|
غزة..فلسطين : حدود «الخط الأصفر» تُقلق النازحين… آمالُ فلاحة الأرض تتلاشى!! 19.12.2025  كان أحمد النجار، المُزارع الذي انتقل قسراً للسكن في مناطق النزوح غرب خان يونس، بعد أن فارق أرضه الزراعية شرق المدينة، الواقعة ضمن نطاق «الخط الأصفر»، يشبك يديه ويحركهما بقوة، في دلالة على شعوره بالتوتر والقلق، خشية تحوّل مكان نزوحه في الخيام المهترئة إلى إقامة دائمة، حين تحدّث عن الخطة الإسرائيلية الجديدة، التي تقضم أرضه وتجعلها ضمن الحدود الجديدة لقطاع غزة
هذا المزارع، البالغ من العمر 55 عاماً، والذي عايش جميع الحروب والأحداث الفلسطينية المرتبطة بالصراع مع إسرائيل منذ ثمانينيات القرن الماضي، يقول لـ«القدس العربي» إن ما عاشه منذ عامين، كبقية سكان قطاع غزة، يفوق كل التصورات، ولم يشهد له مثيلاً من قبل، فالحياة كما يقول «لم ولن تعد كما كانت، كل شيء تغيّر إلى الأسوأ».ويشير، كغيره من سكان غزة، إلى أن الأوضاع أعادتهم إلى زمن مضى منذ نحو 70 عاماً تقريباً، ويصف حياته وحياة أسرته الحالية في خيام النزوح بأنها «مريرة»، فبعد المنازل المسقوفة بالإسمنت ذات الجدران السميكة التي تقي برد الشتاء وحرّ الصيف، أصبح يقيم في خيمة لا تحمي من العوامل الجوية.ويشير أحمد النجار إلى أن ما عاشه على مدار أكثر من عامين منذ بدء الحرب وحتى اللحظة، من أحداث مؤلمة تخللها فقدان عدد كبير من الأهل والأحبة، والتشرّد، والنزوح المتكرر، لا يقل مأساوية عمّا سمعه عن خطط إسرائيلية لتحويل «الخط الأصفر» ليصبح خطاً حدودياً جديداً لقطاع غزة.و»الخط الأصفر» أقامته إسرائيل بعد التهدئة الحالية التي دخلت حيّز التنفيذ يوم 10 تشرين الأول /أكتوبر الماضي، بوضعها كتلاً إسمنتية صفراء تعلوها لافتات تدل على أن هذه المنطقة تقع خلفها منطقةٌ خاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي، وهي مناطق تمتد على طول الحدود الشمالية والشرقية والجنوبية لقطاع غزة، وتمثل نحو 53 في المئة من المساحة الإجمالية لقطاع غزة، البالغة 365 كيلومتراً مربعاً.الثوابتة لـ«القدس العربي»: محاولة ترويج «حدود جديدة» ليست سوى غطاء لـ«جرائم التهجير القسري»
«سرقوا أرضي»
ولهذا المزارع الغزي منزلٌ وأرض زراعية واسعة تقع خلف تلك الحدود، فالمنزل دُمّر، كما آلاف المنازل الأخرى، في منطقة بني سهيلا خلال هجوم سابق على البلدة، فيما داست الجرافات والدبابات قسماً من الأرض، في حين جفّ وتصحّر جزء كبير منها نتيجة عدم قدرته على رعايتها طوال فترة العامين الماضيين.وقال إن إعادة استصلاح تلك الأرض الزراعية الخصبة ليست بالأمر العسير، فبإمكانه إعادة لونها الأخضر خلال أشهر قليلة، فالتربة الخصبة التي يعرفها جيداً تسمح بذلك.وكان يأمل، كغيره من المزارعين، في العودة إلى تلك الأرض مع بداية المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، الذي ينص على انسحاب إسرائيلي من قطاع غزة، وإقامة خيمة النزوح قرب منزله المدمّر، حيث تتوفر مساحة أوسع من منطقة النزوح الحالية، التي تتشابك فيها الخيام وتفتقر إلى مقومات الحياة.ويقول لـ»القدس العربي» «منذ لحظة سماعي الأخبار عن سرقة الأرض شُلّ تفكيري»، ويضيف «أرضي، تعبي، تُسرق أمام عيني».
وهذا الرجل، الذي يُعيل أسرةً مكوّنة من ثمانية أفراد، كانت بشبابها ونسائها وأطفالها تشارك في فلاحة الأرض الزراعية التي تبعد نحو كيلومتر واحد عن الحدود السابقة لقطاع غزة، قبل السابع من تشرين الأول / أكتوبر 2023، والتي تعمل إسرائيل حالياً على تغييرها.
وكان رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، الجنرال إيال زامير، قال إن «الخط الأصفر» الذي يفصل بين المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش والمناطق الغربية لقطاع غزة يمثّل «الحدود الجديدة» بين إسرائيل وقطاع غزة، وشدّد خلال جولة له مؤخراً في قطاع غزة على ضرورة الاستعداد لسيناريو «حرب مفاجئة»، واصفاً «الخط الأصفر» بأنه «خط دفاع أمامي للمستوطنات وخط هجوم».
ويحرم هذا المخطط جميع سكان تلك المناطق، الذين نزحوا منها قسراً بأوامر من الجيش الإسرائيلي إلى المناطق الغربية من القطاع، ويقدّر عددهم بنحو مليون مواطن، من العودة مجدداً إلى مناطق سُكناهم التي تواصل إسرائيل تدميرها حتى اللحظة.ويبتلع «الخط الأصفر» أجزاء واسعة من بلدات شمال قطاع غزة، كما يقضم أحياء الشجاعية والتفاح وجزءًا كبيراً من حي الزيتون شرق مدينة غزة، وأطراف وسط قطاع غزة الشرقية، وكذلك البلدات الواقعة شرق مدينة خان يونس، وكامل مساحة مدينة رفح جنوب القطاع.
ويخلق هذا المخطط واقعاً إنسانياً قاسياً، عبر إجبار 2.4 مليون شخص على السكن في منطقة شديدة الضيق، يعيش معظمهم في خيام النزوح، رغم أن قطاع غزة، قبل هذا الاقتطاع الواسع من مساحته، كان من أكثر مناطق العالم اكتظاظًا بالسكان، ما يعني أن بيئة الحياة الحالية ستكون مهيّأة لانتشار الأمراض، وستنجم عنها كوارث بيئية، كما سيُحرم سكان القطاع من الأراضي الزراعية شرق القطاع، التي كانت تُعرف بأنها «سلة الخضار»، إضافة إلى مشاريع البنية التحتية الكبرى التي كانت قائمة في تلك المناطق.ويقول عبد المصري، أحد سكان شمال القطاع، ويقيم حالياً في إحدى خيام النزوح في مدينة غزة «تنفيذ هذا المخطط يعني إطلاق رصاصة الرحمة على رؤوسنا»، ويضيف في حديثه مع «القدس العربي» :»منذ عامين وأنا وأسرتي نعيش في مرارة، وكنت آمل أن تنتهي الحرب بالكامل، وأن يحدث انسحاب لأعود إلى أرضي.»ويشير إلى أنه تابع بدقة أخبار التهدئة، وأن هناك مرحلة ثانية تشمل انسحاباً إسرائيلياً، وكان يأمل أن يعود إلى مكان سكنه بعد غياب طويل منذ بداية الحرب، إذ لم يشاهد أرضَه ومنزلَه المدمّر في بلدة بيت حانون إلا خلال فترة التهدئة السابقة التي دخلت حيّز التنفيذ في كانون الثاني /يناير الماضي.ويضيف «اعتدنا أن إسرائيل تحوّل كل مؤقت إلى دائم»، ويستذكر كيف أبعد الجيش بعد «انتفاضة الأقصى» المزارعين مسافة 300 متر عن الحدود، قبل أن يحوّلها إلى منطقة أمنية عازلة، ويؤكد أن تنفيذ هذا المخطط يعني «موت غزة».وفي مناطق النزوح الضيقة، يشكو النازحون والمواطنون الذين يقيمون في منازل طالها دمار بليغ أو جزئي، من قسوة الحياة وصعوبتها، ويعانون في الحصول على مياه الشرب، ومن ضيق المساحات المتبقية للإقامة، وهي مناطق تعلوها في الغالب أطنان من ركام المنازل المدمّرة، فيما تؤكد منظمات أممية وجهات صحية أن هذه المناطق المتبقية من القطاع تفتقر إلى مقومات الحياة.
هندسة جغرافية بالقوة العسكرية
ويؤكد الدكتور إسماعيل الثوابتة، مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي، لـ»القدس العربي» أن تصريحات زامير حول ما سمّاه «الخط الأصفر» بوصفه الحدود الجديدة لقطاع غزة «تمثل تصريحا ً باطلاً من الناحية القانونية ، ومرفوضاً من الناحية الوطنية ، وعدوانياً من حيث المضمون والغاية».ويشير إلى أن هذه التصريحات لا تعبّر إلا عن عقلية استعمارية تحاول شرعنة جريمة هندسة جغرافيا قطاع غزة بالقوة العسكرية، في انتهاك مباشر لقواعد القانون الدولي الإنساني ولقرارات الأمم المتحدة، التي تؤكد بوضوح أن قطاع غزة أرض فلسطينية محتلة، وأن الاحتلال لا يملك أي صفة قانونية تخوّله إعادة رسم حدود أو فرض وقائع سياسية بالقوة.
ويقول إن محاولة ترويج «حدود جديدة» ليست سوى غطاء لـ»جرائم التهجير القسري، وتفريغ المناطق، وفرض مناطق عازلة بالقوة النارية»، ما يشكل جريمة حرب مكتملة الأركان، ومحاولة لاقتطاع أجزاء من القطاع بما يتعارض مع مبدأ عدم جواز الاستيلاء على الأرض بالقوة، ومع القرارات الدولية ذات الصلة.ويؤكد أن حدود قطاع غزة ثابتة ومعترف بها دولياً، ولا يمكن لأي تصريح سياسي، مهما كان قائله، أن يغيّر من الطبيعة القانونية للأرض، مُحمّلاً الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن تداعيات محاولاته فرض خرائط جديدة بالقوة، وقال «شعبنا الفلسطيني ومقاومته وشرعيته الوطنية لن يسمحوا بتمرير المشروع».كما يوضح أن المخطط الإسرائيلي يعكس مأزق الاحتلال وفشله في فرض مخططاته على الأرض، ويأتي ضمن دعاية مكشوفة يحاول من خلالها الإيحاء بتغييرات غير قائمة وغير قابلة للتمرير سياسياً أو قانونياً أو ميدانياً.وكانت الأمم المتحدة أعلنت رفضها لهذه الخطة الإسرائيلية لتغيير حدود قطاع غزة الجغرافية، وقال الناطق باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك في تصريحات سابقة «نرفض بشكل قاطع أي تغيير في حدود غزة وإسرائيل»، وأوضح أن الأمم المتحدة تعتمد الحدود القائمة بين غزة وإسرائيل، وليس «الخط الأصفر».
*كتب أشرف الهور..**المصدر : القدس العربي
www.deyaralnagab.com
|