logo
1 2 3 48435
«يانون» قرية «البوشناق» و«الشركس» يبتلعها الاستيطان!!
30.12.2025

نابلس-* كتب سعيد ابومعلا: «تمّ الإبلاغ من المستوطنين أنّه أمام العائلات حتى الساعة الرابعة عصرًا لإخلاء يانون بالكامل»، بهذه الكلمات البسيطة قدّمت صفحة «يانون الآن»، التي تنشط على المنصّات الاجتماعية، خبر تهجير آخر أربع عائلات فلسطينية كانت تسكن في القرية المحاصَرة من جهاتها الثلاث منذ أعوام.ويوم الأحد، انشغلت العائلات الأربع في لملمة ما تيسّر من أغراض المنازل، من وطنهم الأصغر إلى المجهول الأكبر، فيما كان مستوطنون كُثر يرصدون المشهد، وهم يدفئون أيديهم في ثيابهم الرثّة، في إشارة إلى نجاحهم في تحقيق حلم طرد السكان وإعادة السيطرة على القرية من جديد.وتحمل السيطرة على القرية – الخِربة، الواقعة إلى الجنوب الشرقي من مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، أبعادًا سياسية واقتصادية وتاريخية، إلى جانب الكثير من دلالات الخسارة، في ظل أنها تحتل موقعًا تاريخيًا فريدًا وتقع على سهل خصب على مدّ النظر.وبعد سنوات من الصمود والثبات، تهجّرت آخر العائلات، وسبق ذلك إخلاء المدرسة المتواضعة من طلابها، حيث حضرت شاحنة متوسطة الحجم ونقلت جميع المعدّات والمقاعد، وساد صمت رهيب في جميع أنحاء المدرسة والقرية أيضًا.
وحسب أحد النشطاء، فإن أبواب المدرسة أُغلقت، وبقيت الجدران شاهدة على حياة أساسها الصمود لكنها انتهت فجأة، «لم يبقَ منها سوى الذكريات».
قرية ريفية تقليدية
وتقع القرية جنوب شرق مدينة نابلس، وعلى مقربة من بلدة عقربا، فيما تُقدَّر مساحة أراضيها بنحو 16 ألف دونم تقريبًا. وعاشت على زراعتها عائلات الخِربة ذات الطابع التقليدي الريفي القائم على الزراعة وتربية المواشي، مع اعتماد كبير على الوصول إلى الأرض والمراعي.وتجسّدت سياسات الاستيطان في السنوات الأخيرة بفرض المزيد من قيود الحركة التي منعت الوصول إلى المراعي الخضراء، وصولًا إلى منع الخروج من المنازل، في حصار عنيف جعل من حياة السكان عبئًا عليهم.رئيس بلدية عقربا، صلاح بني جابر، تحدث قبل أيام من تهجير العائلات الأربع مع «القدس العربي»، قائلًا إن ما بقي من «يانون التحتا» هو أربع عائلات محاطة بالمستوطنات على شكل حذوة حصان، وهي عائلات لا يتجاوز عدد أفرادها العشرين.وأضاف: «هم يعيشون في حصار مشدّد للغاية يجعل الحياة في تلك المنطقة غاية في الصعوبة».وشدّد في حديثه مع «القدس العربي» على أن المستوطنين، في آخر ممارسة إقصائية بحق العائلات، قاموا بحراثة الأراضي الممتدّة، كما منعوا المواطنين من الخروج من منازلهم باتجاه الحقول التي فلحوها لسنوات طويلة.وتابع: «الأسر الأربع (هُجّرت يوم الأحد) كانت تعيش في خطر وخوف شديدين، ووفق المنطق الزراعي الذي اعتادت العائلات العيش في ظله، فإنها خلال الأشهر الماضية لم تكن تجد ما تفعله، ولم يبقَ لها شيء تقوم به بعد أن حُرمت من كل شيء».وأمام سياسة التضييق، قال: «نحن كبلدية سعينا إلى تقديم ما نقدر عليه من ناحية مجانية الكهرباء والمياه والأعلاف، لقد وقفنا مع العائلات ووفّرنا كل أشكال الدعم، لكن الحقيقة أنني لا أقدر على توفير أو منح الأمن للسكان».وتتوسط البلدة، ذات الشطرين «ب» و»ج»، المنطقة التي تفصل بين مدينة نابلس والأغوار الفلسطينية، وهو ما يجعلها ذات قيمة عالية بالنسبة للنشاط الاستيطاني، حيث جرى محاصرتها على مدى سنوات بخمس مستوطنات إسرائيلية، إلى جانب 22 بؤرة استيطانية.
سنوات من المضايقات
بلدية عقربا أصدرت بيانًا صحافيًا تعقيبًا على آخر التطورات التي عاشتها القرية، حيث وصفت ما يحدث من عملية تهجير أنه «لم يكن وليد حدث طارئ، بل كان نتيجة لسنوات طويلة ومريرة من المضايقات والحصار والعزل، قوبلت بعزيمة وصبر وصمود لعدد قليل من العائلات التي وقفت في وجه الظلم في أكثر الظروف حساسية وتعقيدًا».
ودعت البلدية الجهات المختصة إلى الوقوف أمام مسؤولياتها الوطنية والأخلاقية، وإنقاذ ما تبقى من «يانون»، بتحويل ما يحدث من تهجير إلى حالة من العمل، وتقديم كل الدعم اللازم وفي جميع المجالات لتثبيت المواطنين في أراضيهم وبيوتهم. كما طالبت وزارة التربية والتعليم بالمسارعة في إعادة تشغيل المدرسة المُخلَاة، ووزارة الأوقاف والشؤون الدينية بإعادة تشغيل المسجد الذي مُنعت الصلاة فيه منذ أسبوعين، لكن بيان البلدية لم يُحرّك ساكنًا، وهُجّر من تبقى من العائلات خلال الساعات الأخيرة.
وختمت البلدية بيانها بتحذير، في ظل أن الجهات الفلسطينية والدولية لم تقدّم للقرية ما يسمح بتثبيت السكان في أراضيهم، مؤكدةً أن على الجميع (مؤسسات وأفرادًا) أن «يتعاملوا مع قضية يانون على أنها قضيتهم الأساسية، وإلا فإن الرقعة ستتسع لتبتلع الجميع»، حسب نص البيان.
وحسب عضو لجنة مقاومة الاستيطان في عقربا، يوسف ديرية، فإن المستوطنين، قبل تهجير السكان، قاموا بمنع خروج المواطنين من منازلهم، كما منعوا عنهم الزيارات، ومنعوا الأهالي من أداء صلاة الجمعة في مسجد القرية، وأجبروا الطلبة والمعلمين على إخلاء المدرسة.
التهجير الثاني
ويأتي تهجير القرية ليعيد إلى الأذهان ما حدث مع سكانها عام 2002، حيث تعرضت لعملية تهجير قسري ترتب عليها نشوء مقاومة شعبية مدعومة بحالة من التضامن الدولي، عملت على إعادة العائلات إلى منازلهم. وعلى إثر نجاح المقاومة الشعبية، تحولت القرية إلى أيقونة للصمود الشعبي في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه.
ويُنظَر إلى عام 2002 على أنه إحدى أبرز المحطات التاريخية في تاريخ القرية، حيث تُذكَر يانون في سجلات «كرونولوجيا» (علم التسلسل الزمني) أنها شهدت إخلاءً جماعيًا للسكان بعد مضايقات وعنف من المستوطنين، وكان ذلك من أوائل الحالات التي «أُفرغت فيها قرية كاملة» بسبب عنف المستوطنين بعد توقيع اتفاق أوسلو عام 1993.
وتنقسم القرية إلى قسمين: يانون التحتا ويانون الفوقا، حيث تقع «يانون الفوقا» في المنطقة «ج» في الضفة الغربية، وكان يسكنها أربع عائلات بعد أن كانت ست عشرة عائلة عام 2002، فيما تحمل «يانون التحتا» تصنيف مناطق «ب»، ويسكنها عشرات العائلات الفلسطينية.
وقبل أكثر من 40 عامًا، كانت القرية تنعم بالوحدة والأمان، إلى أن غرست مستوطنة «إيتمار» أنيابها في أراضيها عام 1982، فقسمتها وشتّتت أهلها، فيما تبعتها أربع مستوطنات تكفّلت بمزيد من التشتيت والحصار.
الانتفاضة الثانية
وحسب الباحث في التاريخ الاجتماعي حمزة عقرباوي، فإن تاريخ القرية يحمل معلومات غاية في الأهمية، إذ كانت «يانون التحتا» مملوكة لعائلة «البشناق» بدرجة أولى، إلى جانب عائلة العجوري، أما «يانون الفوقا» فكانت مملوكة لأكثر من شخص، جزء منهم من بني جابر دار صبيح، وجزء من عائلة الآغا، وجزء من دار مالك، وعائلة أرسلان الشركسية، إلى جانب مجموعة كبيرة من العائلات.وأضاف في حديث لـ»القدس العربي»: «المشكلة بدأت في مطلع عام 1999، عندما شرع المستوطنون بتنفيذ اعتداءات على السكان، ما أدى إلى تراجع أعدادهم بشكل كبير».وشدّد على أن الانتفاضة الثانية شهدت تكثيفًا في هجمات المستوطنين، من إطلاق النار واستهداف الرعاة، ومنع الناس من الوصول، واقتحام البيوت، وإطلاق النار، وتفجير خزانات المياه، وقد تكثف ذلك في هجوم شبه ليلي، ما اضطر السكان إلى إخلاء القرية باتجاه بلدة عقربا.وتابع في سرد جانب من رمزية القرية أن متضامنين أجانب ونشطاء من حركة السلام ومجمع الكنائس العالمي حضروا بعد تهجير السكان، حيث سكنوا القرية وأعادوا الأهالي إليها، ثم قام مجمع الكنائس العالمي بتدشين مقر له في القرية، وهو ما عزز من عودة الحياة إليها.ويرى أن عودة الهجمات على القرية لم ترتبط بأحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر، إذ «منذ نحو أربع سنوات عادت الانتهاكات بشكلها الوحشي، من سرقة وتخريب واقتحام البيوت، أما بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 وحتى اليوم فقد جرى اقتحام البيوت أكثر من مرة، وتفتيشها، والاعتداء على سكانها، وتمزيق البيوت البلاستيكية، وحتى السهل الزراعي جرى السطو عليه من المستوطنين، ومنعوا الأهالي من زراعته، كما منعوهم من رعاية الأغنام، رويدًا رويدًا فقد السكان القدرة على البقاء».ويوثّق الباحث عقرباوي نشأة الاستيطان الرعوي في قرية يانون قبل سنوات طويلة، وهو نمط دشنه المستوطن «أبراهام أفري ران» من مزرعته في منتصف التسعينيات، مضيفًا: «كانت هذه المزرعة الظاهرة الأولى للاستيطان الرعوي، وقد جمع هذا المستوطن أعضاء عصابات متورطين في جرائم قتل، ومنهم تشكلت ظاهرة فتية التلال».ويؤكد أن البدايات الأولى لظاهرة فتية التلال تشكّلت من مستوطنة «جفعات عولام» (تلال العالم)، وهي المستوطنة التي أنشأها «أفري ران» في «يانون»، والتي انطلقت منها الهجمات على القرية، ويُنظر إليه على أنه الأب الروحي لفتية التلال في الضفة الغربية.وحول ملكية الأراضي، قال عقرباوي: «هناك اختلاف في يانون من حيث ملكية الأراضي، فالجزء الأكبر منها يملكه البشناق، وهم قدموا من البوسنة والهرسك، وجزء آخر تملكه عائلة أرسلان المنتمية إلى الشركس، وجزء ثالث تملكه عائلات من بلدة عقربا، وجزء رابع لعائلات من مدينة نابلس».وأضاف: «هناك طمع كبير في أراضي يانون، لأن جزءًا كبيرًا من أصحابها غير موجودين فيها؛ فالبشناق، عاد جزء منهم إلى البوسنة والهرسك، وآخرون في الأردن ونابلس والإمارات والولايات المتحدة، أما عائلة أرسلان الشركس فقد عادوا إلى مصر، وهم أحفاد الشيخ أرسلان، ولم يبقَ منهم أحد، كما أن عائلة مالك من عقربا، التي تمتلك أكثر من 400 دونم، تقيم في الأردن، فيما بقية العائلات هي من بلدة عقربا، وهم من يخوضون الصراع اليوم».ويختم عقرباوي: «هل هذه هي النهاية؟ تهجير آخر أربع عائلات، وإفراغ المدرسة والمسجد، وتفريغ القرية بالكامل من سكانها، هل يعني ذلك انتصارًا للاستيطان الصهيوني؟ لا أحد منا يعلم ما يحمله المستقبل».
*المصدر : القدس العربي


www.deyaralnagab.com