logo
1 2 3 41058
صحافة : نيويورك تايمز: بلدة ترهونة تبحث عن ضحايا عائلة الكاني وتنتظر العدالة من قادة لا يهتمون!!
01.08.2022

نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا أعدته فيفيان يي قالت فيه إن بلدة ترهونة تعتبر المثال الأكثر وضوحا على فشل القادة السياسيين الليبيين. فهذه البلدة، التي تقع بين ساحل البحر الأبيض المتوسط والصحراء، كانت مشهدا لفظائع ارتكبها سبعة أشقاء من عائلة الكاني والمسلحين التابعين لهم، الذين قاموا باعتقال وتعذيب وقتل المئات من السكان، في فترة من الرعب استمرت خمس سنوات.
ورغم مرور عامين على التخلص منهم، لا تزال ترهونة تبحث عن جثث. فالبساتين التي تنتج زيت الزيتون الشهير تخفي بين أشجارها مقابر جماعية. وهناك بعض العائلات فقدت ستة أفراد أو أكثر، فيما يقول آخرون إنهم علموا بمصير أقاربهم من سجناء سابقين أو شهود آخرين: عن عم ألقي طعما للأسود التي كان يربيها الأخوة من عائلة الكاني، أو ابن عم دفن حيا.
وتقول الصحيفة إن الملابس لا تزال متناثرة على الأرض خارج سجن مؤقت مشمس حيث احتفظت مليشيا الكاني بالسجناء في خزانات تشبه الفرن تكفي للرجل في حالة جلوس.
ونقلت الصحيفة عن كلثوم الحبشي، رئيسة مدرسة تمريض متقاعدة في ترهونة، قولها “سنتقدم للأمام عندما نحقق العدالة ويدفعون ثمن جرائمهم”. وأضافت “حتى ذلك الحين لن تكون هناك مصالحة، عندما تقول لي: ‘اصنع السلام’، كيف يمكنني أن أصنع سلاما مع شخص ملطخة يديه بالدماء؟ كيف يمكنني مصافحته؟ “.
وأشارت الصحيفة إلى أنه بعد أكثر من عام من الاستقرار الهش، باتت ليبيا ومرة أخرى في الطريق نحو الفوضى التي مزقتها بعد الثورة التي أطاحت بالعقيد معمر القذافي، الديكتاتور الذي حكم ليبيا لأكثر من 40 عاما، في أثناء الربيع العربي عام 2011.
بعد أكثر من عام من الاستقرار الهش، باتت ليبيا ومرة أخرى في الطريق نحو الفوضى التي مزقتها بعد الثورة التي أطاحت بالعقيد معمر القذافي
وتركت الاضطرابات البلد منقسما إلى شرق وغرب، ومنقسمة بين حكومتين متنافستين وعشرات الميليشيات المتنافسة التي تعمل خارج القانون.
وتعلق أن فترة السلام النسبي في العام الماضي، قدمت فترة بارقة أمل. وكان من المفترض أن تسفر الانتخابات التي حدد موعدها في كانون الأول/ ديسمبر عن حكومة يمكنها إعادة توحيد المؤسسات الليبية المنقسمة منذ فترة طويلة، وتكتب الدستور وتنزع سلاح الميليشيات وتطرد المقاتلين الأجانب. لكن الخلافات حول أهلية المرشح أفسدت التصويت، ودفعت بلدا على أعتاب أوروبا إلى مرحلة جديدة من المجهول.
ومن هنا انقسمت ليبيا، بعد أكثر من سبعة أشهر إلى بلد منقسم وبرئيسي وزراء، لم يعمل أي منهما على إجراء انتخابات. أثار كفاحهما من أجل السيادة، والسيطرة على الثروة النفطية في ليبيا، اشتباكات دامية في طرابلس العاصمة، وأدى إلى تشوه الحياة اليومية وإضعاف إنتاج النفط، شريان الحياة الاقتصادي للبلاد.
وأكثر من هذا، جعلت الفوضى العدالة بعيدة المنال عن ترهونة، حيث تورط القادة على جانبي الانقسام الليبي في صعود عائلة الكاني.
ويقول حمزة الكنوني (39 عاما)، الذي قتل عمه على يد عائلة الكاني، واحتجز ابن عمه في سجن العائلة لمدة ثلاثة أشهر، “كل من في المناصب يهتم فقط بمصالحه الخاصة.. إنهم حتى لا يرون ليبيا”.
وخلف أشقاء الكاني وراءهم مقابر تضم مئات الجثث، بحسب لجنة تابعة للأمم المتحدة التي حددت مؤخرا عدة مقابر جديدة في ترهونة. قال المحققون الليبيون إنهم عثروا على ما يقرب من 250 جثة حتى الآن، وتعرفوا على حوالي 60%.
لكن 470 عائلة سجلت أقاربها في عداد المفقودين، وبالتالي فإن عدد القتلى يكاد يكون أعلى من ذلك بكثير، وفقا لما ذكره كمال أبو بكر، اختصاصي الحمض النووي الذي يشرف على جهود البحث والتعرف.
وقالت الحبشي، مديرة مدرسة التمريض المتقاعدة، إن ابنها الأكبر اختطف في عام 2011 لدعمه المتمردين المناهضين للقذافي واختفى شقيقها في أعقاب الانتفاضة، واختطف ابنها الثاني على يد عائلة الكاني. وقالت إنه لم يتم العثور على جثث على الإطلاق، وما زالت تأمل أن يظهروا أحياء في سجن بعيد.
وتقول الصحيفة إن أعمال القتل، التي ارتكبتها عائلة الكاني، بدأت في خضم ثورة 2011، عندما استغلوا الفوضى لتصفية حسابات مع خصومهم وتحصنوا في ترهونة، وهي بلدة يبلغ عدد سكانها حوالي 70 ألف نسمة. قال السكان إنهم بنوا قوتهم وثروتهم من خلال التهريب والابتزاز.
وبحلول عام 2016، تحالفوا مع الحكومة المدعومة دوليا في طرابلس، والتي دفعت لهم المال لإدارة الأمن. بعد ثلاث سنوات، اندلعت حرب أهلية جديدة عندما شن خليفة حفتر، زعيم شرق ليبيا، هجوما على طرابلس. فتحولت عائلة الكاني إلى معسكر حفتر. لكن السكان قالوا إن عمليات القتل استمرت طوال الوقت، بغض النظر عن الجانب الذي كانوا فيه.
عندما هزمت قوات حكومة طرابلس حفتر بدعم تركي في عام 2020، طردت عائلة الكاني من ترهونة، والآن تبحث المدينة عن العدالة.
إلا أن الحكومة في ليبيا مشلولة. وبعد قطع التمويل تكاد جهود الكشف عن قتلى ترهونة وتحديد هويتهم تكون متوقفة.
وترى الصحيفة أن البلد ليس منقسما على أساس الدين أو الأيديولوجية. لكن مجموعة من العوائق الأخرى تعرقل التقدم منها: تدخل القوى الأجنبية بما في ذلك روسيا والإمارات وتركيا ومصر، التي تثمن ليبيا لموقعها الاستراتيجي واحتياطياتها النفطية. وكذلك الحاجة إلى المصالحة بين الشرق والغرب بعد القتال الأخير. وعليه، القادة السياسيون لا يبدون اهتماما كبيرا بحل الأزمة إلا إذا كان ذلك مفيدا لهم.
وقال ولفرام لاتشر، الخبير في شؤون ليبيا في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، “في الوقت الحالي، لا يوجد طريق واضح إلى الأمام سوى استمرار حالة الجمود وعدم الاستقرار. كل شيء انتهازية تامة. الأمر يتعلق فقط بتقسيم المراكز والأموال”.
مع فشل المفاوضات التي توسطت فيها الأمم المتحدة في القاهرة وجنيف، في وقت سابق من هذا العام، في إحراز تقدم، يوجد في ليبيا رئيسا وزراء متنافسان: عبد الحميد دبيبة في غرب ليبيا وفتحي باشاغا، الذي اختاره حفتر في شرق ليبيا.
ويتعرض حفتر للشجب على نطاق واسع في غرب ليبيا بسبب هجومه على طرابلس، والذي اتهمه خلاله الليبيون بقصف أحياء سكنية وتعذيب وقتل المدنيين. أصدر قاض فيدرالي أمريكي حكما ضده يوم الجمعة بعد أن تخطى مرارا تقديم إفادات في دعوى قضائية اتحادية اتهمه فيها مدعون ليبيون بارتكاب جرائم حرب.
لكن الكثير من الليبيين يرفضون زعماء الشرق والغرب.
قال أنور صوان، القيادي المحلي من مدينة مصراتة الذي قاتل في انتفاضة 2011، “لا نريد أحدا جاء من قبل. نريد فقط وجوها جديدة. فقط الناس الذين يريدون خدمة الناس”.
بعد عام اعتاد فيه العديد من سكان طرابلس على طرق آمنة وتم اصلاحها والاعتناء بها جيدا مع مصابيح تعمل وعادت الخدمات الأساسية إلى حالة الفوضى مرة أخرى.
احتج مئات الأشخاص في جميع أنحاء البلاد مؤخرا على الوضع المتدهور، وأضرموا النار في جزء من مقر البرلمان في شرق البلاد بدافع الاشمئزاز من انقطاع التيار الكهربائي الذي استمر 18 ساعة والسياسيين المهتمين بأنفسهم.
وقالت حليمة أحمد (30 عاما)، محاضرة القانون في جامعة سبها في الصحراء الجنوبية بليبيا، “مطالب الناس صغيرة للغاية، فقط الأساسيات: لا مزيد من انقطاع التيار الكهربائي، وتوفير الطعام. كان حلمنا أثناء الثورة أن نكون مثل دبي. الآن نريد الاستقرار فقط”.
بعد سقوط عائلة الكاني في ترهونة، فر حوالي 16 ألف شخص، بمن فيهم أنصار العائلة وعناصر الميليشيات والأخوة الخمسة الذين نجوا من القتال الذي دار خلال الهجوم على طرابلس. ويريد الكثيرون منهم العودة الآن.
في غياب المساعدة من قادة البلاد، تدخلت مجموعة غير رسمية من شيوخ القبائل من جميع أنحاء البلاد للمساعدة في إعادة توطين المنفيين. إنه جزء من عملهم الطويل في التوسط في النزاعات: الاشتباكات القبلية حول خطوط الملكية التي تتحول إلى عمليات الخطف والقتل والمشاحنات الشخصية التي تطلق سلسلة من عمليات القتل الثأر. يستمع حكماء القبائل التي لا صلة لها بأي من الطرفين إلى كلا الطرفين، ويحددون المسؤولية ويتوسطون في اتفاق، يمكن أن يتضمن تعويضات واعتذارات رسمية وتعهدات بعدم الانتكاس.
وتستدرك أنه لا شيء ملزم قانونا، ولكن عادة ما يتم احترام التسويات تقديرا لدعاة الإصلاح. ويقولون إن أولئك الذين يخالفون كلمتهم مستبعدون من الاتفاقية غير المكتوبة التي تحكم الكثير من المجتمع الليبي: في المرة القادمة التي يتورطون فيها في نزاع، لن يتدخل أحد.
ولكن ضحايا ترهونة لا يرون في المصالحات بديلا عن نظام قضائي فاعل. قال بعضهم إنهم حاولوا مرارا الاتصال بالشرطة لأنهم لم يرغبوا في اللجوء إلى القتل الانتقامي، لكن المسؤولين لم يفعلوا شيئا.
ومع ذلك، في بلد لا يخضع فيه أصحاب القوة والمال والسلاح لأحد، فإن الوسطاء هم كل ما لديهم.
وبحسب علي عجوري (68 عاما)، ممثل القبيلة الذي عمل على المصالحة في ترهونة، “القانون ليس بأيدينا. الشيء الوحيد الذي يمكننا القيام به هو إعطاء كلمة شرف منا. ليس هناك دولة، لكن الشعب يريد العدالة”.


www.deyaralnagab.com