دراسة ألمانية تفنّد الاتهامات: احتجاجات التضامن مع فلسطين سلمية ومدنيةَ!! 23.10.2025  في وقت تتزايد فيه الاتهامات الموجهة إلى المظاهرات المؤيدة لفلسطين في ألمانيا، جاءت دراسة أكاديمية حديثة لتقلب المعادلة وتقدّم رؤية موثقة ومغايرة لما روّجته بعض الخطابات السياسية والإعلامية خلال الأشهر الماضية.فقد نشر مركز أبحاث النزاعات في جامعة ماربورغ دراسة شاملة على موقع الجامعة الإلكتروني حملت توقيع الأستاذ الدكتور فيليكس أندرل والدكتور طارق صديّق، تناولت بالتحليل الميداني والبيانات الموثّقة طبيعة الاحتجاجات الداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني في مختلف المدن الألمانية، منذ اندلاع الحرب الأخيرة على غزة.
شباب متعلمون وحراك مدني واعٍ
ووفقًا لنتائج الدراسة والتي نشرتها مواقع إعلامية مختلفة مثل مجلة شبيغل فإن المشاركين في هذه المظاهرات ينتمون في غالبيتهم إلى فئة الشباب، وغالبيتهم من ذوي المستويات التعليمية العالية، ويشاركون في أطر مدنية سلمية تتبنى خطابًا حقوقيًا وإنسانيًا، بعيدًا عن مظاهر التطرّف أو التحريض.اعتمد الباحثون على منهجية دقيقة خلال تظاهرة «كل الأنظار على غزة / معًا من أجل غزة» التي نُظّمت في برلين في 27 أيلول/سبتمبر 2025، وشارك فيها ما بين 60 و100 ألف شخص، لتكون من أضخم المظاهرات السياسية في تاريخ ألمانيا الحديث.وتبيّن من النتائج أن الغالبية الساحقة من المشاركين كانوا شبابًا متعلمين من خلفيات أكاديمية متنوعة، ينتمون في معظمهم إلى التيار اليساري أو المستقلين سياسيًا، ويعتمدون أساليب سلمية ومدنية في التعبير عن موقفهم الرافض للحرب والمعاناة الإنسانية في غزة.وبحسب التقرير، فإن هذا الجيل الجديد من المحتجين لا يرى نفسه في مواجهة الدولة، بل يسعى إلى إعادة تعريف النقاش العام في ألمانيا حول العدالة، الحرية، والمسؤولية الأخلاقية تجاه الشعوب الواقعة تحت الاحتلال أو الحصار.
وأشارت الدراسة إلى أن الاحتجاجات التي شملت برلين، هامبورغ، وفرانكفورت، وغيرها من المدن الكبرى، كانت في مجملها “قانونية وسلمية ومنظمة”، واستندت إلى مطالب واضحة تتعلق بوقف الحرب، واحترام القانون الدولي، والاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة.من أبرز ما خلصت إليه الدراسة أن المشاركين عبّروا بوضوح عن دعمهم لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، وفي الوقت ذاته شددوا على ضرورة حماية الحياة اليهودية في ألمانيا.هذا الموقف المزدوج، كما أوضح الباحثان، يعكس وعيًا سياسيًا متقدّمًا يرفض ثنائية “مع أو ضد”، ويؤكد أن مشاعر التضامن مع الفلسطينيين لا تتعارض مع مناهضة معاداة السامية، بل تستند إلى قيم العدالة والمساواة وحقوق الإنسان.
البروفيسور فيليكس أندرل قال في هذا السياق: «في ظل استقطاب غير مسبوق في النقاش العام، نحن بحاجة إلى بيانات موضوعية تكشف حقيقة المشهد بعيدًا عن الشحن العاطفي”أما الدكتور طارق صدّيق فأكد أن «نتائج البحث تكشف أن فهم الاحتجاجات عبر منطق المعسكرات المبسّط لم يعد كافيًا لتفسير تعقيدات المشهد الاجتماعي والسياسي في ألمانيا».
التمييز والتضييق على حرية التعبير
في المقابل، لفت الباحثان إلى أن العديد من المشاركين أعربوا عن شعورهم المتزايد بالتضييق والمراقبة والتهميش، سواء من قبل السلطات أو في الخطاب العام، بسبب مواقفهم المتضامنة مع فلسطين.وذكرت الدراسة أن هذا الواقع يثير تساؤلات جدّية حول حدود حرية التعبير في ألمانيا، ومدى توازنها عندما يتعلق الأمر بقضايا الشرق الأوسط، إذ أشار بعض المشاركين إلى أن مجرد رفع العلم الفلسطيني أو الدعوة إلى إنهاء الاحتلال بات يُنظر إليه على أنه موقف مشبوه أو “غير مقبول سياسيًا”.وأكد الباحثان أن هذه النظرة تُنتج مناخًا من الرقابة الذاتية والوصم، لا سيما بين فئات الشباب ذوي الأصول العربية والمسلمة، الذين يشعرون بأن انخراطهم في النقاش العام حول فلسطين قد يعرّضهم للنبذ أو التحقيق أو فقدان فرص العمل والدراسة.!!
المجلس الأعلى للمسلمين يرحب
تأتي هذه النتائج في وقت تشهد فيه ألمانيا نقاشًا محتدمًا حول طبيعة الخطاب المتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إذ تُتهم بعض الحركات المناصرة لفلسطين بأنها تحمل طابعًا “معاديًا للسامية”، فيما يرى ناشطون وأكاديميون أن هذه الاتهامات تُستخدم لتكميم الأصوات الناقدة للسياسات الإسرائيلية، ولحرف النقاش بعيدًا عن حقوق الإنسان والقانون الدولي.ويرى مراقبون أن دراسة ماربورغ تمثل نقطة تحول مهمة في إعادة صياغة الفهم الأكاديمي والاجتماعي لهذه الاحتجاجات، إذ تعتمد على بيانات ميدانية ومقابلات معمّقة بدلًا من الانطباعات المسبقة أو التغطيات الانتقائية التي سادت وسائل الإعلام.وفي تصريح خاص لـ”القدس العربي” عبّر المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا عن ترحيبه بنتائج هذه الدراسة الأكاديمية، مؤكدًا أنها “خطوة ضرورية لتصحيح الصورة النمطية المضلّلة التي رُوّجت حول الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين في البلاد”.وبحسب رئيس المجلس الإسلامي الأعلى عبد الصمد اليزيدي “فإن نتائج الدراسة تؤكد ما كنا ننادي به منذ البداية: أن هذه المظاهرات تعبّر عن حراك مدني سلمي يقوم على مبادئ العدالة والمساواة، ولا علاقة له بأي شكل من أشكال التحريض أو الكراهية. المشاركون فيها مواطنون ألمان ومقيمون من خلفيات متنوعة، عبّروا عن ضمير إنساني يرفض الحرب والعنف”.وأضاف المجلس أن على صنّاع القرار ووسائل الإعلام والمؤسسات الأمنية أن “يحتكموا إلى الحقائق بدلًا من الأحكام المسبقة”، مشددًا على أن “حق التعبير السلمي هو حجر الزاوية في أي دولة ديمقراطية، وتجريم التضامن مع القضايا العادلة – وعلى رأسها القضية الفلسطينية – هو تقويض لتلك المبادئ التي قامت عليها ألمانيا الحديثة”.وختم رئيس المجلس الإسلامي تصريحه بالدعوة إلى نقاش مسؤول وشامل حول سياسات التمييز، والاعتراف بحق جميع المواطنين في التعبير عن هويتهم وآرائهم ضمن الإطار الدستوري والقانوني، بعيدًا عن التخويف أو الوصم السياسي.
www.deyaralnagab.com
|