|
صحافة : عودة صاخبة إلى “عقيدة مونرو”.. “نيويورك تايمز”: إمبراطورية الخوف التي يبنيها ترامب في أمريكا اللاتينية لن تعمّر طويلاً!!
01.12.2025
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” مقالًا لمحرر “أمريكان كوارترلي” بريان وينتر قال فيه إن إمبراطورية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الجديدة لن تعمّر طويلًا.
وبدأ مقالته بالإشارة إلى قصيدة الشاعر النيكاراغوي روبن داريو التي كتبها عام 1904 ووجّهها إلى الرئيس تيودور روزفلت “إلى روزفلت”، والذي استخدم “العصا الطويلة” لدعم القوة وإنشاء دولة جديدة هي بنما كي يؤمّن سيطرة أمريكا على محور القناة هناك، في تذكير واضح لإستراتيجية ترامب الجديدة لضرب قوارب يزعم أنها لمهربي مخدرات قرب شواطئ فنزويلا.
الصحيفة: عندما تستخدم واشنطن عصا غليظة جداً في أمريكا اللاتينية، فالتكلفة يمكن قياسها ليس فقط بالسنوات، بل بالعقود
ويعلّق وينتر بأن قصيدة داريو أصبحت قطعة أدبية كلاسيكية في الحركة المعادية للإمبريالية التي اجتاحت أمريكا اللاتينية في القرن الماضي. وهي قصيدة أثّرت على فيدل كاسترو الذي أصبح زعيم كوبا، والمتمرد النيكاراغوي أوغستو سيزار ساندينو، والزعيم الفنزويلي هوغو شافيز من بين آخرين. واليوم تنشر أمريكا قوتها العسكرية والاقتصادية في أمريكا اللاتينية بطريقة لم تُرَ منذ عدة عقود.
فقد أرسل ترامب أسطولًا إلى جنوب الكاريبي لتدمير القوارب التي يقول إنها محملة بالمخدرات في طريقها إلى الولايات المتحدة، وهدّد بضرب أهداف داخل فنزويلا، في محاولة واضحة للإطاحة بالزعيم الفنزويلي نيكولاس مادورو. ومنح الرئيس ترامب “رئيسه المفضل” خافيير ميلي، رئيس الأرجنتين، 20 مليار دولار كحزمة إنقاذ مالي، وتعهد باستعادة قناة بنما، وطالب المكسيك باتخاذ مواقف متشددة ضد تهريب المخدرات والمهاجرين وإلا واجهت تعريفات جمركية مرهقة. كما حاول الضغط على المحكمة البرازيلية العليا لرفض قضية ضد حليفه السابق جائير بولسونارو، ودعم المرشح المحافظ في هندوراس في الانتخابات الرئاسية، وضغط على الدول في نصف الكرة الأرضية لرفض التأثير الصيني.
ويعتقد الكاتب أن نهج ترامب الحالي يشبه تعبيرًا حديثًا لـ”عقيدة مونرو”، وهي العقيدة التي صاغها في عام 1823 الرئيس الخامس، وتقوم على رفض القوى الخارجية في ما يُعرف بحديقة الولايات المتحدة الخلفية.
ويقول وينتر إنه لو كان هناك ورثة لروبين داريو في أمريكا اللاتينية فقد التزموا الصمت. وكان الرد على ما تُعرف بـ”عقيدة دون رو”، أو عقيدة ترامب، صامتًا في الحد الأدنى، إن لم يكن داعمًا بشكل كبير.
وحتى لو وجد استعراض العضلات الذي يقوم به ترامب أرضية خصبة في نصف الكرة الأرضي، يخاطر المخططون في واشنطن، لو تجاوزوا حدودهم، بزرع بذور العداء لأمريكا، والذي سيستمر حتى بعد نهاية فترة الإدارة الحالية.
فالعديد من الدول التي كانت في السابق تشعر بالغضب الشديد من سطوة النفوذ الأمريكي، تبنّت علنًا الاهتمام المتجدد للإدارة الأمريكية بالمنطقة. وتشمل قائمة الحكومات المتحالفة مع ترامب جمهورية الدومينيكان، حيث تدخلت القوات الأمريكية من عام 1916 إلى عام 1924، ومرة أخرى من عام 1965 إلى عام 1966؛ وبنما، موقع الغزو الأمريكي عام 1989؛ والأرجنتين والإكوادور وغويانا، من بين دول أخرى.
رئيسة المكسيك كلوديا شينباوم ترى في الصمت البراغماتي الخيار الوحيد المتوفر لديها
وفي استطلاع حديث للرأي، قالت نسبة 53% من المشاركين في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية إنهم سيدعمون التدخل العسكري الأمريكي للإطاحة بمادورو.
وقد أحبط تراجع اليسار في أمريكا اللاتينية عددًا من قادته، وقال رئيس كولومبيا غوستافو بيترو، أحد أكبر نقاد الرئيس ترامب، على منصات التواصل الاجتماعي، متحسرًا: “ما سبب صمت التقدمية والحكومات؟”.
وحذّرت صحيفة “كلارين” اليسارية في تشيلي من أنه “من الضروري جدًا أن تستعيد أمريكا اللاتينية صوتًا موحدًا في مواجهة هذه الاعتداءات”.
وفي القمة التي عقدت مؤخرًا بين زعماء أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي وأوروبا، فشلت الجهود الرامية إلى إقناع حكومات المنطقة بالتوقيع على إعلان يدين صراحة حملة القصف البحري التي تشنها الولايات المتحدة.
وتساءل وينتر عن حالة الخنوع، مشيرًا إلى أن صمت العديد من القادة في المنطقة نابع بالتأكيد من مخاوفهم الخاصة وتجنب الوقوع في مرمى سهام ونيران ترامب.
وبالنسبة للآخرين، وبخاصة رئيسة المكسيك كلوديا شينباوم، فبلدها يعتمد اقتصاديًا على الولايات المتحدة، حيث ترى في الصمت البراغماتي الخيار الوحيد المتوفر لديها. ولعل السبب الرئيسي وراء الصمت هو أن الكثير من الأمريكيين اللاتينيين يدعمون موقف ترامب المتشدّد من عصابات تهريب المخدرات.
وعلى الرغم من أن الجريمة المنظمة ليست قضية جديدة، إلا أنها تفاقمت بشكل ملحوظ خلال العقد الماضي. خلال تلك الفترة، تضاعفت كمية الكوكايين المنتجة في أمريكا اللاتينية على الأقل. وتنوعت أنشطة عصابات المخدرات الغنية بالسيولة لتشمل الابتزاز، والتعدين غير المشروع، والاتجار بالبشر. واشتعل العنف حتى في دول مثل كوستاريكا والإكوادور، اللتين كانتا تعتبران في السابق واحات من الهدوء النسبي. وتظهر استطلاعات الرأي المتتالية أن الجريمة تجاوزت البطالة أو الرعاية الصحية لتصبح الشاغل الرئيسي للناخبين في معظم أنحاء المنطقة.
ويبدو أن سياسات أمريكا اللاتينية تتجه أكثر نحو اليمين نتيجة لذلك. فقد تعهد خوسيه أنطونيو كاست، المرشح الأوفر حظًا للفوز في جولة الإعادة في كانون الأول/ديسمبر لرئاسة تشيلي، ببناء حاجز حدودي على غرار ترامب لمنع دخول المهاجرين الذين يلقي باللوم عليهم في ارتفاع معدلات الجريمة. أما رودريغو باز بيريرا، أول رئيس غير اشتراكي لبوليفيا منذ نحو عقدين، فقد أعاد العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع واشنطن، ورحّب بوفد من المسؤولين الأمريكيين في حفل تنصيبه لمناقشة الصفقات المحتملة في مجال التعدين ومكافحة المخدرات.
ومع حصول الشخصيات المحافظة على نتائج جيدة في الانتخابات المقبلة في بيرو وكولومبيا وكوستاريكا والبرازيل، فمن الممكن تخيل أمريكا اللاتينية وهي تتحالف بشكل أقوى مع ترامب بعد عام من الآن.
ومع ذلك، فالمشاعر المعادية للإمبريالية الراسخة التي تنعكس في شعر داريو تدعو للحذر. ففي عام 1912، وبعد ثماني سنوات من نشر داريو لقصيدته، طلب السياسيون المحافظون في نيكاراغوا، وحصلوا على، فرقة من القوات الأمريكية باسم استعادة القانون والنظام. وستبقى تلك القوات الأمريكية هناك لمعظم العقدين التاليين، وهي فترة شهدت أيضًا إرسال الولايات المتحدة قوات إلى كوبا والمكسيك وهندوراس وهايتي وجمهورية الدومينيكان.
وقد تركت هذه التدخلات العسكرية نتوءات عميقة من الاستياء العام التي ساعدت لاحقًا في تغذية الحركات المناهضة لأمريكا، من ثورة فيدل كاسترو إلى تمرد الساندينيستا في نيكاراغوا، وعقدت المصالح التجارية والدبلوماسية الأمريكية في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية لمعظم القرن العشرين.
ولا أحد يتوقع من ترامب، الذي خاض حملته الانتخابية على وعد بإبقاء الولايات المتحدة بعيدة عن الحروب الخارجية غير الضرورية، أن يرسل قوات إلى موجة احتلال في القرن الحادي والعشرين.
لقد أصبحت أمريكا اللاتينية منطقة أكثر ديمقراطية مما كانت عليه قبل جيل أو جيلين، وهذا يعني أن الزعماء قادرون على العمل مع واشنطن دون الحاجة إلى مواجهة اتهامات بأنهم “باعة وطن”، أو الذين يتاجرون بوطنهم بشكل غير مشروع.
ومن الخطأ بمكان افتراض زوال النفور التاريخي من قبضة العم سام الثقيلة. فقد حصر ترامب جهوده العسكرية في الغالب في استهداف فنزويلا، وهي دولة ديكتاتورية لم يبق لها من الأصدقاء سوى القليل في المنطقة.
أصبحت أمريكا اللاتينية منطقة أكثر ديمقراطية مما كانت عليه قبل جيل أو جيلين، وهذا يعني أن الزعماء قادرون على العمل مع واشنطن دون مواجهة اتهامات بأنهم “باعة وطن”
وإذا ما وسّع نطاق حملته لمكافحة المخدرات لتشمل دولًا ديمقراطية مثل المكسيك وكولومبيا، وهو احتمال طرحه مؤخرًا أمام الصحافيين، فقد يؤدي ذلك إلى رد فعل عنيف أكبر بكثير. كما أن أي محاولات أخرى من جانب ترامب لترجيح كفة أصدقائه في الانتخابات المقبلة قد تأتي بنتائج عكسية، كما حدث مؤخرًا في البرازيل، حيث لم يفشل الضغط الأمريكي في إبقاء بولسونارو خارج السجن فحسب، بل غذّى أيضًا موجة من القومية عزّزت شعبية الرئيس اليساري للبلاد، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا.
ويتفاوض بعض القادة أنفسهم، الذين يكبحون جماح استفزازات ترامب، بهدوء مع بيجين وشركاء محتملين في أوروبا والشرق الأوسط، على أمل إيجاد بدائل لقوة مهيمنة يجدونها متسلطة وغير موثوقة بشكل متزايد. فعندما تستخدم واشنطن عصا غليظة جدًا في أمريكا اللاتينية، فالتكلفة يمكن قياسها ليس فقط بالسنوات، بل بالعقود.
www.deyaralnagab.com
|