logo
1 2 3 41060
صحافة : الغارديان: هل تؤدي قضية جنوب إفريقيا ضد "إسرائيل" لتقوية ميثاق الإبادة الجماعية!!
12.01.2024

نشرت صحيفة “الغارديان” مقالا لمحرر الشؤون العالمية، جوليان بورغر، تساءل فيه عن دخول اتفاقية الإبادة الجماعية عصرا جديدا ذا أهمية أكبر مع انعقاد محكمة العدل الدولية في لاهاي للنظر في الحرب بين إسرائيل وغزة. وذلك وبعد مرور شهر واحد فقط على الذكرى السنوية الخامسة والسبعين لإقرارها.ورفعت جنوب أفريقيا قضية أمام محكمة العدل الدولية تتهم فيها إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية في ردها العسكري على الهجوم الذي شنته حركة حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر وأدى إلى مقتل مئات المدنيين الإسرائيليين.وتتضمن دعوى جنوب أفريقيا إشارات إلى استخدام إسرائيل للقصف الشامل وقطع إمدادات الغذاء والمياه والدواء عن غزة.وجاء في الدعوى أن “كل هذه الأفعال تنسب إلى إسرائيل، التي فشلت في منع الإبادة الجماعية وترتكب إبادة جماعية في انتهاك واضح لاتفاقية الإبادة الجماعية”.تتضمن دعوى جنوب أفريقيا إشارات إلى استخدام إسرائيل للقصف الشامل وقطع إمدادات الغذاء والمياه والدواء عن غزةوأعربت إسرائيل عن تصميمها للرد على الاتهامات التي رفضتها تل أبيب وواشنطن ووصفتها بأنها لا أساس لها من الصحة.
وأضاف بورغر أن الأمر قد يستغرق سنوات من المحكمة لإصدار حكم، لكنها يمكنها أيضا إصدار “تدابير مؤقتة” تتطلب اتخاذ إجراءات، مثل وقف إطلاق النار، للتخفيف من خطر الإبادة الجماعية.
وعلق أن الحكومة الإسرائيلية قد تتجاهل هذه التدابير، ولكنه سيلحق ضررا هائلا بسمعة كل من إسرائيل وداعمتها الرئيسية، الولايات المتحدة، وخسارة نفوذهما على المسرح العالمي.
وقال بورغر إن تدخل جنوب أفريقيا، الدولة التي لم تشارك في الحرب في غزة ولم تتضرر منها بشكل مباشر، نادر للغاية، لكنه ليس الأول. فقد استحدثت غامبيا سابقة عندما رفعت قضية على ميانمار في محكمة العدل الدولية في عام 2019 متهمة إياها بارتكاب إبادة جماعية ضد الروهينجا.
الأمر قد يستغرق سنوات من المحكمة لإصدار حكم لكنها يمكنها أيضا إصدار “تدابير مؤقتة” تتطلب اتخاذ إجراءات مثل وقف إطلاق النار للتخفيف من خطر الإبادة الجماعية
وفي عام 2021، فرضت المحكمة إجراءات مؤقتة على ميانمار، حيث طلبت من المجلس العسكري توجيه قواته بعدم ارتكاب إبادة جماعية، والحفاظ على جميع الأدلة ذات الصلة. وفي العام التالي، قررت لجنة قضاة محكمة العدل الدولية بأغلبية 15 صوتا مقابل صوت واحد (كان القاضي الصيني هو المنشق الوحيد) أن لغامبيا الحق في رفع القضية بموجب التزام الجميع المنصوص عليه في اتفاقية الإبادة الجماعية، مما يعني أنها واجب الدولة الفردية تجاه المجتمع الدولي ككل.
وقالت سافيتا باونداي، المديرة التنفيذية للمركز العالمي لمسؤولية الحماية، وهي منظمة غير حكومية: “إن قيام غامبيا بإحالة ميانمار إلى محكمة العدل الدولية بسبب انتهاكاتها بموجب التزامات اتفاقية الإبادة الجماعية فتح الباب أمام ما يحدث الآن في حالة رفع جنوب أفريقيا قضية على إسرائيل. وأعتقد أن هذه خطوة رائعة في معالجة مناخ الإفلات من العقاب الذي ساد لعقود من الزمن”.
ومن النادر، قبل التحرك الغامبي، أن نظرت محكمة العدل الدولية في قضايا الإبادة الجماعية.
الحكومة الإسرائيلية قد تتجاهل “التدابير المؤقته” ولكنه سيلحق ضررا هائلا بسمعة كل من إسرائيل وداعمتها الرئيسية الولايات المتحدة وخسارة نفوذهما على المسرح العالمي
وفي عام 2007، قضت المحكمة بأن صربيا فشلت في منع الإبادة الجماعية التي وقعت عام 1995 في سربرينيتسا في البوسنة والهرسك، وهي قضية رفع فيها الضحية دعوى على مرتكب الجريمة المزعوم إلى المحكمة، لكنها لم تحمل حتى الآن دولة مسؤولية ارتكاب الإبادة الجماعية.
ولا تزال القضية التي رفعتها أوكرانيا ضد روسيا في شباط/ فبراير 2022 مستمرة. وتصدر محكمة العدل الدولية أحكاما تتعلق مسؤولية الدولة ويمكنها اتخاذ خطوات لمنع الإبادة الجماعية.
ومن المؤكد أن الوقاية كانت الطموح وراء الاتفاقية في عام 1948 عندما اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في باريس، في أعقاب الحرب العالمية الثانية والمحرقة. ويمكن القول إن هذه الاتفاقية، وأكثر من اتفافية أخرى، كانت نتاج جهود شخص واحد، وهو رافائيل ليمكين، المحامي اليهودي البولندي الذي لجأ إلى الولايات المتحدة من النازيين.
ففي عام 1944، صاغ ليمكين مصطلح “الإبادة الجماعية” لما أسماه ونستون تشرشل “جريمة بلا اسم”، وقضى سنوات ما بعد الحرب مباشرة وحيدا يخوض حملة ضغط في الأمم المتحدة المشكلة حديثا.
لكنه ورغم نصره الشخصي في المؤسسة الدولية، فشل في إقناع الكونغرس الأمريكي بالمصادقة على الاتفاقية. ورفض مجلس الشيوخ حتى الاستماع إليه وهو يتحدث، وأثار المشرعون اعتراضات مفادها أن مثل هذا القانون قد يترك الولايات المتحدة عرضة للملاحقات القضائية بسبب إبادة الأمريكيين الأصليين والفصل العنصري.
وتوفي ليمكين عام 1959، فقيرا وكاد أن ينسى ولم يحضر جنازته سوى سبعة أشخاص. لقد أنهى حياته بخيبة أمل لأنه رأى أن المصادقة أمر حيوي لنجاح الاتفاقية.
فقد كان يعتقد أن الولايات المتحدة وحدها التي تمتلك القوة والمكانة الدولية اللازمة لفرض الاتفاقية وجعلها قاعدة عالمية.
ولم يصادق مجلس الشيوخ الأمريكي عليها إلا في عام 1988، واحتاج الأمر إلى خطأ كبير. فقبل ذلك بثلاث سنوات، كان رونالد ريغان قد حضر حفلا في مقبرة في بيتبورج بألمانيا، ولم يكتشف إلا لاحقا أن 49 عضوا من الجناح العسكري للحزب النازي (فافن إس إس) كانوا مدفونين هناك.
لم يكن ريغان في السابق مهتما بالضغط من أجل المصادقة على اتفاقية الإبادة الجماعية، لكن البيت الأبيض سارع إلى تغيير موقفه في محاولة لاستعادة ثقة اليهود الأمريكيين.
وتلقى محامي الحكومة الذي كان قد كتب ورقة تدعو إلى المصادقة، هارولد كوه، مكالمة عاجلة. وقال كوه: “فجأة، طُلب مني أن أحمل نصيحتنا بشأن اتفاقية الإبادة الجماعية إلى البيت الأبيض حتى يتمكنوا من طرحها في ذلك اليوم.
ذهبت هناك بسيارتي وخرج رجل يرتدي الزي العسكري وانتزع الورقة مني وقلت لنفسي: لماذا يرتدي هذا الرجل الزي العسكري إذا كان في مجلس الأمن القومي؟” كان الرجل الذي يرتدي الزي العسكري هو العقيد أوليفر نورث، الذي أدين لاحقا بجرائم تتعلق بفضيحة إيران-كونترا التي ربطت البيت الأبيض بمنتهكي حقوق الإنسان في كل من نيكاراغوا وإيران، مما جعل نورث تجسيدا لخطر النفاق الذي يواجه أي دولة تسعى إلى استخدام القانون الدولي الإنساني ضد الآخرين.
حتى لو أصدرت محكمة العدل الدولية تدابير مؤقتة فمن المحتمل أن تتجاهلها إسرائيل لكن حقوقيون يقولون إن الجهود لن تذهب سدى
وعندما صادق مجلس الشيوخ على الاتفاقية، جعل أيضا الإبادة الجماعية جريمة بموجب القانون الأمريكي، وأغلق الطريق إلى محكمة العدل الدولية.
وحملت المصادقة شروطا منها أنه لا يمكن رفع دعوى قضائية ضد الولايات المتحدة دون موافقة حكومتها.
وبموجب مبدأ المعاملة بالمثل، فإن أي دولة ترفع قضية ضدها إلى المحكمة يمكنها أن تطالب بنفس الحماية. ومثل الولايات المتحدة، كانت القوى الكبرى الأخرى مترددة في تقديم دول أخرى إلى محكمة العدل الدولية خوفا من الملاحقة في المحكمة ذاتها أو مواجهة اتهامات بالنفاق.
وفي عام 1994، حاولت “هيومان رايتس ووتش” إقناع الحكومات بإحالة العراق إلى المحكمة بتهمة القتل الجماعي للأكراد، لكن العواصم التي حاولت معها أرادت أن تتولى قوة أوروبية زمام المبادرة، ولم تكن هناك أي دولة أوروبية مستعدة لذلك. وقد تم كسر هذا الجمود الآن عندما قررت غامبيا وجنوب أفريقيا أخذ زمام المبادرة.
وحتى لو أصدرت محكمة العدل الدولية تدابير مؤقتة، فمن المحتمل أن تتجاهلها إسرائيل، لكن كيت فيرغسون، المؤسس المشارك لمجموعة “مقاربات الحماية” للدفاع عن حقوق الإنسان، تقول إن الجهود لن تذهب سدى.


www.deyaralnagab.com