الاسماء العربية لبلاد النقب!! - 1-
بقلم : زهير بن عياد ... 16.01.2013
لم يكن الباحث klinton bailey " رغم دسائسه " الذي عبر صحراء النقب ، باحثا عن البدوي الاخير وتجذراته بين الاوابد والاطلال , على دراية بما سيؤول اليه الحال عما بعد , كلنتون هو من القلائل الذين عايشوا صحراء النقب لدراسة اسلوبها في الحياة , رغم نزعته الانثلوجية بميولة في التركيز على النواحي الثقافية الاجتماعية التاريخية , الا انه نقل لنا صورة حية نتذوقها كأحد المراجع الشحيحة عن بدو النقب تبين لنا بعض الحقائق , التي تحاول المؤسسات العلمية الكبرى " الجامعة العبرية وغيرها " اليوم ومن خلال التنقيبات الاثرية قلبها أو تشويشها بل وطمسها ... حقائق تؤكد الوجود الازلي الممتد الضارب في اعماق تاريخ العرب لهذه الثلة القابعة اليوم في هذه الانحاء , ثلة تتربع على مورد تاريخي ضخم بمناسبته كممر استراتيجي قديم تعبره الدول العظمى في تجاراتها مع بناء وحدات ونقاط " بقاياها ظاهرة العيان اليوم " ترتاح بها مناخيا اذا سلكت هذه الطريق او تلك , بمفاهيم اخرى بلادنا متشبعة تاريخيا وجغرافيا تتناثر فيها سيكيولوجية البدوي وطباعه ، فتعرف على وهادها وتمرس في تضاريسها وجوها وبورها ومعمورها ، فكانت هذه البادية وأيم الله بيته الذي يستأنس به ويرتاح له ، فكما سمى ابناءه وأطلق عليهم الكنى وناداهم بأحب الاسماء نراه يميز بين بلاد وأخرى بالمفردات والاسماء ، الغالب عليها أن تكون صفة المنطقة ، أسماء تجذرت من أمد بعيد ترسم تلك الهالة التاريخية حول حياة الاباء والاجداد . ورغم إختلاط المفاهيم حاضرا وإندثار تلك الحياة فلم تعد تلك الاسماء الكلاسيكية ذات جدوى يذكر .إلا انها ورغم ذلك ما فتأت تذكر في مجالس القوم ويشار اليها كدلالة تاريخية على عروبة هذه الارض وعراقتها... بهذه المقدمة البسيطة والتي اعتبرها كنواة لدراسة مستقبلية شاملة أرتأيت متوكلا على الله توثيق أسماء مناطق النقب بسطور مختصرة ومقتطفات دون العمق ، بهدف تأطيرها وتحصيلها أسميا قبل أن تندثر بملفات النسيان ، فهي أسماء لها مردودها الثقافي التاريخي الملائم ، وبالمناسبة تسمية القرى غير المعترف بها تستفزني لدرجة ما , لا اخفيكم بأني امقت هذه التسمية ايما مقت رغم اهميتها ودعواها الدولية الاقليمية , ذلك لأنها تشعرني بمردا عاطفيا تجاهها ، وكأننا نستجدي لانفسنا شرعية ما ونحن اصحاب الحق الشرعيين , بتحجر انطقها لا اريد اعترافا جدليا ذلك لكوني معترفا بنفسي عارفا لجذوري وهويتي , لا اريد كهرباءا ولا ماء قد قهر جدودي ظروف الصحر اء بصبرهم وثباتم فما عساي ان اعمل سوى ان اتتبع اثارهم واسلم تلك الامانة لمن بعدي لتكون من خير سلف لخير خلف , بلادنا اسماءها عربية متعارف عليها بين القبائل من قديم وأن تغيرت معالمها فتبقى الاسمية شاهدا على امتداد عروبتها وجذورها ليست نكرة غير معترف بها تقبع في احدى زوايا التاريخ , بلادنا من النجد والبقيعة وخربة الزباله وام الحيران وعوجان ووادي سلام وسعوه وتل النجيلة وخربة الملاحي والقفان الحمر والبحيرة والعروض وراس جرابة وظانا وشعيب الطور وادي غوين والسرة والمكيمن والعراقيب وطويل ابو جرول ...كلها ستبقى عربية الى ابد الابد كما كانت أزليتها , معترفين بها وبعراقتها في طيات انفسنا ويكفينيا ذلك .رغم لهث الاخرين وراء الحكومة المتطرفة لعقد الاتفاقيات بطرق الالتفاتيات حول الارض لتعترف بهم , هذا اللوث سيبدأ برقاب هؤلاء الذين يدعمون نظرية الحكومة بأننا غزاة لا ارض لنا هنا ولا مكان بتنكرهم لتاريخهم وعراقة موطنهم ...
ودعوني مع الاختصار الشديد أستهل بأسم النقب .
النقب الاسم الجامع للبادية الجنوبية ((حاولت ان اجد له ذكرا في جغرافيات العرب خاصة ياقوت الحموي فلم أفلح حتى الان)) مع أن ذكر لفظة النقب كمفردة ترد كثيرا بين سطور معجم البلدان لياقوت ، ويشير اليها ضمن المسالك والطرق الصحراوية ، ومؤخرا اتطلعت على سطرين لياقوت ذكر فيهما النقب ولعله يقصد النقب الاردني الامتداد الطبيعي لجبال الشراة الشهيرة .
في لهجة البدو يذكرونه بالنقابة ، وعندهم النقب هو الممر والمدخل والمسلك بين الوهاد والتلال ، ولغويا النقب هو الخرق في الجلد أو الجدار أو نحوهما ، وقد ذكروا أن كلمة النقب محرفة من الكلمة السامية"نجب " (NEGEB) أي الارض الجافة، وتطلق اليوم على عموم قضاء بئر السبع، ويتلائم هذا المصطلح مع البيئة الصحراوية للمنطقة المذكورة. حيث ان الامطار الشحيحة التي تسقط على الجنوب تصل بمعدلها الى اقل من 150ملم في السنة. فالجفاف الصحراوي هو سمته الرئيسية وخاصة في الاطراف الجنوبية منها!
ولكن التعريف الطاغي هو ان النقب يعني الطريق بين الجبلين، وتدل هذه التسمية على اهمية النقب من الناحية الجغرافية الاستراتيجية فهي عبارة عن منطقة عبور أو صلة بين حضارات شعوب قديمة وخصوصا حضارتي دجلة والفرات وحضارة النيل. كما ان النقب هو بوابة بلاد الشام الى البحر الاحمر وشرق افريقيا ...هذا وقد إستوطنت النقب تينك القبائل العربية التي قدم جلها من الحجاز وهي في مردها تنتسب لقبائل من امهات العرب وجمراتهم ذوي اصل نجيب ونبالة المحتد ، استوطنوه وأكدوا على امتداده العروبي القديمي ، ورسموا تقاسيمه بينهم جغرافيا وأسميا لدرجة أن الدارس لها يظن نفسه بالوهلة الاولى وسط أقليم نجد أو تهامة أو العروض بالجزيرة العربية ، أحيانا للتطابق الأسماء والصفة ، واحيانا لتشابه البيئة جيولوجيا ...
وبعد التعريف الموجز بالنقب دعوني أستهل بمناطق برية ومنها سأستهل حديثي ، تحديدا غربي وجنوبي منطقة عراد المشرفة على جبال البحر الميت ...
النجد وبلاد القريتين في النقب
هي منظقة صحراوية خلابة تقع قريبا من الفرعة وموالية لبلاد الطبقة وتضرب باطنابها الجنوبية حتى تصل الى تل النجيلة وتتوغل قليلا في ربعان الجمل ,هي عبارة عن منطقة مشرفة عالية لبست ابهى حللها الربيعية في هذا الوقت , ويأمها البدو من كافة القبائل للرعي , فترى خيامهم المتواضعة وسط الهيش متناثرة وابلهم منتشرة في عروض النجد بين داراته وصخورة , عند جنباتها بعض اعشاب نبتت عندما مرت سحابة شرود , وفي مضلات النجد ومجاهله عند نزولك به , اما تصادف بقايا نار قد تركها اهلها , او تلتقي براعي ابل , كما التقيت ببعضهم فتأملتهم بهدوء فرأيت تضاعيف الزمن قد بانت في جباههم , تلحظتهم تلحظ القانص لمرماه, انهم يختلفون عن بني جنسهم فيهم غلظة وجفوة ومكر وخبث حالها والله تذكرت اعراب الجزيرة المذكورين في بطون المخطوطات العربية من بني مضر وقيس وقحطان , انهم رعاة يملكون اسفارا من الحكايات القديمة , لا ابالغ ان اشرت الى ان جذورها قد تضرب في اعماق عرب الجاهلية , مع هذا ففيهم سمات تختلف عن بني جنسهم , عندهم نوعا من الفصاحة وشيئا من البيان والبلاغة ولانهم اقرب للبداوة من غيرهم ففيهم نخوة وشهامة ورجولة واباء , واحيانا تتخيل ومن نظراتهم انهم اهل خيانة وغدر وعدم وفاء ! تتضارب عندهم الأحوال ، ففيهم اللامبالي واللامكترث بأساسيات الحياة العصرية وفيهم من عنده علما ويجادلك
وحقيقة اعزائي ، هي منطقة تشكي الوفاض ، وتجظ هجرها ، هي بلاد من أجمل المناطق ، إن حست وتدرجت بها يهيأ لنفسك وكأنك بين اوابد الاطلال وجنادل الاحجار التي يتغنى بها امرؤالقيس بقصيده على ازليته ، على شح ما استطعت استفراغه من معلومات عن جدي ذكر لي ان هذه المنطقة كانت تعج بأهلها في سنون خلت ، ونزلتها جل القبائل النقباوية ايام نجعة الربيع خاصة ، من جهالين وظلام وعزازمة وكثير غيرهم ... اليوم تتناثر باطرافها بعض البيوتات القليلة جدا لافخاذ عشائرية نقباوية ، - - هذا ان لم تخني افكاري فقد زرتها وكتبت عنها بعض الشيء قبل 6 سنوات اثناء الدراسة المدرسية .. - وذكر لي جدي ان النجد لغة تفيد الارض المشرفة المطلة ، وقد صدق يرحمه الله وهم هم من لم يفتحوا قاموسا منجدا او لسانا عربيا ، فالنجد لغويا تعني الارض المشرفة ، ومشهور في ذلك اقليم نجد في الجزيرة العربية ذكره ياقوت الحموي ويتردد لفظه ويفيض في الاشعار العربية القديمة بلا حصر ...
حقيقة نجدنا هنا كبير ومن الصعب حصره فهو يتمدد على سفوح جبال عراد جنوبا شرقا ، وتختلف الروايات في تحديده وتتداخل جراء جغرافيته وتضاريسه الجبلية في غالبها ، اما عن تل نجيلة وروظ الجمل فهي صحاصيح صغيرة تتربع او تتداخل مع النجد ...
المنطقة آنيا ، غدت نجعة وهجعة للابل قط ، خاصة الخاصة للابل والنوق ، وافادني بعض من يرتاد هذه المنطقة صادفته صدفة بانهم يتعرضون لمضايقات حالما ينزلوا النجد من الدوريات ...
امني النفس بزيارة النجد نوية اخرى ، وكتابة او استيحاء تاريخها ، لا ريب انها كانت تعج بتاريخا عظيما ...
القريتين :
" ويسود الاعتقاد انها مليئة بالذهب " بلاد تمتد بأطنابها حتى تضرب عرضا بمنحدرات وادي سيال شرقا وشمالا تحدها بلاد الطبقة , وهي من مراعي البدو الخصبة وبها يظهر البر بأجمل حلله , تكتسي بعد الوسمي بخضرة تزهي عليها منظرا خلابا , مررت بها فهالتني اثار عتيقة لبني العرب بها , خلتها البلاد التي سكنها رؤبة بن العجاج او التي ارجز بها ذو الرمة في رجزه ...
اسمها يوحي بعراقة ازلية وتاريخ بعيد الابد طويل الأمد , حاولت ان استنظق الاوابد بها فخبرتني عن عروبة المكان واصالة من كان به , واجهني بها راعي ابل من , سألته عن شتاء امس وزمهريره فقال ، فشكر الله وتحدث عن المزن السمان ، عمرّ دلة وليست هي الدلة التي نعهدها " البكرج" انما علبة فاصوليا عفا عليها الدهر , ملأها ماءا وهو ينشد تراتيلا عتيقة , فشب نارا اعجب كيف استقرت الدلة فوقها فقد قام بوضع حجرين كحفايظ على حفة النار ! حتى استوت ونضجت فاضاف لها من اعشاب تينك الهجاف ما شاء الله , بالمحصلة تقهوينا وما ادراك كيف تقهوينا في علب وجدناها وقد دفنها السيل قبل سنوات فاستخرجناها وغسلناها وشربنا ، وهو يتميم بقولة " الفناجيل عتق " يقصد مقصد البدو في كراهية غسل الاناء في التداور اثناء الشرب ، استثقلنا استضافنا ، لا نعلم بأي قلب ذلك كان ، فقد اخذنا سحر البلاد وروعتها ، غصنا في مجاهل تاريخها ، القريتين القريتين ترددت المفردة كثيرا في مخيلتي ، لفظة لها ما وراءها ، راودت افكاري الآية القرآنية في مكة والمدينة على ما يقله المفسرون :
(وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) ،استحوذتني الافكار حول قريتي الاكمة هذه ، وصغت لذلك فلسفة القريتين ولها حديث خاص
www.deyaralnagab.com
|