وكيل وزارة الزراعة في غزة أيمن اليازوري، أن موسم الزيتون لهذا العام هو الأفضل خلال السنوات الأخيرة بسبب غزارة الإنتاج واتساع المساحات المزروعة، وهو أمر أكده أيضا مدير عام مجلس الزيت والزيتون الفلسطيني فياض فياض، الذي قال إن الموسم في غزة حقق الرقم القياسي.
*عادات الحصاد
وعلى غرار العادة يستغل المزارعون الموسم لإحياء فعاليات تراثية قديمة خلال موسم الحصاد، فلا تغيب الملابس التراثية التي يرتديها المزارعون ونساؤهم عن اليوم الأول، فيما تظل طقوس الحصاد قائمة حتى يوم عصر الزيت، والمتمثلة بترديد الأغاني الشعبية والحماسية، للتغلب على التعب ونسيانه، وكذلك صنع الطعام الفلاحي القديم، وهو عبارة عن «خبز الصاج»، وقلاية البندورة والجبنة البلدية والزعتر وزيت الزيتون. ويقول المزارع إياد أبو كميل الذي تملك عائلته مزرعة زيتون وسط غزة، لـ «القدس العربي»، إن ما يتوفر من كميات هذا العام، ممكن ان يغطي على خسائر العام الماضي، وأن تنعم أسرته الممتدة من أخوة وأخوات وأبناء عمومة، بكميات وفيرة من الزيت والزيتون.
ويقول حمودة أبو عمرة، الذي يملك حقلا قرب الحدود الشرقية لمدينة خانيونس جنوب القطاع، إن يوم الحصاد يكون مميزا لكل عائلته.وارتدى هذا المواطن لباسا فلسطينيا تقليدا، وعلى رأسه وضع كوفية، وبدأ يومه الأول في جني الثمار بتجهيز الفطور الفلاحي، الذي طهاه على موقد نار، كما قام بتجهيز «خبز الصاج» على موقد آخر، ويصف أبو عمرة لـ «القدس العربي» يوم جني الثمار بـ «عيد الحصاد»، خاصة وأنه أقام في المكان خيمة كان سكان البادية يعيشون فيها قديما، للدلالة على تمسكه بالتراث، ويؤكد أن طقوس هذا الموسم يجب أن تظل مرتبطة بالتراث الفلسطيني.
وهناك لا تنقطع الأغاني التراثية القديمة، وبالأخص تلك التي تذكر موسم الزيتون، والتي يرددها العاملون خلال جني الثمار.
ويطلق المزارعون على الموسم الحالي للزيتون «الموسم الذهبي» بعد أن سمي الموسم الماضي بـ «سنة شلتوتية»، وهي السنة التي لا يتوفر فيها حمل وفير على الأشجار، ويمكن ملاحظة ذلك من كمية الثمر الذي تحمله الأشجار، والتي غطت معظم الأغصان، بشكل يعادل أوراق الشجر، حيث تتدلى أغصانها بسبب الحمل.
والجدير بالذكر، أن الزيتون يعد من أهم المحاصيل المنتجة في الأراضي الفلسطينية، وتشكل مساحة أشجار الزيتون ما نسبته 66٪ من المساحة المزروعة بأشجار البستنة، ما يؤكد اعتماد الكثير من المزارعين على هذه الأشجار في جني الأرباح.
*ثمن بيع معقول
وبالعادة يوفر موسم حصاد الزيتون مصدر زرق للعديد من الشبان، الذين يجدون خلال الموسم الذي يمتد لشهر وعدة أيام، فرصة لترك عالم البطالة، والالتحاق بعمل يوفر لهم قوت يومهم، وهو أمر أيضا ينطبق على العاملين في المعاصر.ويقول أحمد عابد وهو شاب في منتصف العشرينات، إنه يعمل ضمن فريق من زملائه مع أحد المقاولين الذين يباشرون عملية جني المحصول، وإنهم ينتقلون من حقل إلى آخر وفق جدول زمني موضوع مسبقا، ومنسق مع صاحب المزرعة لمعرفة ميعاد نقل محصوله إلى المعصرة لإنتاج الزيت.ويحرص المزارعون على ذلك الأمر بتجديد مواعيد دقيقة للانتهاء من جني المحصول ونقله إلى المعاصر، حتى لا تفسد الحبوب، وإلى جانب هؤلاء العمال المهرة، تنشط المبادرات التي تقوم بها منظمات غير حكومية وتنظيمات لمساعدة المزارعين، في موسم جني المحصول، بهدف تقليل تكلفة الانتاج، وتوفير الأيدي العاملة، فيما يقوم بعض السكان الذين يزرعون المحصول أمام منازلهم، أو في أرض صغيرة يملكونها، بجمع أفراد العائلة، وتحديد يوم يتوقف فيه هؤلاء جميعا عن أي عمل آخر، سوى الذهاب مبكرا لجني الثمار، وهو يوم ينتظره هؤلاء من العام إلى العام، لما فيه من متعة في العمل، خلال جني ثمار المحصول الذي سيرافق موائدهم طوال العالم.لكن في المقابل سيحرم عدد من سكان المزارع هذا العام من القطف، وهم أصحاب تلك المزارع التي دمرت في الحرب الأخيرة، وخلال التصعيد العسكري الذي وقع في شهر أغسطس/ آب الماضي، وقد أثرت الحرب الأخيرة والحروب التي سبقتها كثيرا على كميات الزيت والزيتون، خاصة وأن الغارات الجوية وقت الحرب استهدفت مزارع متعددة بينها مزارع زيتون، ودمرتها بشكل كامل، ولم يحن بعد الموعد الذي يتم فيه جني الأشجار الصغيرة التي غرسها المزارعون بدل الأشجار المثمرة، كما اعتادت قوات الاحتلال على مهاجمة المزارع الحدودية في السنوات الماضية، خلال عمليات التوغل البرية أيضا، وقامت بشكل متعمد بتجريف اشجار معمرة زرعت قبل عشرات السنين.وفي هذا العام، وبسبب الحمل الوفير يباع حاليا رطل الزيتون الأخضر (ثلاثة كيلو غرامات) ذو الجودة العالية بنحو 15 شيكلا «الدولار يساوي 3.5 شيكل»، فيما يقدر ثمن «تنكة الزيت» والتي تتسع لـ 16 لترا، بما بين 80 إلى 90 دينار أردنيا، «الدينار يساوي 5 شيكل».وتقدر وزارة الزراعة كمية استهلاك كل فرد فلسطيني، بحوالى 15 كيلو غرام من الزيتون سنوياً، منها 12 كيلو كزيت، (توفر أقل من لتري زيت)، و3 كيلوغرامات للتخليل بالملح والماء والليمون والفلفل الحار.ويقبل الفلسطينيون في فصل الشتاء تحديدا على تناول كميات أكبر من الزيت، الذي يمدهم بالطاقة، حيث يقوم الكثير من المواطنين في هذا الفصل بتناول الزيت قرب المدفأة التي يستخدموها في تسخين الخبر البلدي، الذي «يغمس» في الزيت مع الزعتر، كما يلجأ العديد من الأسر إلى إطعام أفرادها في وجبات الإفطار والعشاء في حال كان ثمن الزيتون منخفضا، الزيتون والزيت مع قليل من الزعتر والدقة المصنوعة من القمح، باعتبار أن هذه الوجبة تكون منخفضة التكاليف، في ظل الواقع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه سكان غزة.
www.deyaralnagab.com
|