logo
1 2 3 41119
صحافة : بالكذب والتضليل.. هكذا حاول ترامب الإيقاع برامافوزا الذي لم يستدرج لـ”الفخ” مثل زيلينسكي!!
23.05.2025

تحت عنوان: “بالكذب والتضليل.. حاول ترامب الإيقاع برئيس جنوب إفريقيا”، قالت صحيفة لوفيغارو الفرنسية إنه وسط ارتياح ممزوج بالإعجاب، حيّت جنوب إفريقيا الهدوء وضبط النفس اللذين استقبل بهما رئيسها، سيريل رامافوزا، الافتراءات العنيفة من نظيره الأمريكي دونالد ترامب بشأن ما سماه “الإبادة الجماعية” التي يتعرض لها البيض في البلاد. فلم يقع الرئيس الجنوب إفريقي “في فخ” نظيره الأوكراني، تقول صحف جنوب إفريقية، مع أن الخطر كان حاضراً.
حوّل دونالد ترامب، يوم الأربعاء، المكتب البيضاوي إلى فخ حقيقي. بدأ اللقاء أمام الصحافة بكلمات مجاملة دبلوماسية. ثم طلب الرئيس الأمريكي عرض مقطع فيديو قال إنه يُظهر ما زعم أنه “إبادة جماعية للبيض” في جنوب إفريقيا. ظهر على الشاشة صف من السيارات متوقفة بجانب حقل تتناثر فيه صلبان بيضاء. ووفقًا لترامب، فهذه سيارات أقارب “ذهبوا، على ما أظن، صباح الأحد لزيارة قبور” أكثر من “ألف مزارع أبيض” دُفنوا هناك، و“قُتلوا للاستيلاء على أراضيهم دون أن تفعل السلطات شيئاً”.
بعد ذلك مباشرة، عرض مقطعان آخران لرجلين يلقيان خطابات عنيفة من على المنصات، أحدهما ينشد “اقتلوا البوير”، وهو نشيد شهير من زمن النضال ضد الفصل العنصري. وقال ترامب: “هؤلاء مسؤولون يقولون: اقتلوا المزارعين ثم خذوا أراضيهم؟ هذا مقبول؟“.
ووصف الصحيفة الفرنسية ما حدث بأنه كمين علني، ساخر ووحشي، وتلاعب واضح بسوء نية. فلم تكن الصور تظهر مقبرة جماعية “لآلاف البيض”، بل مراسم أقيمت في سبتمبر عام 2020، لتكريم زوجين من المزارعين البيض قُتلا قبل ذلك بشهر، وقد حُكم على قاتليهما بالسجن المؤبد. مثل هذه التجمعات شائعة ومؤقتة.
أما صاحبا الخطابين فهما لا يمتّان للحكومة بصلة، بل هما المعارضان، أحدهما هو يوليوس ماليما، زعيم حزب “المقاتلون من أجل الحرية الاقتصادية”، وهو حزب يساري متطرف مؤيد لروسيا، وعنيف، وأدين مرارا بسبب خطاباته العنصرية. ومع أن أجهزة الرئيس الأمريكي لا بد وأنها تعلم الحقيقة، فقد طالب ضيفه بتفسير لهذه “العنصرية”، في انقلاب مدهش للقيم ضد رجل كرّس حياته لمحاربة الفصل العنصري.
بدا رئيس جنوب إفريقيا مصدوماً أكثر من وحشية الاتهامات من مضمونها الذي كان يتوقعه. فالعلاقات بين البلدين في تدهور مستمر منذ أشهر، في ظل إثارة الرئيس الأمريكي لفكرة اضطهاد الأقلية البيضاء الريفية، التي تمثل نحو 7% من السكان. لكن الأرقام تدحض تماما هذه الرواية عن “إبادة المزارعين البيض”، تؤكد صحيفة لوفيغارو. فمن أصل 26232 جريمة قتل في عام 2024، 8 فقط كانت تتعلق بمزارعين. هذه الظاهرة موجودة لكنها في تراجع ملحوظ.
رغم ذلك، واصل ترامب تكرار نظريته التآمرية، وهي أسطوانة قديمة لدى اليمين المتطرف الأنغلو- ساكسوني. وقال: “ما يحدث هو فصل عنصري معاكس”، مؤكداً أن “آلاف البيض” يحاولون الفرار من جنوب إفريقيا إلى الولايات المتحدة “حتى لا يتم قتلهم”. فحتى جمعيات “الأفريكانر”، أحفاد المستعمرين الأوروبيين، والمفترض أنهم الهدف، رفضت هذه الادعاءات، تشير الصحيفة الفرنسية.
ورغم شعوره بعدم الارتياح، لم يفقد سيريل رامافوزا أعصابه. وكان قد صرّح قبل مغادرته بأنه يتوقع الأسوأ. وقال في مقابلة تلفزيونية: “سواء أعجبنا ذلك أم لا، علينا التحدث معهم”. وإدراكاً منه أن البيت الأبيض أصبح ساحة كمائن إعلامية أكثر منه قصراً يحتفي بالصداقات الطويلة، استخدم الزعيم النقابي السابق القريب سابقا من مانديلا، كل خبرته لتفادي الكارثة. لكن محاولاته بالتأكيد على أن “جنوب إفريقيا دولة ديمقراطية حيث للجميع الحق في التعبير” وأن “حكومته ترفض تمامًا ما يقوله (ماليما)“ لم تجد نفعاً، ولا حتى استحضار روح نيلسون مانديلا، تقول صحيفة لوفيغارو.
لتجاوز هذا المأزق، اعتمد الرئيس على وفد مختار بعناية، معظمه من البيض، لإقناع ترامب. بدأ بإعطاء الكلمة لوزير الزراعة جون هنري ستينهايسن، وهو أبيض من المعارضة. لم ينكر الأخير مشاكل العنف، التي تعتبر آفة حقيقية في البلاد، لكنه أشار إلى أنها “تطال جميع فئات السكان”، وطلب مساعدة الولايات المتحدة. ثم طلب رأي إيرني إيلز وريتييف غوسن، لاعبي الغولف الشهيرين -والغولف شغف لدى ترامب- ثم رأي يوهان روبرت، مؤسس شركة ريتشمونت الفاخرة، وهو ملياردير يروق لذوق ترامب. جميعهم دعوا إلى التقارب مع الولايات المتحدة.
كان إيلون ماسك، الذي نشأ في جنوب إفريقيا، واقفاً في الغرفة، لكنه التزم الصمت. وقد حرص ترامب على الدفاع عنه، في وقت تزداد فيه الانتقادات ضد مؤسس تسلا في بلده الأصلي. يُذكر أن ماسك هاجم بشدة القوانين الجنوب إفريقية، متهماً إياها بـ“الدعوة إلى التمييز ضد كل من ليس أسود”.
وإذا كانت هذه الضغوط تتجاوز ما هو معتاد، فإن بريتوريا تملك الحق في الاحتجاج. فالولايات المتحدة هي ثاني شريك اقتصادي لجنوب إفريقيا. وتخشى الحكومة خصوصاً من أن تلغي واشنطن، التي علّقت بالفعل كل المساعدات الاقتصادية، برنامج “أغوا” (قانون النمو والفرص في إفريقيا)، الذي يسمح بالتصدير بدون رسوم جمركية إلى الولايات المتحدة. وسيؤدي اختفاؤه إلى إفلاس شبه مؤكد للصناعة المحلية الهشة.
وبالرغم من صعوبة اللقاء، بدا سيريل رامافوزا في النهاية مطمئناً، بل متفائلاً. إذ نجح في إقناع ترامب بالحضور إلى قمة مجموعة العشرين، المقررة في شهر نوفمبر المقبل بمدينة كيب تاون، التي تتمتع بملاعب غولف رائعة. وقال للصحافيين بابتسامة عريضة: “كنتم تأملون في دراما… آسف لإحباطكم”.


www.deyaralnagab.com