صحافة : مذبحة الطنطورة: قبور جماعية تحت موقف سيارات على شاطئ البحر!!
24.01.2022
كشف الباحث الإسرائيلي في تاريخ المذابح الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني منذ النكبة وحتى اليوم آدم راز، في تقرير موسع نشر في صحيفة "هآرتس" نهاية الأسبوع بالتوازي مع عرض فيلم وثائقي إسرائيلي عن مذبحة الطنطورة التي وقعت خلال حرب النكبة، عن شهادات جديدة لجنود "لواء ألكسندروني" تبين أن عدد شهداء مذبحة الطنطورة يفوق مائتي شهيد، وليس فقط نحو 20 لقوا مصرعهم خلال الحرب، كما كانت يدعي الاحتلال الإسرائيلي.
وعلى الرغم من أن باحثا إسرائيليا يدعى تيدي كاتس كان سبق الباحث راز في الكشف عن المذبحة بناء على شهادات الناجين الفلسطينيين، وقدم بحثه لجامعة حيفا ونال عليه الماجستير، إلا أن راز، خلافا للباحث الأول، يعتمد في تقريره هذا الأسبوع على شهادات من جنود "لواء ألكسندروني"، الذين نفذوا المذبحة، والذين كانوا رفعوا قبل عشرين عاما دعوى قضائية ضد الباحث تيدي كاتس، نافين ارتكاب أي مذبحة، واضطر الأخير إلى الاعتذار في المحكمة الإسرائيلية، وسحبت الجامعة اعترافها برسالته.
وكانت الحادثة هذه هي التي دفعت المؤرخ التقدمي إيلان بابي، الذي أشرف على رسالة كاتس، لترك جامعة حيفا، ثم ترك إسرائيل وانتقل للعيش في بريطانيا، وبدأ مشروعه الأكاديمي اللافت عن التطهير العرقي في فلسطين.
ومن أبرز ما يكشفه الباحث راز هذه المرة هو اعترافات للجنود أنفسهم بارتكاب المذبحة أولا، وتحديد موقع القبر الجماعي الذي دفن فيه الشهداء، والقول إنه يقع اليوم تحت موقف السيارات على الشاطئ المعرف بشاطئ دور، وهو مكان قرية الطنطورة المهجرة.
ويستهل راز مقالته الجديدة بالقول إن جنود "ألكسندروني" يعترفون اليوم، وهم في التسعينات من العمر، بما اقترفت أيديهم، وما كانوا نفوه قبل عشرين عاما مع تفجر قضية تيدي كاتس.
ويورد أولى الاعترافات في مقالته باسم الجندي الإسرائيلي موشيه ديامنط، إذ يقول: "أسكِتوا هذا الأمر، ممنوع الحكي، فمن شأن ذلك أن يسبب فضيحة كاملة. لا أريد الحديث عن هذا، لكنه وقع. ما العمل؟ لقد وقع الأمر فعلا".
جنود "الكسندروني" يعترفون اليوم وهم في التسعينات من العمر بما اقترفت أيديهم، وما كانوا نفوه قبل عشرين عاما مع تفجر قضية تيدي كاتس
ووفقا لشهادة ديامنط، فقد تم إطلاق النار على سكان القرية مع انتهاء المعركة عبر رشاش نصف أوتماتيكي "من قبل إنسان متوحش". لكنه يضيف أنه خلال المداولات بقضية تيدي كاتس، "تصرف الجنود وكأن شيئا لم يحدث، وقالوا "لم نعرف.. لم نسمع. بالتأكيد الجميع علموا، وكلهم يعرفون بشأن ما حدث".
ويورد الباحث الإسرائيلي رواية جندي آخر يدعى ميخا فيطكون، تحدث عن ضابط تقلّد لاحقا منصبا رفيعا في وزارة الأمن، حيث قام بقتل عربي تلو الآخر بمسدسه الشخصي: "لقد كان ضابطا منفلتا، وكانت هذه علامات انفلاته، فقد قتلهم لأنهم رفضوا أن يكشفوا أين خبأوا الأسلحة التي كانت بحوزتهم".
وضعوهم في برميل وأطلقوا النار عليهم
ووصف أحد الجنود في روايته لآدم راز كيف تم قتل مجموعة أخرى من شهداء الطنطورة: "ليس مناسبا قول ذلك، أدخلوهم في برميل وأطلقوا النار عليهم.. ما زلت أذكر منظر الدم في البرميل". وقال جندي آخر ببساطة: "لم يتصرف المقاتلون كبشر في القرية"، قبل أن يعود ليلوذ بالصمت.
عزمي بشارة/الدوحة/التلفزيون العربي/يوتيوب
وبحسب راز، فإنه على الرغم من أن شهادات الجنود قيلت أمام المخرج الإسرائيلي ألون شفارتس بـ"جمل قصيرة ومقطوعة، وشظايا جمل، إلا أنها توضح الصورة العامة. لقد ذبح جنود "لواء ألكسندروني" رجالا غير مسلحين بعد المعركة".
ويقول راز إن إحدى الشهادات الفظيعة في الفيلم هي التي أدلى بها المقاتل عميتسور كوهن، الذي يعترف في حديثه عن أشهر الحرب الأولى: "لقد كنت قاتلا.. لم آخذ أسرى".
ويعترف كوهن أنه عندما كانت تقف أمامه فرقة من المقاتلين العرب الذين رفعوا أيديهم مستسلمين، كان يقوم بإطلاق النار عليهم جميعا، مضيفا أنه لا يعرف عدد الذين قتلهم من العرب. ويقول: "كانت معي بندقية وبها 250 رصاصة، لا أستطيع إحصاءهم".
ويضيف راز أن شهادات جنود "ألكسندروني" تتفق مع ما سبق أن اعترف به في السابق المقاتل الإسرائيلي يوسيف بار أليعيزر، الذي قال: "لقد كنت أحد الجنود الذين شاركوا في الطنطورة. كنت أعرف بأمر المذبحة في القرية. عدد من الجنود قاموا بعملية القتل بمبادرة منهم".
تحدث ميخا فيطكون، جندي آخر قاتل سابقا في اللواء، عن ضابط أصبح في السنوات اللاحقة مسؤولا كبيراً في وزارة الدفاع، رآه يقتل بمسدسه عربيا تلو الآخر، وذهب إلى أن هذا الضابط "كان منزعجًا بعض الشيء"، وبرر الجندي ما فعله الضابط بأنه كان بسبب أن "الأسرى رفضوا الكشف عن مكان إخفاء الأسلحة المتبقية في القرية".
ووصف جندي مقاتل آخر حادثة مختلفة وقعت هناك، فقال "ليس من الجيد قول هذا. وضعوهم في برميل وأطلقوا عليهم النار في البرميل. أتذكر الدم داخل البرميل". يضيف راز، أن هناك جنديا رأى أن "رفاقه في السلاح ببساطة لم يتصرفوا مثل البشر في القرية".
أما عميتسور كوهن، فيعلن "كنت قاتلا". ويضيف "لم آخذ سجناء". وحين سئل "كم قتل من العرب خارج إطار المعارك؟"، قال "لم أعدّهم. كان لدي رشاش به 250 طلقة. لا أستطيع أن أقول كم كان العدد".
ويكشف الفيلم، بحسب راز، الذي كان معهده "عكيفوت"، الذي يختص بتوثيق جرائم إسرائيل خلال حرب النكبة، قد قدم الاستشارة لمخرج الفيلم ألون شفارتس، أنه "تم دفن ضحايا المذبحة في الطنطورة في قبر جماعي حفر خصيصا لهذه الغاية، وهو يقع تحت موقف السيارات على شاطئ دور"، وهو الاسم الذي منحه الاحتلال الإسرائيلي لشاطئ الطنطورة.
بل إن عملية الدفن استمرت "فترة طويلة". وفي نهاية شهر مايو/ أيار من العام 1948، تم توبيخ أحد القادة الميدانيين في المكان لعدم إنهاء عملية دفن الضحايا. وفي التاسع من يونيو/ حزيران، أرسل لقائد القاعدة المجاورة يبلغه أنه زار المكان وعاين القبر الجماعي في الطنطورة، و"وجدت أن كل شيء على ما يرام".
تم دفن ضحايا المذبحة في الطنطورة في قبر جماعي حفر خصيصا لهذه الغاية، وهو يقع تحت موقف السيارات على شاطئ دور
ويبلغ طول القبر الجماعي 35 مترا وعرضه 4 أمتار.
ويخلص المؤرخ آدم راز إلى القول، في ختام مقالته، إن "أحداث الطنطورة الدموية تلزم بمواصلة تمعن هذه القضية، والحقيقة أنه لم تعد ممكنة معرفة الحقيقة كاملة، لكن شيئا واحدا يمكن تحديده بشكل كبير من اليقين، أنه توجد تحت موقف السيارات لأحد أجمل مواقع الاستجمام الإسرائيلية، المعروفة والمحبوبة على شواطئ المتوسط، ضحايا إحدى أبرز المذابح".
www.deyaralnagab.com
|