صحافة : غزة والمرتزقة الأمريكيون: ارهاصات لوقف إطلاق النار وشهية متزايدة لتوسيع نادي التطبيع وتصاعد في قمع أنصار فلسطين!!
06.07.2025
كانت افتتاحية صحيفة “هآرتس”(4/7/2025) فارقة عندما تحدثت عن دور المرتزقة الأمريكيين في قتل الفلسطينيين في غزة، مشيرة إلى أن مهمة مؤسسة غزة الإنسانية باءت بالفشل الذريع.
وكانت الصحيفة تشير إلى التحقيق الذي نشرته وكالة أنباء “أسوشيتد برس” في 3/7/2025 ونقلت فيه عن متعهدين أمنيين قولهما إنهما شاهدا زملاءهم وهم يطلقون الرصاص الحي على الفلسطينيين عند مراكز التوزيع التابعة لمؤسسة غزة الإنسانية، وقالا إن المتعاقدين الأمنيين التابعين لشركة “سيف ريتش سوليوشنز” أطلقوا القنابل الصوتية ورشوا المنتظرين برذاذ الفلفل.
وقالت الصحيفة إن الأمريكيين حضروا أيضا لقتل الفلسطينيين الذين يموتون يوميا بالقصف وعند مراكز توزيع الطعام. مضيفة أن العقل لم يعد يحتمل الأعداد اليومية للقتلى ولا أحد يمكنه الإدعاء أن الحديث لا يتعلق بأغلبية مطلقة من الأبرياء أو قتل جماعي، بمعنى إبادة.
فرية دم حقيرة أم قتل بدم بارد؟
وأشارت صحيفة “هآرتس” لتحقيقها الأسبوع الماضي عندما نشرت شهادات جنود مقاتلين في غزة تحدثوا فيها عن إطلاق النار بنية وقصد على سكان أبرياء يحتشدون في طوابير غير إنسانية قرب مراكز المساعدات، تحقيق وصفه رئيس الوزراء ووزير الدفاع بأنه “فرية دم حقيرة” مع أن ما ورد فيه أكده متحدث باسم الجيش الإسرائيلي وأن الأمر قيد “التصحيح”.
وقالت إن الحرب التي لا تهم أحدا في إسرائيل لها ثمنها على الجنود وعائلات الأسرى. فقد نشر مراسلها يوم الخميس شهادات لخمسة جنود وصفوا واقعا صادما وصف فيه الجنود في غزة وضعهم بين اليأس ونوبات الغضب والرعب. وقالت “كل شيء في غزة يصرخ لوقف الحرب فورا، عديمة الجدوى وعديمة الأهداف والوحشية جدا ومن الواجب إنهاء هذه الحرب بأي ثمن”. فهي حرب لا رابح فيها. فعلى خلاف حروب إسرائيل خلال العامين الماضيين تقريبا، انتهت سريعا إلا حرب غزة.
حروب إسرائيل الغريبة
وقد أشارت مجلة “إيكونوميست” (3/7/2025) إلى ساعة الحروب الإسرائيلية الغريبة، 12 يوما مع إيران و8 أسابيع مع حزب الله وأكثر من 21 شهرا في غزة. وتحدثت المجلة عن خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسلام في غزة والتي أعلن عنها يوم الثلاثاء عبر منصته “تروث سوشيال” لوقف الحرب. وقالت إن السلام يبدو بالنسبة له سهلا. ومع ذلك، فقد ثبت مرارا وتكرارا أن إنهاء الحرب في غزة ليس بالأمر السهل. كانت هناك هدنتان مؤقتتان خلال 21 شهرا من الصراع، ولكن لم يكن هناك سلام دائم. تواصل إسرائيل قتل العشرات من الفلسطينيين كل يوم.
وقالت “إيكونوميست” إن إسرائيل لم تستطع في غزة تحديد شكل نهاية الحرب، فربما كانت حلقة من حلقات الصراع الدائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وربما تكون هذه المرة مختلفة في ظل تأكيدات ترامب أنه سيكون هذه المرة متشددا مع نتنياهو الذي سيكون ضيفه يوم الإثنين في البيت الأبيض. وهذه هي المرة الثالثة التي يزور فيها نتنياهو خلال أشهر قليلة من تولي ترامب الحكم. وهناك أكثر من سبب يدعو لوقف الحرب العبثية الحالية التي لا تعمل إلى غير قتل الأبرياء وتدمير ما تبقى من أبنية واقفة في غزة وتجويع الناس حتى الموت. فالجيش الإسرائيلي يؤكد أنه حقق أهدافه تقريبا في غزة، ويسيطر على معظم القطاع وأصدر أوامر أخلاء لسكان مدينة غزة تحضيرا لهجمات جديدة.
وتساءلت الصحيفة عن سبب استمرار إسرائيل القتال في غزة، في حين أنها تمكنت من إنهاء حروبها ضد إيران وحزب الله بسرعة؟ وتجيب أن هذين العدوين شكلا تحديات فريدة. فقد امتلكت إيران آلاف الصواريخ الباليستية القادرة على ضرب إسرائيل. وامتلك حزب الله أسلحة زودته بها إيران ودربت مقاتلين، وسيطر الحزب على جزء كبير من لبنان وأجزاء من سوريا. لكن الحكومة الإسرائيلية كانت لديها أهداف واضحة وقابلة للتحقيق في إيران ولبنان. فقد سعت إلى سحق الطموحات النووية للجمهورية الإسلامية، وإنهاء الوجود العسكري لحزب الله على الحدود الشمالية لإسرائيل. وباستخدام الذخائر الموجهة والمعلومات الاستخباراتية التي قدمها جواسيس في مواقع جيدة، تمكنت إسرائيل من تحقيق أهدافها في حملات قصيرة نسبيا.
أهداف واضحة وغير واضحة
وعندما شنت إسرائيل حربها على غزة، كانت لديها أيضا أهداف واضحة: إنهاء حكم حماس وتدمير قدراتها العسكرية وإنقاذ 250 رهينة محتجزين في غزة. ومنذ ذلك الحين، دمرت إسرائيل المنطقة الساحلية واغتالت تقريبا جميع قادة حماس وقتلت أكثر من 55.000 شخص. لكن حماس لا تزال تسيطر على أجزاء من غزة، جناحها العسكري ضعيف، لكن لا يوجد نقص في الشباب المستعدين للقتال. ولا يزال 50 رهينة في الأسر. ومع استمرار الحرب، عانت إسرائيل من توسع مهمتها، وبات قادتها يتحدثون بشكل غامض عن “النصر الكامل”. لكن قلة في المؤسسة الأمنية تعتقد أنه يمكن تحقيق المزيد في غزة بالوسائل العسكرية. فقد نشرت إسرائيل خمس فرق عسكرية هناك. يقول أحد الضباط: “نحن ننتظر بشكل أساسي لمعرفة ما إذا كان هناك وقف لإطلاق النار” و”لا يوجد أي تقدم على الأرض تقريبا”. يريد معظم الإسرائيليين وقف إطلاق النار. فقط أقلية تعتقد أن القضاء على حماس، بإخلاء غزة من سكانها وترك القوات الإسرائيلية فيها، أمر قابل للتطبيق أو مرغوب فيه. لكن من الذين يحافظون على منصب نتنياهو هم من يعتقدون بتحقيق هذه الأهداف.
ومقارنة مع حزب الله وإيران، فقرار إسرائيل مواصلة قصف غزة، يتجاوز التكتيكات العسكرية والحسابات السياسية. وتقول أور رابينوفيتش من الجامعة العبرية: “لأكثر من نصف قرن، عجزت إسرائيل عن تحديد استراتيجية وطنية. هل تسعى في نهاية المطاف إلى اتفاقيات دبلوماسية أم أنها تسعى إلى تحقيق هدفها المسياني المتمثل في أرض إسرائيل الكبرى؟” وتضيف أن حروب إسرائيل مع إيران وحزب الله كانت “حملات تقليدية لمكافحة انتشار الأسلحة، حيث يكون الهدف هو إضعاف قدرات عدوك وإجباره على قبول معاهدة للحد من التسلح من خلال الدبلوماسية، أما في غزة، يخوض رئيس الوزراء وحلفاؤه المتدينون المتشددون حربا مسيانية تتجاوز أي استراتيجية براغماتية”.
ترامب يأمل بانتصار
ورأت صحيفة “واشنطن بوست” (3/7/205) أن ترامب يأمل في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة الأسبوع المقبل، فيما يقوم فريقه التفاوضي بتضييق الهوة بين حماس وإسرائيل بشأن اتفاق لإطلاق سراح الأسرى ووقف الأعمال العدائية. ورأت الصحيفة أن ترامب يتطلع لتحقيق انتصار بعدما أحدثت مشاركته إسرائيل في ضرب إيران انقساما بين أشد مؤيدي الرئيس حماسة، حيث شعر بعضهم بالخيانة نظرا لتعهده بتجنب حروب جديدة. وفي الوقت الذي قدمت فيه حماس ردا “إيجابيا” على المقترح الذي قدمه الوسطاء القطريون والمصريون، يتوقع الإسرائيليون أن يعلن نتنياهو وترامب عن اتفاق لوقف إطلاق النار، بالإضافة إلى اتفاقيات مع دول عربية مجاورة أخرى خلال الزيارة. وصرح السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، داني دانون: “ستكون زيارة بالغة الأهمية”. مضيفا أن وقف إطلاق النار قيد الدراسة “ليس التزاما بإنهاء الحرب”. وهي نفس اللازمة التي يرددها المسؤولون الإسرائيليون وخاصة نتنياهو، فهم يريدون هدنة مؤقتة يتم من خلال استعادة الأسرى لدى حماس، ثم مواصلة القتال، بينما دعت حماس إلى وقف دائم للأعمال العدائية والانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من القطاع. وقد أفسد هذا المأزق جهود كبير مفاوضي ترامب، المبعوث الخاص ستيف ويتكوف، للدفع نحو وقف إطلاق نار قصير المدى.
وقد بدت ملامح المقترح الأمريكي المقدم لحماس واضحة في مدته الزمنية ومراحل إطلاق سراح الأسرى الأحياء وتحديد أماكن وجود جثث الموتى والإفراج عن أسرى غزة خلال الحرب الحالية والمئات من السجناء الفلسطينيين في سجون إسرائيل. وفي ملخص النسخة المعدلة التي قدمت لحماس تضمن ضمانات بالتزام ترامب بالاتفاقية ومواصلة المفاوضات للتوصل إلى وقف إطلاق نار دائم من شأنه أن يشهد إطلاق سراح جميع الأسرى. ولو أخذنا بعين الاعتبار مدى تركيز ترامب فإن التزامه بالاتفاق يظل محلا للشكوك، وربما تكون هذه المرة مختلفة كما يخبرنا المحللون الأمريكيون.
لا انتصار
وبات نتنياهو يعرف أن نهاية الحرب لن تتم بالحسم العسكري، وهو ما أخبره به المسؤولون العسكريون والدفاعيون الإسرائيليون منذ العام الماضي. وقال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، إيال زامير، الأسبوع الماضي إن الجيش يقترب من تحقيق أهدافه الحربية، وسيقدم للسياسيين “خيارات عملياتية” للمراحل القادمة، مضيفا أن حماس قد ضعفت أكثر نتيجة الحرب مع إيران، “الراعي الرئيسي” للحركة. ويعتقد المراقبون الإسرائيليون أن نتنياهو الساعي لفرصة جديدة في الحكم لن يجد ظرفا أحسن من الوضع الحالي، بعد ما حققه ضد إيران. وهناك حديث عن توسيع المكاسب من خلال اتفاق أمني إقليمي مع سوريا وبدء عملية بشأن التطبيع مع السعودية وإعادة ما تبقى من الرهائن.
يسعى المسؤولون الإسرائيليون إلى تحويل صفقة لإنهاء الحرب إلى صفقة متعددة الأطراف أوسع نطاقا، من شأنها أن تُحدث تحولا في الوضع الأمني لإسرائيل في المنطقة. وفي الوقت الذي بدأت فيه أحزاب اليمين الداعمة لنتنياهو التهديد بتشكيل “جبهة موحدة ضد الصفقة الناشئة”، أعاد زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد طرح عرضه بتزويد نتنياهو بـ”شبكة أمان” تضمن أغلبيته البرلمانية، في حال انشقاق اليمين المتطرف على منصة إكس.
اليوم التالي
هل عدنا لجدلية “اليوم التالي”؟ يعلق ديفيد إغناطيوس من صحيفة “واشنطن بوست” (3/7/2023) أن الشرق الأوسط يواجه لحظة دبلوماسية واضحة، مشيرا إلى أن وقف إطلاق النار في غزة قد يقود إلى سلام واسع. وقال إن “اليوم التالي” للحرب في غزة ربما اقترب أخيرا. ونقل الكاتب عن مسؤولين إسرائيليين وعرب قولهم إن اتفاق غزة قد يفتح الباب أمام اتفاقية سلام أوسع بكثير. ويعني بهذا توسيع نطاق اتفاقيات إبراهيم التي أبرمها ترامب عام 2020 لتشمل المزيد من دول المنطقة. وقد يشمل ذلك تطبيع العلاقات الإسرائيلية مع السعودية واتفاقية أمنية مع الحكومة السورية الجديدة. ويعتقد الكاتب أن نتنياهو قد لا يحتاج لليمين المتطرف كي يبقى في الحكم، فهو في ذروة شعبيته وأعلى مما كانت عليه بعد هجمات حماس في 7 أكتوبر 2023.
ويقول إغناطيوس إن على ترامب ونتنياهو اغتنام الفرصة وتوسيع نطاق هدنة الشهر الماضي بين إسرائيل وإيران إلى اتفاق إقليمي. وأضاف الكاتب أنه لو أمكن التوصل إلى وقف إطلاق نار دائم، فإن المفاوضين يتصورون إطارا جديدا لحكم غزة، مع أن التفاصيل حول اليوم التالي غير واضحة.
ويعلق الكاتب أن التفاصيل غير واضحة، لكن مصادر مقربة من المفاوضات تتحدث عن انتقال تدريجي للحكم من قبل فلسطينيين غير تابعين لحماس، بدعم من خمس دول عربية رئيسية: مصر، والأردن وقطر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. ولا تستبعد التفاصيل دورا للسلطة الوطنية بعد إصلاحها حتى تتمكن من المساعدة في استقرار غزة بعد الحرب. وقد أكد مسؤولون سعوديون وإماراتيون في الأشهر الأخيرة أنه ما لم يقدم نتنياهو تنازلات بشأن القضية الفلسطينية ويقبل بدور للسلطة، فلن تتحقق آماله في تطبيع العلاقات مع السعودية.
ترتيبات الشرق الأوسط
والحقيقة أن الحديث عن ترتيبات إقليمية، يتجاوز المسألة الحقيقية والتي رفض الإسرائيليون والجمهوريون الذين شجعوا ترامب على ضرب إيران، حل المسألة الفلسطينية وليس مجرد وقف إطلاق النار في غزة، مؤقتا أم دائما. ولهذا قللت مجلة “إيكونوميست”(3/7/2025) من إمكانية توسع نادي ترامب للتطبيع، بل وتحدثت عن مخاوف دول الخليج من نتائج حرب غير حاسمة مع إيران. وخلافا لتصريحات ترامب المتفائلة لقناة “فوكس نيوز” وتصريحات مماثلة لنتنياهو فإن المزاج العام أقل حماسا في العواصم العربية، حتى تلك التي اعتبرت إيران عدوا. ويكمن الخوف في أن الحرب لم تكن تحولية، بل كانت مجرد حرب غير حاسمة. لكن المجلة لم تستبعد توقيع أحمد الشرع، الرئيس السوري المؤقت، اتفاقية مع إسرائيل في الأشهر المقبلة. ولكن إذا فعل ذلك، فلن يكون لذلك أي علاقة بالحرب في إيران. فهو يريد وضع حد للهجمات الإسرائيلية على بلاده، وهو أمر متكرر منذ سقوط بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر. كما يريد تعزيز مكانته في الغرب. وبالمقابل فالوضع أكثر تعقيدا في لبنان المجاور، حيث خاض حزب الله حربا ضد إسرائيل العام الماضي. فيما أصبح توم براك، السفير الأمريكي لدى تركيا، مبعوث ترامب المتجول في بلاد الشام. وفي الشهر الماضي، أعطى الحكومة اللبنانية موعدا نهائيا: تريد أمريكا من حزب الله تسليم أسلحته بحلول تشرين الثاني/نوفمبر (بعد عام من وقف إطلاق النار الذي أنهى الحرب). ويتعرض حزب الله بالفعل لضغط كي ينزع أسلحته. وحتى يفعل ذلك، فلن يتبرع أحد بالمليارات لإعادة الإعمار بعد الحرب. وحتى لو نزع سلاحه، سيظل له رأي في السياسة اللبنانية كأحد الممثلين الرئيسيين للشيعة. وسيعارض التطبيع مع إسرائيل، كما يفعل كثير من اللبنانيين الآخرين. لذا، قد لا تكون معاهدة السلام وشيكة. وفي اليمن على إيران تقييم دعمها للحوثيين وإن كان يستحق. فيما يعتقد بعض السياسيين اليمنيين أن هذه هي اللحظة المناسبة لشن هجوم جديد على الحوثيين، الجماعة المدعومة من إيران والتي تسيطر على جزء كبير من اليمن. ويرون أن ضعف إيران سيضطر إلى تقليص دعمها العسكري. إلا أن السعودية، التي حاربت الحوثيين في الماضي، تشعر بالقلق من تجدد الحرب التي قد تؤدي إلى ضربات صاروخية جديدة على أراضيها. ففقدان الدعم الإيراني سيكون بمثابة ضربة للحوثيين، لكن لا يزال لدى الجماعة عشرات الآلاف من المقاتلين ومصادر دخل ثابتة. كما أنها اكتشفت كيفية إنتاج بعض الصواريخ والطائرات بدون طيار محليا. والحوثيون ليسوا الشاغل الوحيد للسعودية وجيرانها في الخليج. فهم قلقون أيضا بشأن الضربات الإسرائيلية أو الأمريكية المستقبلية على المنشآت النووية الإيرانية. ويبدو أن هذه الضربات حتمية بدون اتفاق نووي جديد، والذي أبدى ترامب اهتماما محدودا (ومهارة أقل) في محاولة التفاوض عليه. ولا يبدو أن إيران مهتمة بتقديم تنازلات: ففي الثاني من تموز/يوليو، أمر رئيسها، مسعود بيزشكيان، إيران بتعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وقد تستنتج إيران أن ردع إسرائيل وأمريكا يتطلب صواريخ باليستية أكثر دقة، بدرجة تضاعف جهودها في بنائها. إلا أنها قد تتوصل إلى استنتاج مختلف: من الصعب ردع الخصوم البعيدين بالصواريخ. وفي محادثات الشهر الماضي، ذكر العديد من الدبلوماسيين في الخليج مثال كوريا الشمالية. فقد حمت سلالة كيم نفسها من الهجوم الأمريكي بتوجيه الكثير من قطع المدفعية والصواريخ قصيرة المدى نحو سيول، عاصمة كوريا الجنوبية. ويخشى حكام الخليج أن تختار إيران استراتيجية مماثلة، ردع إسرائيل وأمريكا باستهداف الدمام أو الدوحة أو دبي، ولكن ليس تل أبيب. ومن هنا فالخوف من إيران المحاصرة والمعزولة قد يجعل السعوديين أكثر ترددا في المضي بعقد صفقة تطبيع. وبدون حل للقضية الفلسطينية فقطار التطبيع لن يمضي سريعا، أو حسب رغبة ترامب أو نتنياهو.
أهوال مسعفون
وفي ملاحظة أخيرة، عن القتل الدموي في غزة، عرضت القناة الرابعة في التلفزيون البريطاني فيلما وثائقيا عن الأطباء والمسعفون في غزة جبنت “بي بي سي” عن عرضه خوفا من التحيز. وبمشاهدة هذا الفيلم الرهيب “غزة: مسعفون تحت النار” يتضح أن تأخير عرضه لعدة أشهر لا علاقة له بالتحيز ولكن أجندات خاصة لبي بي سي وخوفها من نقد إسرائيل. وقد منح الناقد ستيورات هيرتيج في “الغارديان” (3/7/2025) الفيلم خمسة نجوم وهي أعلى رتبة وقال إن “اسطورة” التحيز تتساقط عند مشاهدة هذا الفيلم القائم على سلسلة من الكوابيس، فصناعه طلبوا في كل منعطف تعليقا من المسؤولين والجيش الإسرائيلي. وفي الحقيقة أن تأخير عرض الفيلم وشجاعة القناة الرابعة ناجمة من الخوف والكشف عن حقيقة ما تمارسه إسرائيل في غزة. فمحاولات كبت وإسكات أصوات المؤيدين لفلسطين في بريطانيا وصلت مستوياتها الكبرى كما في ألمانيا وأمريكا.
والجدل حول كلام فنان هتف “الموت لجيش الدفاع الإسرائيلي” في مهرجان غلاستونبيري، أثار نقدا واسعا غطى على حقيقة ما يجري في غزة كما اتفق جميع المحللين، ومنهم جوناثان كوك في “ميدل إيست آي” (2/7/2025) حيث قال إن الجرائم الحقيقية تجري في غزة وليس في غلاستونبيري أو برايز نورتون، في إشارة للقاعدة العسكرية في أوكسفوردشاير هاجمها ناشطو حركة مؤيدة لفلسطين “بالستاين أكشن” وقاموا برش الطلاء على طائرة. فردت وزيرة الداخلية يوفيت كوبر بتصنيف المجموعة إرهابية، وصادق البرلمان البريطاني بغرفتيه على القرار. واستيقظ البريطانيون يوم السبت على جماعة عصيان مدني كإرهابية، وهو قرار تعسفي حذرت منه “الغارديان” و”أيكونوميست” ومن تداعياته، فالرقابة سيكون لها عكس المطلوب. وأشارت إيكونوميست إلى “تأثير باربرة سترايسند الممثلة التي حاولت منع نشر صور لبيتها في ماليبو فكانت النتيجة أن كشفت عنه”.
www.deyaralnagab.com
|