صحافة :نيويورك تايمز: ما علاقة باكستان بحروب الشرق الأوسط وغزة؟
19.01.2024
تساءلت صحيفة “نيويورك تايمز” في تقرير أعدته كاساندرا فينوغراد عن الخيط المشترك الذي يجمع بين نزاعات الشرق الأوسط والتوتر الأخير بين إيران وباكستان.ورأت أن طهران هي الخيط الجامع لكل النزاعات من غزة والبحر الأحمر ولبنان وسوريا والعراق والآن باكستان.
فهي العامل الحاسم في كل نقطة اشتعال في الصراعات الممتدة على مساحة 1,800 ميل مربع. وتركت طهران بصمتها من خلال دعمها للمقاتلين في أماكن مثل لبنان واليمن، ومن خلال الضربات الصاروخية المباشرة هذا الأسبوع على أهداف في العراق وسوريا وباكستان.
وترى الصحيفة أن علاقة إيران تنبع جزئيا من الجهود التي تبذلها الجمهورية الإسلامية ومنذ عقود لردع التهديدات ومواجهة الأعداء من خلال بناء ميليشيات متشابهة في التفكير والإستراتيجية في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وفي نفس الوقت، تواجه إيران نفسها، مثل الدول المجاورة، حركات انفصالية مسلحة وجماعات إرهابية في صراعات تمتد بسهولة عبر الحدود. ولكن ما هي علاقة باكستان بغزة؟ والجواب يعود إلى تأسيس الجمهورية الإسلامية في 1979، حيث ظلت الدولة الشيعية معزولة وتعتبر نفسها محاصرة من أكبر أعدائها الولايات المتحدة وإسرائيل. كما أنها تريد ترسيخ نفسها كأقوى دولة في منطقة الخليج حيث منافستها الرئيسية هي السعودية، حليفة الولايات المتحدة، وكثيرا ما كانت لها علاقات عدائية مع السعوديين وبعض الجيران العرب.
ولهذا السبب قامت إيران ومنذ فترة طويلة بتسليح وتدريب وتمويل وتقديم المشورة وحتى توجيه العديد من الحركات التي تشترك مع إيران في الأعداء. وعلى الرغم من أن القوات الإيرانية شاركت بشكل مباشر في الحروب في سوريا والعراق، إلا أن طهران حاربت في الغالب أعداءها في الخارج بالوكالة.
ونقلت الصحيفة عن حسن الحسن، الزميل في سياسة الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية قوله إن إيران، التي تطلق على نفسها وهذه الميليشيات اسم “محور المقاومة” ترى أن هذا هو “جزء من صراع واحد”. ويصف القادة الإيرانيون نهجهم بأنه استراتيجية دفاعية متقدمة قائلين إنه للدفاع عن نفسها، يجب على البلاد أن تتخذ إجراءات خارج حدودها. وقال الحسن: “إذا أرادوا تجنب قتال الأمريكيين والإسرائيليين على الأراضي الإيرانية، فسيتعين عليهم القيام بذلك في مكان آخر. وهذا في العراق وسوريا واليمن وفلسطين وأفغانستان”.
وتقول الصحيفة إن نجاح الاستراتيجية هذه هو أمر مفتوح على النقاش.
فلم تكن الإستراتيجية كافية لردع الأعداء عن إيران نفسها، فقد نفذت جماعات إرهابية هجمات في الآونة الأخيرة على الأراضي الإيرانية. وعلى مدى سنوات، نفذت إسرائيل هجمات ضد البرنامج النووي الإيراني، مما أسفر عن مقتل بعض الرموز النووية الهامة وتدمير منشآته.
ولا تريد إيران الراغبة بإبراز قوتها، في الوقت نفسه، المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة أو حلفائها، مما قد يؤدي إلى انتقام كبير أو حرب شاملة.
ومن غير الواضح مدى شعور قادة إيران بأنهم يمسكون بالسلطة في الداخل، لكنهم يدركون أن عقودا من العقوبات والحظر أدت إلى تدهور القوات العسكرية الإيرانية واقتصادها وأن حكومتهم القمعية تواجه معارضة داخلية شديدة.
وكانت إيران تأمل في التعويض عن نقاط ضعفها من خلال تطوير الأسلحة النووية، الأمر الذي من شأنه أن يضعها على قدم المساواة مع باكستان وإسرائيل. لكن حتى الآن لم ينتج برنامجها النووي قنبلة نووية.
ومن هنا فالاستثمار في الجماعات المسلحة بالوكالة، سواء حزب الله أو حماس، يمنح إيران الفرصة لخلق مشاكل لأعدائها وزيادة احتمالات التسبب في المزيد من المشاكل إذا تعرضت للهجوم.
ففي تقرير لمركز مكافحة الإرهاب بويست بوينت نشر في كانون الأول/ديسمبر، جاء أن القوات الوكيلة سمحت لإيران بالحفاظ على مستوى معين من الإنكار المعقول، في حين زودت طهران بشكل غير متماثل بوسائل لضرب إسرائيل بشكل فعال أو ممارسة الضغط عليها.
وفي الواقع، كثف بعض هؤلاء الوكلاء هجماتهم على إسرائيل، لكنهم تجنبوا شن حرب شاملة. ونفى المسؤولون الإيرانيون أي علاقة أو معرفة بهجمات حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر، وحذروا في الوقت نفسه من فتح كل شبكاتهم بالمنطقة لو واصلت إسرائيل خططها لتدمير حماس.
وتضم الشبكة حزب الله اللبناني الذي يعتبر من أقوى الجماعات المتحالفة مع إيران وأكثرها تطورا. ويتبادل حزب الله إطلاق النار عبر الحدود مع الجيش الإسرائيلي بشكل شبه يومي منذ الهجمات التي قادتها حماس، لكنه امتنع حتى الآن عن الانضمام الكامل إلى القتال. وشنت حركة الحوثيين التي تسيطر على جزء كبير من اليمن، ومنذ بدء الحرب على غزة هجمات ضد إسرائيل وعطلوا جزءا كبيرا من الشحن العالمي من خلال مهاجمة عشرات السفن المتجهة من أو إلى قناة السويس. وقد حول ذلك الحوثيين إلى قوة ذات تأثير عالمي، ودفع الولايات المتحدة وبريطانيا، بمساعدة من الحلفاء، إلى تنفيذ ضربات صاروخية على أهداف الحوثيين داخل اليمن.
وتلقت حماس في الأراضي الفلسطينية الأسلحة والتدريب من إيران، وخاضت حروبا متكررة مع إسرائيل.
والسؤال عن السبب الذي ضربت فيه إيران العراق وباكستان مباشرة وليس من خلال جماعاتها الوكيلة؟ والجواب متعلق بمشاكل الحكومة في الداخل. ومع تصاعد التوترات في جميع أنحاء المنطقة، أصبحت طهران هدفا بشكل متزايد. وفي الشهر الماضي، هاجمت جماعة انفصالية مركزا للشرطة في جنوب شرق إيران، مما أسفر عن مقتل 11 شخصا. واغتيل اثنان من كبار القادة الإيرانيين في سوريا، وحملت إيران إسرائيل المسؤولية. ثم في هذا الشهر، أدت التفجيرات الانتحارية في كرمان بإيران إلى مقتل ما يقرب من 100 شخص ــ وهي الهجمات الإرهابية الأكثر دموية منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية. وأعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته.
ويقول محللون إيرانيون ومقربون من الجيش إن الحكومة أرادت استعراض القوة مع التركيز على المتشددين الذين يشكلون قاعدة دعمها، وكانوا بالفعل غاضبين من الهجمات الإسرائيلية. وذهبت إيران إلى الهجوم.
وقالت هذا الأسبوع إنها أطلقت صواريخ على تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا وعلى ما قالت إنها قاعدة إسرائيلية لجمع المعلومات الاستخبارية في شمال العراق. ونفت الحكومة العراقية أن يكون المبنى الذي تم ضربه مرتبطا بإسرائيل. كما أطلقت صواريخ على باكستان.
وقال علي فائز، مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية: “لقد أشارت إيران بوضوح إلى أنها ليست مستعدة لنشر هذه القدرات لأي شيء أقل من الدفاع عن وطنها”.
لكن ما هي علاقة باكستان بهذا؟ فهي ليست حتى في الشرق الأوسط. وما تريده جماعة جيش العدل الانفصالية إنشاء وطن لجماعة البلوش العرقية في أجزاء من إيران وباكستان، وتعمل على جانبي الحدود. كما أعلنت مسؤوليتها عن الهجوم المميت الشهر الماضي على مركز للشرطة الإيرانية. وتبادلت الدولتان الاتهامات بعدم بذل ما يكفي لمنع المتشددين من عبور الحدود.
وقالت إيران إن ضرباتها في باكستان استهدفت قواعد لجيش العدل، لكن باكستان ردت على الحجج الإيرانية، مشيرة إلى ما قالت إنها خسائر في صفوف المدنيين. وردت باكستان يوم الخميس بقصف ما قالت إنها مخابئ للإرهابيين داخل إيران.
وطالما ظلت العلاقات بين باكستان وإيران ودية ولا علاقة للاحتكاكات بينهما بالصراعات الإقليمية الأخرى التي تخوضها إيران.
لكن قرار إيران بضرب باكستان من شأنه أن يلحق الضرر بعلاقاتها مع باكستان. وفي وقت حيث أصبحت المنطقة على حافة الهاوية بالفعل، فإن أي خطأ في التقدير قد يكون خطيرا.
www.deyaralnagab.com
|