logo
1 2 3 41060
نيويورك تايمز: في فرنسا يتساءل المسلمون هل أصبح وجودهم مرفوضا وباتوا “العدو من الداخل”؟!
30.10.2020

بعد الهجمات التي تعرضت لها فرنسا وحملة المسؤولين الفرنسيين على ما سموها “الانفصالية الإسلامية” و”العدو في الداخل” بات الكثير من المسلمين الفرنسيين يتساءلون إن كانت الدولة ستقبلهم وتعترف بهم.
وفي تقرير كونسانت ميهو لصحيفة “نيويورك تايمز” أعده من ضاحية إيفري سور سين، شرق باريس، قال إن مهدي بيلباس، 42 عاما، مثل وعد الجمهورية عن الحراك الاجتماعي للأعلى: فهو ابن عامل بناء من أصل جزائري وكان الأول في عائلته الذي يدرس في الجامعة وعمل لمدة 12 عاما كنائب لعمدة الضاحية التي تعيش فيها طبقة عاملة وتربى ونشأ فيها.
إلا أن السؤال الذي دار في ذهنه طوال الأسبوعين الماضيين كان: “هل يجب علي مغادرة فرنسا؟”. ونبع تفكير بيلباس من النقاش الحار إن لم يكن المعادي والذي غذاه وأثاره وزراء إيمانويل ماكرون وبدأ كرد على مقتل مدرس التاريخ على يد مسلم عمره 18 عاما، ثم اشتعل من جديد في الهجوم بمدينة نيس يوم الخميس الذي قتل فيه 3 أشخاص. وأكد المسؤولون الفرنسيون ملاحقة ما وصفه وزير الداخلية المتشدد جيرار دارمانين “العدو من الداخل” حيث أغلق مسجدا واقترح حظر عدد من الجمعيات الإسلامية التي تقول الحكومة إنها متطرفة بل واقترح منع بيع الطعام الحلال.
وبدأ ماكرون حملته ضد ما سماها “الانفصالية” في فرنسا العلمانية بداية شهر تشرين الأول/أكتوبر. وقال إن الإسلام بحاجة لإصلاح وحركة تنوير، وهو كلام اعتبره المسلمون في خارج فرنسا خطابا فوقيا. وفي الوقت الذي أثارت فيه تصريحات ماكرون والمسؤولين في حكومته ردة فعل في العالم الإسلامي إلا أنها أثارت حيرة ستة ملايين مسلم فرنسي، وكلهم ينبذون العنف ولكنهم خافوا من وصمهم بالإرهاب الآن.
وقال بيلباس: “بعد هذا الهجوم بات على خمسة أو ستة ملايين شخص إثبات أنفسهم” و”لكننا لا نعرف ما هو المتوقع منا عمله”. وكان هجوم السكين في الكنيسة بمدينة نيس حدثا جديدا سيزيد من التشوش رغم شجب القادة المسلمين له. وقالت نزيهة معيوفي، عضو المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، إنها “شعرت بالرهبة والحزن الشديد لعائلات الضحايا ولأصدقائنا الكاثوليك”. ولكنها خافت من أن يستخدم الساسة والمعلقون هجوم الخميس كوسيلة لتصوير الإسلام “كعدو من الداخل”. وأضافت: “كمسلمة أشعر أننا ندفع ثمن الضرر الذي أحدثه هذان الهجومان المتطرفان”.
وبدا شعور الحيرة بين مسلمي فرنسا واضحا في ضاحية إيفري سور سين، شرقي العاصمة باريس والتي تعيش فيها الطبقة العاملة والتي عاش فيها واندمج آلاف المسلمين اقتصاديا واجتماعيا منذ الخمسينات من القرن الماضي. وقال محمد أكريد مدير منظمة النور التي تشرف على بناء مسجد سيكتمل في 2023: “كل شيء قيل وحدث يقترح أننا أصبحنا كمسلمين هدفا وأننا سنعامل بناء على المعيار الجديد “انفصاليين” وأننا جميعا محل للشبهة”.
ومنذ عام 2004 كان على المصلين في الضاحية الرضى بمركز اللياقة والخيمة التي أقرضتها المدينة لهم لاستقبال 2.000 مصل أو يزيد يوم الجمعة. ويعترف أكريد أن الإسلام في فرنسا تعرض للتطويق من الجماعات المتشددة التي أصبح لها تأثير قوي على الشباب خاصة منصات التواصل الاجتماعي. ولكنه قال إن حملات القمع ضد الأفراد والمنظمات قد يخلق مزيدا من الإرباك ولن يؤثر على عملية مكافحة تأثير المتشددين.
وقال دارمانين إن حملات المداهمة والاعتقال التي قامت بها الشرطة الأسبوع الماضي ليست بالضرورة مرتبطة بالتحقيق في مقتل صامويل باتي ولكنها رسالة من الحكومة أننا “لن نعطي ولا دقيقة راحة لأعداء الجمهورية”. وأضاف أن المداهمات لم تؤد إلا إلى سبع قضايا متابعة قانونية.
وتساءل أكريد: “إرسال رسالة؟” و”لكن لمن؟ لهؤلاء الناس أم لكل المسلمين؟”. لكن تعليق دارمانين حول رفوف الطعام العرقي والحلال هي التي أثارت دهشة وتقترح أن فكرة الاندماج هي في أساس الهجوم. ونقلت الصحيفة عن صاحبة مطعم من أصل كردي: “إن الإرباك خطير من ناحية أنه قد يؤدي إلى زيادة ميول التشدد بين المجتمع المسلم خاصة الشباب الذين يشعرون بالرفض من التعليقات هذه”. وقال بيلباس إنه عندما نشأ في سيتي غاغارين والتي كانت مشروعا سكنيا طامحا في ضاحية إيفري سور سين: “أخبرنا النموذج الفرنسي للجدارة: لو عملتم ولو درستم ولو احترمتم قوانين الجمهورية فسيكون لكم حق الحراك الاجتماعي”. و”هذا لا يعني أن علينا أن نأكل كالآخرين ونعتقد كالآخرين”. وقال إن النموذج اليوم يشي بأن عادات المسلمين وممارساتهم ليست متطابقة مع قوانين الجمهورية. وفي مركز العلاقة المتوترة مع المجتمع المسلم في فرنسا هو قرار الحكومة الدفاع عن الصور المسيئة للنبي محمد التي تراها جزءا من قانون البلد العلماني الذي يسمح بالتطاول على الرموز الدينية.
ولكن المتسوقين في إيفري- سور سين إلى رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية عبروا عن انزعاجهم من الصور ودعوا إلى وضع حدود للتطاول على المعتقدات الدينية. وفي استطلاع نشر في أيلول/سبتمبر أظهر أن نسبة 59% من الفرنسيين يدعمون نشر الصور المسيئة باسم حرية التعبير ووافقت نسبة 19% من المسلمين.
ويرى فينسنت غيسر، عالم الاجتماع المتخصص بالإسلام في جامعة إكس مارسيه، أن النقاش الحالي يعكس فشل نموذج الاندماج الفرنسي والذي كان يعني الابتعاد أو كسر العلاقة مع الدين، ولم يحدث هذا فقد حدث العكس، مشيرا إلى آلاف المسلمين الفرنسيين الذين اندمجوا في المجتمع الفرنسي وحافظوا في الوقت نفسه على معتقداتهم الدينية.
واعتبر بعض الساسة هذا التطور خيانة للجمهورية. وفي تقرير نشر عام 2016 عن المسلمين الفرنسيين وأعده معهد مونتين ظهر أن نسبة 70% منهم يشترون اللحم الحلال وأن نسبة 65% مع الحجاب. وبالنسبة للشباب المسلم الذي يفشل في الاندماج يتساءل كما يقول حكيم القروي مؤلف التقرير: “السؤال هو من أنا؟ والجواب أنا مسلم”، مضيفا أن هويتهم الدينية هي الأولى.
ويشير الكاتب إلى أن مقتل المدرس وحادث نيس دفعا بعض الأئمة للحديث عن نسخة معتدلة من الإسلام ودعم قتال ماكرون للانفصالية الإسلامية. واعترف أكريد أن الكثير من الشباب يجهلون دينهم وباتوا يعتمدون على منصات التواصل لتثقيف أنفسهم. ويعترف أكريد بحاجة المسلمين للنقاش حول دينهم وتثقيف المسلمين لكنه يرى أن سياسة الاندماج الفرنسية التي عادة ما ترفض الفروق قد تلغي هذا النقاش و”طلب منا عمل شيئين متناقضين: التراجع والظهور”.


www.deyaralnagab.com