بيت أمر الخليلية.. نقطة ساخنة في مقاومة الاحتلال والمستوطنين جنوب الضفة الغربية!! 29.12.2022 إن سألت أياً من سكان محافظة الخليل، جنوب الضفة الغربية، عن مميزات بلدة “بيت أمر” (شمال مدينة الخليل) سيقول، وبحكم المؤكد، إنها “البرودة الشديدة في فصل الشتاء”، وسيكمل أن لهذه البلدة، في علاقتها مع الاحتلال ومستوطنيه، حالة خاصة، إنها حالة نقيض برودتها الشديدة.تشهد البلدة، التي تعتز بنفسها كثيراً وبتاريخها النضالي، مواجهات متواصلة منذ أشهر مع قوات الاحتلال وسيارات المستوطنين، لتشكل “نقطة ساخنة” في جنوب الضفة الغربية، تعادل وتوازي سخونة وانتفاضة بلدات مثل: سلواد في رام الله، وبيتا في نابلس، وبلدتي جبع وقباطية في جنين، إلى جانب عشرات البلدات التي تمتد على خريطة الضفة الغربية وتشعل مواجهات يومية مع قوات الاحتلال.ورغم أن تكثف المواجهات مع قوات الاحتلال تضاعف بعد استشهاد الشاب مفيد إخليل (44 عاماً)ـ قبل نحو شهر تقريباً، إلا أن البلدة تستند في مقاومتها اليومية على تاريخ ممتد من النضال ضد الاحتلال والمستوطنين.والشهيد إخليل هو واحد من أكثر من 70 شهيداً قدمتهم البلدة، التي يبلغ عدد سكانها 18 ألف نسمة خلال تاريخ نضالي طويل منذ عام 1948 وحتى اليوم.وقد فسّر أحد الصحافيين العاملين في مدينة الخليل السر وراء مقاومة هذه البلدة الصغيرة بأنه يمكن القول إن “بيت أمر تعادل وتوازي بلدة بيتا في نابلس”، في إشارة إلى أن الأخيرة تقوم على مقاومة شرسة للوجود الاستيطاني والاحتلالي منذ أكثر من عامين، وهو ما تقوم به بيت أمر.تتربع البلدة على مجموعة من التلال الفسيحة مشكلة حكاية مقاومة يومية، وحياة سكانها تعتمد على الزراعة، وتقوم علاقتهم معها على فكرة الالتصاق بالأرض.في اليوم الذي سقط فيه الأب إخليل، الذي أصيب سابقاً خمس مرات خلال تصديه لاقتحامات الاحتلال للبلدة، واعتُقل نحو 18 شهرًا، أصيب عشرات الشبان من البلدة بفعل إطلاق الرصاص الحي بشكل جنوني على المواطنين.أحزمة من المستوطناتوبحسب الناشط في مقاومة الاستيطان يوسف أبو ماريا، فإن البلدة، ومنذ اليوم، الذي سقط فيه إخليل لم تهدأ أبداً.يوم أمس، أصيب شاب من البلدة بجروح وصفت بأنها خطيرة برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي، وبحسب بيان وزارة الصحة الفلسطينية، فإن الشاب محمد زهدي عوض (20 عاماً) أصيب برصاصة اخترقت صدره وخرجت من ظهره، حيث وصفت حالته بالخطيرة وغير المستقرة.وجاء في التفاصيل، أن مواجهات اندلعت بين الشبان وقوات الاحتلال في منطقة “بيت زعتة” في البلدة، حيث أطلقوا خلالها الرصاص الحي وقنابل الغاز السام نحو المواطنين.وفي أعقاب ذلك، أصيب الشاب بالرصاص الحي في الصدر، وجرى نقله على وجه السرعة إلى مستشفى الميزان في الخليل لتلقي العلاج، فيما أصيب جندي إسرائيلي بجروح، وصفت بأنها طفيفة حيث وثقت فيديوهات المواطنين قيام الجنود بنقله عبر نقالة إلى سيارة إسعاف.وبحسب أبو ماريا، فإن قوات الاحتلال أطلقت الرصاص وقنابل الغاز على سيارة شحن محملة بالعجول، من دون أي سبب، فما كان من سكان تلك المنطقة إلا أن أطلقوا الحجارة واشتبكوا مع الجنود بالرصاص أيضاً، وذلك رد طبيعي على اعتداءات متكررة.يطرح أبو ماريا، في حديث صحفي، سؤالاً حول ماذا يجب أن يكون الرد على اعتداءات الاحتلال اليومية حيث القتل والتجريف وهدم البيوت: “هل نقف مكتوفي الأيدي؟”.ويتابع: “على كل من لديه مصادر القوة استثمارها ومواجهة الاحتلال، وهو ما تفعله البلدة في شكل من أشكال المقاومة الشعبية المشروعة”.ويؤكد أن البلدة محاطة بأحزمة من المستوطنات، وهو حال بلدات كثيرة في الضفة الغربية، وهو ما يجعلها في مرمى الاعتداءات والتضييق عبر إغلاق الشوارع ومنع الأطفال من الوصول للمدارس واحتجاز النساء والعمال.ويرى أبو ماريا أن المقاومة الشعبية هي بمثابة رد فعل، إنها “كرة ثلج تتدحرج وتكبر”، وهي إيصال رسالة أن من يعتدي علينا سيتم الرد عليه، “إنها إشارة إلى وجود الفلسطيني”.ويشير إلى ممارسة احتلالية جديدة في إذلال المواطنين، تتمثل في إجبار المواطنين على خلع ملابسهم وتفتيشهم بطريقة مهينة، وهو أمر يؤكد أنه يستوجب من المقاومة الرد عليه، فالمقاومة هي الفعل الوحيد الكفيل بردع الاحتلال.
التحكم بمصائر المواطنين
منذ ما يقرب 22 عاماً، وضعت قوات الاحتلال على مدخل البلدة الرئيسي برجاً عسكرياً، وقبل نحو ثمانية سنوات وضعت بوابة حديدية ضخمة للتحكم والسيطرة على مصائر آلاف المواطنين.وكان من أفعال المقاومة التي نفّذها شبان، قبل أشهر، أن قاموا بتنفيذ عملية إحراق البرج العسكري، الأمر الذي أسفر عن إصابة 7 جنود بالاختناق.وبحسب الناشط محمد عوض، فإن بيت أمر تقع على الخط الالتفافي الخاص بالمستوطنين مباشرة، ومع وضع البوابة الحديدية والبرج العسكري الدائم تتعزز حالة الاحتكاك والمواجهات اليومية.ويشير الناشط عوض إلى أن الاحتلال، قبل ما يقرب من سبعة شهور، قام بنقل البوابة الحديدية باتجاه البلدة، وهو ما جعل من إمكانية إغلاق البلدة فعلاً ميسوراً في ظل مزاجية الجنود وممارساتهم العقابية.يضرب مثالاً: “قبل يومين أغلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي المداخل، وعرقلت مرور موكب جنائزي كان في طريقه إلى المقبرة”.ويعمل الاحتلال، منذ سنوات ثلاث، على مشروع لإبعاد الشارع الالتفافي الذي يحمل الرقم (60) عن بيت أمر تجنباً للمواجهة مع البلدة، ولتوسيع استيطانه في المنطقة وتسهيل حركة المستوطنين.وبحسب رئيس البلدية نصري صبارنة، فإن 13 مستوطنة وتجمعاً استيطانياً تحيط بالبلدة، وأبرزها تجمع أفرات، مجدل عوز، عتصيون، بيت عين، أكثر من نصف المستوطنين فيها من المتطرفين والمتشددين المتدينين.يكمل الناشط عوض حديثه مشدداً على أن الانتفاضة لم تتوقف في بيت أمر، فلا يمر عام من دون أن تقدم البلدة الشهداء، فيما قدمت على مدى أكثر من 80 عاماً ما يقرب من 70 شهيداً.ويضيف: “دخول قوات الاحتلال للبلدة ليس “طلعة” (زيارة خفيفة)، فيما المواطنون “لا يردون السلام” على الجنود، وبالتالي تكون المواجهات والجرحى والشهداء”.ومع تقديره لكل التضحيات، يشير بحماس إلى أن بلدة واحدة قدمت من الأسرى والجرحى ما قدمته محافظة كاملة، والسبب في ذلك أن البلدة ترفض الاحتلال وتقدس مقاومته.ويتابع: “الدار اللي ما فيها شهيد فيها أسير، واللي ما فيها أسير فيها جريح”.ويقول إن الاحتلال، وفي سبيل “تحييد” المواطنين عن مقاومة المحتلين، ودفعهم لهجرة أراضيهم، فإنه يفتح لهم باب العمل في الداخل المحتل، في مشاريع البناء ورغم نجاح هذه السياسة، إلا علاقة المواطنين مع الأرض تقوم على الاعتزاز ومزيد من الالتحام بها.وبحسب صبارنة، فإن الاحتلال صادر من أراضي البلدة ما يقارب الـ7 آلاف دونم حتى اللحظة، وهو ما عمل على تقليص مساحة الأراضي الزراعية المتاحة لسكان البلدة.وتشتهر البلدة، التي تبلغ مساحتها 32 ألف دونم، بزراعة مجموعة كبيرة من المحاصيل، من ضمنها العنب، والتفاح، والبرقوق إلى جانب الزيتون، وهو ما يجعلها من أكثر بلدات الضفة بشكل عام، ومحافظة الخليل بشكل خاص، اهتماماً بالزراعة، وتقديراً للأرض.وبغضب يؤكد عوض أن سياسة الحكومة إزاء هذا الواقع تقوم على “تطفيش” المزارعين من أراضيهم، فلا سياسات رسمية مساعدة أمام سياسات التهجير الاحتلالية، وتحديداً في دعم القطاع الزراعي أمام غول الاستيطان المحيط بالبلدة والمدعوم رسمياً وحزبياً ودينياً أيضاً. فالاهتمام الرسمي الفلسطيني بالزراعة “صفر”.ومن الأحداث المؤلمة التي حدثت بالبلدة المقاومة قتل الاحتلال للطفل محمد العلامي (11 عاماً) بتاريخ 28 تموز 2021، خلال تواجده في مركبة والده مع أشقائه الأطفال قرب مدخل البلدة.وما يؤكد مقولة الناشط عوض، بأن الشهيد في البلدة يودع شهيداً، استشهاد الشاب شوكت الزعاقيق (20 عاماً) أثناء جنازة الطفل العلمي، بعد أن تم محاصرتها بأكثر من ثلاثين آلية عسكرية احتلالية، بينها جرافة وسيارة رش المياه العادمة.يختم عوض حديثه مع “القدس العربي” مشيراً إلى أن الله وحده يعلم ما مصير الشاب المصاب في حال الخطر، “فالكل يضع يده على قلبه”.فيما يضيف: “هل تعلموا أن اثنين من إخوته ما زالا يسيران على عكازتين بفعل الإصابة بالرصاص الحي خلال المواجهات الشهر الفائت”.وذكر تقرير صدر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلة، أمس، إن العدد الكلي للفلسطينيين الذين قتلتهم القوات الإسرائيلية في عمليات التفتيش والاعتقال في شتى أرجاء الضفة الغربية بلغ 75 فلسطينياً، من بينهم 16 طفلاً، حتى الآن من هذا العام. وقال التقرير المعنون “حماية المدنيين” إن قوات الاحتلال الإسرائيلية أصابت 171 فلسطينياً، من بينهم 44 طفلاً على الأقل، في شتى أرجاء الضفة الغربية، مضيفاً أنه أصيب 6 فلسطينيين من قبل المستوطنين، بينهم طفل.وبحسب موسوعة القرى الفلسطينية، فإن بيت أمر، التي تقع شمال غربي مدينة الخليل، تبعد عنها 11 كم، ونفس الرقم تقريباً عن مدينة بيت لحم، وهي ترتفع 987 م عن مستوى سطح البحر، حيث يحدها من الشمال مستوطنة غوش عتصيون، والتي بدورها التهمت ما يقارب 30% من أراضيها، ناهيك عن جدار الفصل العنصري الذي ابتلع مساحات ليست بالصغيرة من كرومها، أما من الجنوب فيحدها مستوطنة كرمي تسور، وأيضاً ابتلعت من أراضيها الكثير، وصودر أكثر من 53% من مساحتها الأصلية إلى جانب طريق التفافي للمستوطنين التهم جزءاً من أراضيها في منطقة واد الشيخ، وهي منطقة زراعية تقع شرق القرية بالقرب من مخيم العروب.وتضم البلدة الكثير من المعالم الدينية والأثرية، منها مسجد النبي متى، ومسجد خربة صافا أو صفا، ومسجد عصيدة، أما المقامات فمنها: مقام الأربعين، ومقام السيدة زينب، ومقام السيدة نجلاء.وبحسب الباحث علاء عادي، ابن البلدة، فإن سبب تسميتها، كما تقول كتب التاريخ، يعود إلى أنها أقيمت على أنقاض بلدة “معاره” وهي اسم كنعاني، ومعناه المكان المكشوف. أما اسمها الحالي فمأخوذ من بيت الأمراء الذي أطلقه عليها إبراهيم باشا عام 1336.
www.deyaralnagab.com
|