صاندي تايمز: قصف بوتين للمدنيين في أوكرانيا سينتهي بالفشل.. سوريا والشيشان والجزائر وفيتنام أمثلة واضحة!!
23.10.2022
نشرت صحيفة “صاندي تايمز” مقالا للبرفسور الزائر بكلية الحرب في كينغز كوليج لندن مايكل كلارك قال فيه إن تدمير البنى التحتية المدنية في الحرب الروسية- الأوكرانية لن يؤدي إلى انتصار فلاديمير بوتين في الحرب.
وقال “كنت أؤمن أن عدم تحقيق الرئيس بوتين انتصارا في الـ 72 ساعة الأولى من الحرب، كما كان يريد، يعني أنه لن ينتصر بها أبدا، ولن يهزم بطريقة رشيقة”.
ففي الأسبوعين الماضيين حول بوتين آلته العسكرية ضد المنشآت الحيوية والمدنيين الذين يزعم أنه يريد تحريرهم، مما يعطي صورة عن عجزه وفشل قواته العسكرية بتحقيق أي هدف من أهداف الغزو. وفي الوقت نفسه على المجتمع الدولي التفكير مليا حول الهزائم الروسية ومنع تحولها إلى حرب أوروبية عامة. وفي الوقت الذي يحاول الروس مواجهة الهجوم الأوكراني المضاد، يعاني المدنيون من عداء انتقامي بالصواريخ والمسيرات. وأضاف أن موسكو لم توقف من هجماتها الجوية منذ تدمير جسر كيرتش الرابط بين شبه جزيرة القرم وروسيا قبل أسبوعين. فالصواريخ الـ 84 التي أطلقت في بداية الرد يوم 10 تشرين الأول/أكتوبر أوصلت عدد الصواريخ التي أطلقت على أوكرانيا منذ بداية الحرب إلى 3.000 صاروخ.
لكن مخزون روسيا من الصواريخ آخذ بالتناقص. وتزعم الحكومة الأوكرانية أن روسيا لم يعد لديها سوى 600 من الصواريخ الموجهة بدقة من ترسانة كان حجمها 1.800 صاروخ. لكن الهجمات الأخيرة دعمتها مسيرات شاهد- 136 الإيرانية الصنع. ويقدر المحللون العسكريون والأمنيون الغربيون أن إيران ستسلم 2.500 منها. وتتمتع هذه المسيرات بقدرات محدودة ورخيصة الإنتاج، حوالي 200.000 دولار للواحدة ويمكن نشرها من خلال “أسراب” أو “موجات” لإغراق الدفاعات. ومهما سيحصل في معارك خاركيف وخيرسون ولوغانسك فإن بوتين مصمم على تحويل الشتاء المقبل إلى بائس على الأوكرانيين ويترك البلد فقيرا في العام المقبل.
وسواء كان هذا انتقاما شخصيا أو استراتيجية عسكرية حقيقية، فهذا هو تواصل للنهج الروسي المعروف ونظرته للنزاعات، وكتلك التي طبقوها في برلين عام 1945 وحرب أفغانستان والشيشان وسوريا وفي الفترة الأخيرة ليبيا ومالي. وتتعامل هذه الإستراتيجية مع المدنيين والأعداء كأهداف مشروعة في الحرب.
ويرى كلارك أن السجل التاريخي يعطي استهداف المدنيين علامات استراتيجية قليلة في الفاعلية. ورافقت الهجمات المقصودة ضد المدنيين الحروب طوال التاريخ، من الحصار والنهب والعنف الدموي، إلا أن عصر الحروب الواسعة وتحديدا في القرن العشرين وظهور القوة الجوية أدت إلى ما يشبه العلم في إجبار المدنيين. وقال ستانلي بلدوين في 1932 “تستطيع المقاتلة دائما المرور”، فأسراب كبيرة من المقاتلات وبعد ذلك المسيرات والصواريخ والقصف المدفعي، أفترض أنها قادرة على تدمير بلد وكسر إرادة سكانه على مواصلة الحرب وإلا تم تدمير وتفكيك البنى التحتية التي تعتمد حياة سكانه عليها”.
وفي عام 1942 قبل فردريك ليندمان، مستشار وينستون تشرتشل العلمي بعضا من التفسيرات المشكوك بصحتها وجادل أن الغارات الألمانية الخاطفة على بيرمنجهام لم تكسر معنويات سكان المدينتين وأن هجمات بريطانيا الخاطفة على المدن الألمانية ستؤدي لنفس الهدف عندما يتم “تشريد” عدد كاف من الألمان نتيجة لشراستها. وتحت قيادة أرثر (بومبر) هاريس كافح سلاح الجو في استهداف منطقة التدمير. وعلق ما بين منطق تدمير صناعة العدو وحدس ليندمان لتدمير النفسية الألمانية. وبدا في النهاية أن معنويات الألمان لم تكسر مثل البريطانيين، سوى أن المدن دمرت والمعاناة زادت. وبنفس السياق يمكن للواحد استعادة القصف الأمريكي لطوكيو، فلم تكسر الغارات الأمريكية إرادة اليابانيين على المقاومة، بل ما حدث هو أن الصدع بدأ في رأس القيادة التي رأت الهزيمة على كل الجبهات ثم جاءت هيروشيما وناغازاكي. فمهما كانت فعالية الغارات الجوية في الحرب العالمية الثانية إلا أنها لم تكسر من عزيمة السكان الذين كانوا هدفا لها.
وربما ندم الجنرال في سلاح الجو الأمريكي كريتس لي مي عندما هدد عام 1965 بقصف فيتنام وإعادتها للعصر الحجري. وفكر الكثيرون أن أمريكا كانت تقوم بهذا ولكن ليس سلاح الجو الأمريكي، الذي لم يطور استراتيجية واضحة خلال حرب فيتنام، لكنه أرسل مقاتلة بي-52 للقيام “بقصف سجادي” لكل من شمال وجنوب فيتنام. وأسقطت المقاتلات، في أكبر عمليات القصف في التاريخ العسكري، 4.6 مليون طن من القنابل وقتلت حوالي مليوني فيتنامي. ولكن الرعب الذي أحدثته المقاتلات الأمريكية لم يكن معادلا للعنف الذي مارسته حكومة هانوي على سكانها. وتحول “القصف الإستراتيجي” في فيتنام إلى هدف أكثر أهمية من الناحية الإستراتيجية- قليل الفعالية ومستهجن في عيون العالم.
وقبل ذلك، ففي حروب الاستقلال ضد أوروبا، استخدمت هذه الاستراتيجيات وعاملت المدنيين كأهداف شرعية. كما في الجزائر التي احتلتها فرنسا والكونغو التي احتلتها بلجيكا، وهما المثالان الأكثر شهرة حيث جعل ذلك القادة المدنيين متواطئين مع المتمردين الذين كانوا يتحركون في مجتمعاتهم، وقاموا بمعاقبتهم منعا لمزيد من التواطؤ ومقاتلة النار بالنار. كانت استراتيجيات بائسة وعززت من القوميين والأيديولوجيين وسرعت من عمليات التخلص من الاستعمار وتركت آثارها القاسية عليها. ووقعت القوات البريطانية بنفس المصيدة أثناء قتالها الشيوعيين في ماليزيا عام 1947. ولكن الدرس الذي تم تعلمه بقسوة من تلك الحملة هو أن عزل المدنيين عن المتمردين كان مفتاحا للنجاح وليس معاملتهم كأهداف مشروعة.
وتظل الحروب الجوية واستخدام الصواريخ والمسيرات لتدمير المنشآت المدنية الحيوية مغرية لصناع السياسة، ففي أثناء حرب كوسوفو عام 1999، قصفت طائرات الناتو محطات توليد الكهرباء في بلغراد بأسلحة غير فتاكة وتباهت أن المدنيين الصرب يمكنهم إضاءة وإطفاء النور. ولم يؤثر هذا على مزاج الصرب الكئيب وحس الضحية لديهم. ومهما كانت التكنولوجيا الحديثة مغرية، فالسجل التاريخي واضح وهو أن قصف المدنيين والبنى التحتية يحول وضعا بائسا إلى أسوأ.
وفي بعض الحالات مثل اليمن ومنطقة التيغراي في إثيوبيا تدفع الكارثة الإنسانية المجتمع الدولي للتعامل مع الأزمة بشكل جاد. وتبقى الحقيقة الأساسية وهي أن تدمير السكان بقصفهم لا يؤدي لكسر إرادة القتال والمقاومة لديهم.
وفي الحالة الأوكرانية لا يمكن استنباط فهم للحملة الجوية الروسية هناك. وبالتأكيد يؤمن القائد الجديد سيرغي سورفكين بفعالية الضغط على المدنيين، كما حدث في سوريا والشيشان. وفي عام 2019 عندما كان قائدا للقوات الروسية في سوريا قام الطيران الروسي وطيران النظام السوري بقصف مدروس لـ 24 مستشفى وعيادة ومؤسسة طبية في إدلب، قبل بدء الهجوم البري. وكانت رسالة للمدنيين عن النية السيئة المخبأة.
لكن النية الروسية في أوكرانيا ربما كانت مدفوعة بالسياسة المحلية أكثر من الحرب نفسها. فبوتين يتعرض لضغوط من أجل تهدئة المتشددين الناقدين والداعين علانية لنزع القفازات في العملية العسكرية الخاصة، كما يطلق عليها الكرملين. وهي حرب كما يقولون وعلينا تسميتها باسمها الحقيقي. وعليه فمن الصواب ضرب المجتمع الأوكراني وليس فقط القوات المسلحة.
وهذا لا يريح الكثير من الروس الذين يعارضون الحرب ضد أقاربهم وضد عرق مثلهم وليس فقط ضد نظام في كييف. وتعاني الكثير من العائلات في ظل عمليات التعبئة الفاشية. ويعانون من فرض الأحكام العرفية بالمناطق المحتلة في أوكرانيا والروسية القريبة منها. وبهذه المثابة، فإن التسبب بالأذى الواضح للسكان الأوكرانيين قد ينظر إليه على أنه استراتيجية الحد الأدنى، وعلى فرضية أنها ضرورية قرينة بحرب مع دولة مجاورة. إلا أن الشك القوي يظل قويا من أن أمر سوروفكين وبوتين بالهجمات يشعرانهم بالراحة ضد مغامرة إمبريالية باتا يريان أنها سترتد عليهما سلبا وتنتهي بطريقة سيئة.
www.deyaralnagab.com
|