صحافة : نذر حرب باردة.. غضب صيني من غواصات أمريكا النووية لأستراليا!!
18.09.2021
وسط حديث عالمي عن بدء حرب باردة بصورة فعلية بين الولايات المتحدة والصين، بعد التحالف الجديد بين واشنطن ولندن وكانبرا، والذي ستقوم بموجبه واشنطن بتزويد أستراليا بتكنولوجيا لبناء غواصات تعمل بالطاقة النووية، لا تبدو خيارات بكين مفتوحة لمواجهة هذا التحالف الجديد في المحيطين الهندي والهادئ، وسط ترقب عالمي لردة الفعل الصينية وحدود سقفها.
وانتقدت بكين الاتفاقية التي وصفتها بـ"الأمنية"، معتبرة أنها "غير مسؤولة" و"ضيقة الأفق"، وسط توترات صينية أسترالية في محيط بحر الصين الجنوبي الذي تتمتع فيه الصين بنفوذ كبير.
ونظرت بكين على لسان المتحدث باسم وزارة خارجيتها تشاو ليجيان، على أن التحالف ضدها يخاطر "بإلحاق أضرار جسيمة بالسلام الإقليمي.. وتكثيف سباق التسلح"، منتقدا ما وصفه بـ"عقلية الحرب الباردة التي عفا عليها الزمن"، محذرا من أن الدول الثلاث "تضر بمصالحها".
ونشرت وسائل إعلام حكومية صينية مقالات افتتاحية تنتقد الاتفاقية، وقالت صحيفة "غلوبال تايمز" إن أستراليا "حولت نفسها الآن إلى خصم للصين".
وتشارك الولايات المتحدة تكنولوجيا الغواصات الخاصة بها لأول مرة منذ 50 عاما، بعد أن شاركتها في السابق مع بريطانيا فقط.
ويعني ذلك أن أستراليا ستكون الآن قادرة على بناء غواصات أسرع تعمل بالطاقة النووية، يصعب اكتشافها من خلال الأساطيل البحرية التي تعمل بالطاقة التقليدية، وبإمكانها أن تظل في المياه لأشهر، فضلا عن قدرتها على إطلاق صواريخ لمسافات أطول، على الرغم من أن أستراليا تقول إنها لا تعتزم تجهيزها بأسلحة نووية.
وأُعلن عن الشراكة الجديدة، تحت اسم "أوكوس"، خلال مؤتمر صحفي مشترك عن بعد بين الرئيس الأمريكي، جو بايدن، ورئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، ونظيره الأسترالي، سكوت موريسون، الخميس.
وعلى الرغم من عدم ذكر الصين صراحة، فقد أشار القادة الثلاثة مرارا إلى مخاوف أمنية إقليمية قالوا إنها "نمت بشكل كبير".
وجاء في بيان مشترك أن "هذه فرصة تاريخية للدول الثلاث، مع حلفاء وشركاء متشابهين في التفكير، لحماية القيم المشتركة وتعزيز الأمن والازدهار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ".
ويقول خبراء إن تحالف "أوكوس" ربما يمثل أهم ترتيب أمني بين الدول الثلاث منذ الحرب العالمية الثانية، ويعني ذلك أن أستراليا ستصبح سابع دولة في العالم تمتلك تشغيل غواصات تعمل بالطاقة النووية.
من جانبه قال جاي بوكينشتاين، من جمعية آسيا في أستراليا: "يظهر ذلك بالفعل أن الدول الثلاث تضع حدا لمواجهة التحركات العدوانية (للصين)".
وقال بوريس جونسون في وقت لاحق إن الاتفاقية "ستحافظ على الأمن والاستقرار في شتى أرجاء العالم"، وسوف تتيح "مئات الوظائف التي تتطلب مهارات عالية".
وقال وزير الدفاع البريطاني، بن والاس، لـ"بي بي سي" إن الصين "تشرع في واحدة من أكبر عمليات الإنفاق العسكري في التاريخ.. يريد شركاؤنا في تلك المناطق أن يكونوا قادرين على الصمود في أرضهم".
وشهدت السنوات الأخيرة توجيه اتهامات لبكين بأنها تثير التوترات في المناطق المتنازع عليها مثل بحر الصين الجنوبي.
وكانت الصين حازمة بشكل متزايد بشأن ما تصفه بأنه حقوق تعود إلى قرون في المنطقة المتنازع عليها، وتعمل بسرعة على بناء وجودها العسكري لدعم هذه الادعاءات.
وعززت الولايات المتحدة وجودها العسكري في المنطقة، واستثمرت بكثافة في شراكات أخرى في المنطقة مع دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية، ويقول خبراء إن وجود الغواصات في أستراليا أمر بالغ الأهمية لنفوذ الولايات المتحدة في المنطقة.
مفارقات
وتأتي هذه الاتفاقية رغم أن العلاقة الاقتصادية وحجم التبادل التجاري بين الصين وأستراليا كبير جدا، حيث تعد الصين أكبر شريك تجاري لأستراليا، لكن العلاقات شهدت في السنوات الأخيرة تصدعا عميقا بسبب توترات سياسية، تأججت عندما انتقدت أستراليا معاملة الصين لأقلية الإيغور، وحظرت بعض التكنولوجيا من شركة الاتصالات العملاقة "هواوي"، ودعمت تحقيقات تهدف إلى معرفة أسباب جائحة كورونا.
وجنحت دول غربية إلى الحذر من الاستثمار الصيني المتنامي في البنية التحتية في جزر المحيط الهادئ، وانتقدت عقوباتها التجارية الشديدة ضد دول مثل أستراليا، إذ فرضت في العام الماضي ضرائب على النبيذ الأسترالي تصل إلى 200 في المئة.
في الأثناء كان بارزا الدعم الأمريكي لأستراليا،حيث قال وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، الخميس، إن الولايات المتحدة "تدعم بقوة أستراليا في دفاعاتها ضد الصين".
وأضاف: "رأت بكين خلال الأشهر الماضية أن أستراليا لن تتراجع، وأن التهديدات بالانتقام الاقتصادي والضغط لن تنجح".
لم تكن الصين المتضرر الوحيد في الاتفاقية الجديدة، وإن كانت المتضرر الاستراتيجي الأكبر منها، إلا أن فرنسا تلقت بدورها ما وصفته باريس بـ"الطعنة بالظهر"، نظرا لأن الاتفاقية ألغت صفقة شراء غواصات فرنسية كانت أبرمتها مع أستراليا بحوالي 50 مليار دولار، أصبحت بحكم الملغاة فعليا.
وفي هذا الصدد أعلن وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، الجمعة، عن استدعاء سفيري البلاد لدى الولايات المتحدة وأستراليا، على خلفية الأزمة.
واستنكرت باريس "الخطورة الاستثنائية" لإعلان الشراكة الاستراتيجية بين واشنطن ولندن وكانبيرا، الذي أفضى إلى إلغاء أستراليا عقدا ضخما لشراء غواصات من فرنسا.
وقال لودريان في بيان: "بناء على طلب رئيس الجمهورية، قررت أن أستدعي فورا إلى باريس للتشاور سفيرينا لدى الولايات المتحدة وأستراليا".
وتابع: "إن هذا القرار الاستثنائي تبرره الخطورة الاستثنائية لما أعلنته أستراليا والولايات المتحدة في 15 أيلول/ سبتمبر".
وفي وقت سابق الجمعة، أعربت وزيرة خارجية أستراليا عن تفهم بلادها "خيبة أمل" فرنسا بعد قرارها التخلي عن شراء غواصات منها، مؤكدة الرغبة في مواصلة العمل مع باريس.
وقالت ماريس باين، من واشنطن: "أتفهم تماما خيبة الأمل. ليس هناك شكّ في أن هذه قضايا يصعب جدا معالجتها"، لكن باريس اعتبرت على لسان وزير خارجيتها أن ما جرى "طعنة في الظهر حقا، لقد أقمنا علاقة ثقة مع أستراليا، هذه الثقة تعرضت للخيانة".
بدوره قال جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، إنه يتفهم سبب خيبة أمل فرنسا من الاتفاقية، مضيفا أنه لم تُجر استشارة الاتحاد الأوروبي بشأن التحالف الجديد.
وقال بوريل: "هذا يدفعنا مرة أخرى.. إلى التفكير في الحاجة إلى جعل مسألة الحكم الذاتي الاستراتيجي الأوروبي أولوية، وهذا يظهر أننا يجب أن نعيش بمفردنا".
مرحلة جديدة
وبتوقيع الاتفاقية التي أخذت شكلا وبعدا أمنيا وعسكريا أكثر من كونها شراكة اقتصادية، سلطت صحيفة الغارديان البريطانية، الضوء على تداعيات هذا التوقيع وما يمكن أن يرتبه من تغيرات في المنطقة.
وتحت عنوان "مواجهة مع الصين"، قالت الصحيفة في مقالها الافتتاحي، إن "الاتفاقية التاريخية تعزز علاقات قديمة، مع دخول منطقة المحيطين الهندي والهادئ مرحلة جديدة"، مضيفة أنه "لا أحد يصدق لا سيما الصين، أن الاتفاق الجديد لا يهدف إلى احتواء بكين، لكن السؤال: إلى أي مدى يثبت ذلك؟".
وأكدت الصحيفة أن المشروع الأساسي هو تمكين أستراليا من الحصول على غواصات تعمل بالطاقة النووية، وأحد أسبابه إحباط أستراليا بشأن تعثر عقد اقتناء سفن فرنسية الصنع.
لكن على صعيد آخر، وفق ما قالت الصحيفة، فإن الاتفاقية ستفتح الباب أمام تعاون عسكري، وأمام شراكة واسعة النطاق في أكثر من مجال.
وتابعت الصحيفة قائلة إن سلوك الصين يقرع جرس الإنذار على الصعيد الدولي، مشيرة إلى أن الاتفاقية تلزم بريطانيا وأستراليا بموقف الولايات المتحدة، وتعزز القوة العسكرية الأمريكية في المنطقة، رغم غضب فرنسا العلني، أهمّ لاعب في أوروبا في المحيطين الهندي والهادئ.
ورأت الصحيفة أن "الرد الحازم والموحد على تصرفات الصين من الدول الديمقراطية، أمر منطقي ومرغوب فيه"، مضيفة أنه "يبقى أن نرى ما إذا كانت الاتفاقية الجديدة ستقيدها أو ستدفعها إلى تعزيز جيشها بشكل أكبر، وإلى السعي خلف علاقات أوثق مع روسيا، وتكثيف أشكال الضغط الأخرى".
ولفتت الصحيفة إلى أن الرئيس الأمريكي جو بايدن قد يعتقد أن بإمكانه الاستمرار في "المنافسة الشديدة" عبر مواجهة الصين في بعض المناطق والتواصل معها في أخرى، وهو ما ترفضه الصين بشدة.
وختمت الصحيفة بالقول إنه لا يمكن حاليا تحديد أهمية الاتفاقية، مشيرة إلى أن الثقة بالتزامات الولايات المتحدة اهتزت في عهد الرئيس السابق ترامب، لكنها أكدت أن الاتفاقية ستزيد حدة الانقسامات بين الصين والغرب.
www.deyaralnagab.com
|