|
صحافة واعلام : تحقيق لـ”سي إن إن” يكشف ما وراء جثث مُجرَّفة ومقابر بلا علامات في غزة!!
03.12.2025
كشف تحقيق لشبكة “سي إن إن” أن الجيش الإسرائيلي جرف جثث بعض الشهداء الفلسطينيين إلى قبور ضحلة مجهولة، وأنه في أحيان أخرى تُركت رفاتهم لتتحلل في العراء، حيث لم يكن من الممكن استعادتها في المنطقة العسكرية.
ونقلت الشبكة عن خبراء قانونيين قولهم إن ممارسة سوء التعامل مع الجثث عن طريق دفنها في قبور مجهولة يمكن أن تشكل انتهاكاً للقانون الدولي.
واستندت مراجعة “سي إن إن”، على ما تقول، إلى مئات مقاطع الفيديو والصور من محيط زيكيم، إلى جانب مقابلات مع شهود عيان وسائقي شاحنات مساعدات محليين.
وبحسب الشبكة، “تُظهر صور الأقمار الصناعية نشاط تجريف، طوال الصيف، في المناطق التي قُتل فيها طالبو الإغاثة. يُظهر مقطعان فيديو، حددتهما (سي إن إن) جغرافياً في منطقة زيكيم، آثار حادثة وقعت في يونيو، حيث يُصوِّران جثثاً مدفونة جزئياً حول شاحنة مساعدات مقلوبة”.
ونقلت الشبكة عن اثنين من أفراد الجيش الإسرائيلي السابقين اللذين وصفا حالات في أماكن أخرى في غزة خلال الحرب، حيث تم دفن جثث فلسطينيين في قبور ضحلة.
وصرّح الجيش الإسرائيلي لـ”سي إن إن” بأن وجود الجرافات حول زيكيم كان “أمراً روتينياً” يُستخدم لأغراض عملياتية، مثل التعامل مع التهديدات المتفجرة أو “الاحتياجات الهندسية الروتينية”.
ونقلت الشبكة عن المديرة المشاركة لمعهد أكسفورد للأخلاق والقانون والصراع المسلح، جانينا ديل، أن “الغرض هو منع تحول الموتى إلى مفقودين، وإتاحة الفرصة لتخليد ذكراهم، لا سيما من قبل عائلاتهم… وعلاوة على ذلك، إذا تم تشويه الجثث عمداً أو إساءة التعامل معها بطريقة تنتهك كرامتهم، فقد يرقى ذلك إلى اعتداءات على الكرامة الشخصية، وهي جريمة حرب بموجب اتفاقيات جنيف”.
وتتابع الشبكة: “مع ذلك، يبقى تحديد ما إذا كان الجيش الإسرائيلي يتتبع المواقع التي يُزعم أنه دفن فيها الجثث سؤالاً مفتوحاً، وأخبر أحد المبلغين عن المخالفات في الجيش الإسرائيلي شبكة (سي إن إن) أنه عندما دفنت وحدته 9 أشخاص في أوائل عام 2024، تُرك موقع القبر بدون علامة”.
ويتابع تحقيق “سي إن إن”: “يُظهر مقطعا فيديو صادمان نُشرا على مواقع التواصل الاجتماعي في 11 سبتمبر تدفقاً مستمراً من الفلسطينيين الفارين من منطقة زيكيم وهم يحملون أكياس الدقيق تحت وابل من النيران. ويبدو أن شخصاً واحداً على الأقل يحمل الدقيق قد أطلق عليه النار من الخلف في اللقطات، ويبدو أن إطلاق النار قادم من اتجاه موقع للجيش الإسرائيلي”.
ونقل التحقيق عن روبرت ماهر، من جامعة ولاية مونتانا، الخبير في الأدلة الجنائية الصوتية، تحليله لمقاطع الفيديو، إذ وجد أن الطلقات انطلقت من على بُعد حوالي 340 متراً من موقع التصوير، وهو ما يعادل المسافة من موقع الجيش الإسرائيلي.
ويتابع التحقيق: “في الفيديو الآخر، يمكن أيضاً رؤية مجموعة وهي تعتني بجثة شخص يبدو أنه ميت وآخر مصاب بجروح بالغة، قبل نقلهما بعيداً. في هذه الأثناء، يستمر إطلاق النار”.
ويذكر أن لقطات وصوراً أخرى تُظهر جثثاً متعددة لم يتمكن أيٌّ من طالبي المساعدة أو الدفاع المدني من انتشالها من زيكيم بسبب الظروف الخطيرة.
وتُذكِّر الشبكة أنه في 15 يونيو/حزيران، صرّح شاهدا عيان بأن حشداً من الفلسطينيين الجائعين اجتاح شاحنة مساعدات كانت قادمة من المعبر. تُشغَّل شاحنات المساعدات هذه من قِبل مقاولين محليين من القطاع الخاص في غزة لنقل الإمدادات من المعبر وإيصالها إلى القطاع.
وقال شهود العيان إنه بعد محاصرة شاحنة المساعدات بوقت قصير، أطلق الجيش الإسرائيلي النار باتجاهها، وبدا أن العديد من الأشخاص قد أصيبوا بطلقات نارية وسقطوا تحتها. وسُمح لسيارة إسعاف تابعة لعمال الدفاع المدني بالوصول إلى المنطقة بعد عدة أيام.
وتنقل الشبكة عن أحد عمال الدفاع المدني: “لقد صُدمنا بالمشهد. كانت الجثث التي انتشلناها متحللة. من الواضح أنها كانت هناك لفترة من الوقت، وكانت هناك علامات على أن الكلاب أكلت أجزاءً منها”.
وتشير إلى مقاطع فيديو في ذلك الموقع في زيكيم تظهر شاحنة مساعدات محطمة ومقلوبة وسط كومة من الأنقاض، حيث تناثرت عدة جثث متحللة حول السيارة، مدفونة جزئياً في أكوام من الرمال. كما شوهد كلب ضال في مكان قريب.
ولم يتمكن فريق الدفاع المدني من انتشال سوى 15 جثة، ومع امتلاء سيارة الإسعاف، لم يتم انتشال ما يقرب من 20 جثة، وفقاً للعامل. ولم يجب الجيش الإسرائيلي على أسئلة حول هذا الحادث.
وتحدث 6 سائقين محليين لشاحنات المساعدات ممن عملوا على طريق زيكيم لشبكة “سي إن إن”، ووصفوا مشاهد الجثث المتناثرة والمتحللة بأنها مشهد شائع، حيث تقوم الجرافات الإسرائيلية أحياناً بإزالة الجثث في الرمال.
ونُقل عن أحد السائقين قوله: “أرى جثثاً في كل مرة أقود فيها عبر زيكيم… شاهدت الجرافات الإسرائيلية تدفن الجثث.. لو مررت بتلك المنطقة في يوليو، لما فاتتك؛ لقد أبقيت نوافذ سيارتي مغلقة”.
وقال سائق آخر إن “جرافات الجيش الإسرائيلي إما تدفنهم أو تغطيهم بالتراب”.
وقال التحقيق إن المناطق المحيطة بطريق توزيع المساعدات سُوِّيت بالأرض، وإن صور الأقمار الصناعية الملتقطة في 8 أغسطس/آب تظهر حشوداً غفيرة من طالبي المساعدات ينتظرون على طول شارع الرشيد. وبعد يوم واحد، تظهر آثار هدم بالجرافات في نفس المواقع التي تجمع فيها الناس.
وتُضاف صور الأقمار الصناعية والصور الفوتوغرافية إلى هذه الشهادات، إذ تُظهر وجوداً ثابتاً للجرافات الإسرائيلية من أواخر يوليو إلى أوائل أغسطس. وتظهر علامات نشاط الجرافات حول معبر زيكيم بدءاً من منتصف يونيو، بعد فتح طريق المساعدات مباشرةً، وحتى 12 سبتمبر، عندما أُغلق.
وتعلّق الشبكة بأنه يبدو أن بعض نشاط الجرافات كان مرتبطاً بتطهير طريق المساعدات، الذي كان مليئاً بالصناديق والحطام في كثير من الأحيان.
وتتابع: “وفي أحيان أخرى، تُظهر صور الأقمار الصناعية نشاط جرافات دون غرض واضح، كما حدث عندما دفعت جرافة مساحة 30 متراً مربعاً من التربة إلى كومة قصيرة في منتصف يونيو، على بُعد حوالي 400 متر من مكان العثور على الشاحنة المقلوبة التي عالجها عمال الدفاع المدني قبل أيام”. و”استُخدمت الجرافات مراراً وتكراراً لهدم أنقاض المباني التي كان طالبو الإغاثة يحتمون خلفها سابقاً من نيران إسرائيل”.
وتنقل الشبكة عن شاهد عيان أنه في السابع من سبتمبر/أيلول، بينما كان الناس يبحثون بالقرب من زيكيم عن أي علامة على وجود أفراد أسرهم المفقودين، عثروا على ما قالوا إنه يبدو وكأنه جثث تم تدميرها بالجرافات.
وقال عادل منصور، أحد شهود العيان الذين ذهبوا للبحث عن ابنه البالغ من العمر 17 عاماً، للشبكة: “وجدت الجثث هناك وقد جرفتها الجرافات مع صناديق الكرتون (المساعدات)… لقد رصّوها فوق بعضها البعض”.
وقال سائق شاحنة مساعدات عمل على طرق زيكيم للشبكة: “الأمر أشبه بمثلث برمودا؛ لا أحد يعرف ما يحدث في تلك المنطقة، ويبدو أن أحداً لن يعرف أبداً”.
وتحدثت شبكة “سي إن إن” كذلك إلى “مبلّغي الجيش الإسرائيلي”، إذ أشار مبلّغو “جيش الدفاع الإسرائيلي” الذين تحدثوا إليها، ومنظمة “كسر الصمت” (BTS) غير الحكومية للمحاربين القدامى المناهضين للاحتلال، إلى نمط أوسع من سوء تعامل الجيش مع القتلى في غزة خلال الحرب.
وتحدث أحد المبلغين عن المخالفات في الجيش الإسرائيلي، والذي خدم سابقاً في موقع استيطاني في ممر نتساريم، حيث قال الجندي إن 9 جثث لفلسطينيين عزّل تُركت لتتحلل لمدة يومين تقريباً حول قاعدته في أوائل عام 2024. وأضاف أن رائحة الجثث المتعفنة أصبحت نفاذة للغاية، بينما كانت الكلاب تنبش البقايا.
وأضاف المبلّغ: “طلب قائدنا من الجرافات تغطية الجثث بالرمل”، وأن “مجرد رؤية هذا الكم من الجثث من حولك، عندما ترى أنهم غير مسلحين، عندما ترى الكلاب تأكلهم، تلعب بالعظام والأرجل والجمجمة. إنه لأمر فظيع”.
كما قالت منظمة BTS، التي توفر منتدى للجنود الإسرائيليين للتحدث والتحقق من رواياتهم، إنها تلقت العديد من الشهادات من الجنود حول هذه الممارسة.
ونقلت عن جندي سابق آخر في جيش الاحتلال الإسرائيلي، وهو نقيب خدم في مركز قيادة يشرف على القوات الإسرائيلية في غزة أواخر عام 2023، أنه لم يتلق أي توجيه من الجيش يحدد معاملة جثث الفلسطينيين الذين قُتلوا في غزة، ويقول إنه عندما أغلقت جثة فلسطيني قتلته القوات الإسرائيلية طريقاً في غزة، قرر ضباط مركز القيادة في نهاية المطاف استخدام جرافة لدفع الجثة إلى قبر ضحل على جانب الطريق.
وأضاف المُبلّغ لـ”سي إن إن”: “لم يعطونا أي بروتوكول أو أي أمر بشأن كيفية التعامل على الإطلاق مع أي جثث، لمقاتلين أو غير مقاتلين، صادفناها في الحرب”.
وتختم “سي إن إن” تحقيقها بالإشارة إلى أن الجيش الإسرائيلي دفن مراراً وتكراراً جثث الفلسطينيين في مقابر غير مميزة أو ضحلة أو جماعية في مواقع في جميع أنحاء غزة، وأنه استخدم الجرافات في نقاط مختلفة من الحرب لتدمير المقابر الفلسطينية بشكل منهجي، وأنه دنّس ما لا يقل عن 16 مقبرة في هجومه البري على غزة، ما أدى إلى تدمير شواهد القبور، وقلب التربة، وفي بعض الحالات إخراج الجثث من تحت الأرض.
وتذكّر الشبكة أنه مع استمرار اختفاء العديد من الفلسطينيين الذين حاولوا الحصول على الطعام هذا الصيف يستمر البحث اليائس عن إجابات لعائلاتهم. إذ لا يزال البعض يأمل في أن يكون أحباؤهم على قيد الحياة في مكان ما، مثل الاعتقال الإسرائيلي أو النازحين في أماكن أخرى من غزة.
www.deyaralnagab.com
|