الثور الأمريكي والمغامرات الحربية!!
بقلم : بروفيسور عبد الستار قاسم ... 30.08.2013
ليس من الصعب على المطلع على الثقافة الأمريكية ومختلف السياسات العالمية الأمريكية أن يستنتج أن الأمريكيين يفكرون في أغلب الأحيان بعضلاتهم وليس بعقولهم، وهم أشبه ما يكونون في أوقات كثيرة كالثيران الهائجة التي تظن أن قرونها ستخرق كل الجدران مهما كانت مسلحة. وهذا يعكس بعدا بنيويا تاريخيا للمجتمع الأمريكي يتصف بالمغامرة، والاندفاع نحو التملك وكسب المال، واعتبار تحقيق الأرباح قيمة عليا تحكم ما عداها من قيم. وقد انعكس هذا البعد البنيوي على سياسة أمريكا الخارجية، وما زال يشكل ثقلا كبيرا على العلاقات بين الدول، ويتسبب في ظهور أزمات عسكرية وسياسية وأمنية وأخلاقية على المستوى العالمي. وليس من الغريب أن يتسلح الأمريكيون دائما بمقولات أخلاقية ظنا منهم أن نظامهم الأخلاقي المحكوم بالقيمة الربحية يشكل الحقيقة الأخلاقية المطلقة التي يجب أن تسود عالميا. وقد دانت لهم دول وشعوب كثيرة على رأسها دول عربية بطريقة عززت لديهم ظنونهم، وشجعتهم على الاستمرار في العدوان على الشعوب.
تعلم الأمريكيون درسا قاسيا إثر هزيمنهم النكراء في فيتنام عام 1973، وخلدوا إلى الهدوء ولعق الجراح، لكنهم عادوا إلى سابق غطرستهم مع نهاية عقد ثمانينات القرن الماضي، وأخذوا يحركون جيوشهم في حملات حربية، ولا يبدو أنهم تعلموا من مغامراتهم الفاشلة في العراق وأفغانستان. لقد نجحوا في بنما عندما اعتقلوا رئيسها، وفي الدومينيكان، لكن هاتين الحالتين لا تشكلان مقياسا لمدى قدرة الولايات المتحدة على سوق العالم بالعصا.
المغامرة في سوريا
ليس من الأكيد قيام أمريكا بقصف مواقع سورية، لكن الاحتمال كبير ووارد جدا. لقد أوقعت أمريكا نفسها في مطب المتنبي الذي حاصر نفسه بكلام كبير لم يكن قادرا على الإفلات منه خشية المذلة الأبدية. هددت أمريكا كثيرا وتوعدت، وقالت إن استعمال الأسلحة الكيماوية من قبل النظام السوري يشكل خطا أحمرا يؤدي إلى معاقبة النظام أو شن حملة عسكرية عليه. والآن هي تتهم النظام بتجاوز هذا الخط، وأصبحت هيبة كلامها على محك الساحة الدولية. هل ستبلع أمريكا كلامها، أم ستثبت التزامها بتصريحاتها؟
بسبب غطرستها، أعلنت أمريكا خطوطا حمراء، وأعلنت أيضا قبل التحقق مسؤولية النظام السوري عن تجاوز هذه الخطوط، وأتبعت ذلك بالوعيد المؤكد بمهاجمة سوريا.
التحضير للمغامرة
كالعادة، تتبع الولايات المتحدة عددا من الخطوات قبل شن الحرب وهي:
أ- توجيه أصابع الاتهام، والذي يمكن أن يكون قد سبقه مؤامرة لإيقاع المستهدف في التهمة المطلوبة. وقد سبق أن خبرنا مؤامرة على العراق لإلصاق تهمة به تبرر العدوان الأمريكي. وليس من المستبعد أن أمريكا عملت بالتعاون مع جهات أخرى مثل بعض الدول العربية والإسلامية لاستعمال سلاح كيماوي في سوريا لتتمكن من تلبية الطلبات العربية الملحة بالهجوم على سوريا. ليس من الذكاء افتراض حسن النية في هذا العالم الباحث عن المصالح.
ب- شن حملة إعلامية واسعة على المستوى العالمي لإثبات خطايا وشيطنة الجهة المستهدفة، ووسائل الإعلام العالمية التي تسيطر على أغلبها شركات أمريكية مستعدة دائما للمساهمة الفعالة في تزوير الحقائق وبث الأكاذيب، أو التركيز على وجهة نظر دون أخرى.
ت- استقطاب الرأي العام الداخلي وتجييشه من أجل دعم القرارات العدوانية.
ث- البحث عن حلفاء في العدوان وذلك من أجل تعزيز وجهة النظر الأمريكية، والتأثير على الرأي العام العالمي، والاقتناع بأن أمريكا تبحث عن خير الأمم. علما أن هؤلاء الحلفاء لا قيمة كبيرة لمشاركتهم العسكرية.
ج- استعمال المنظمات الدولية بخاصة هيئة الأمم المتحدة لاستصدار قرارات تؤيد وجهة النظر الأمريكية، وتؤيد العدوان العسكري.
ح- حشد القوات العسكرية والتحضير للهجوم بخاصة القوات البحرية.
تحاول أمريكا تحقيق نجاح في الخطوات أعلاه، لكنها في النهاية تنفذ ما تشاء حتى لو أخفقت فيها جميعها.
محددات الهجوم على سوريا
وقعت الولايات المتحدة الأمريكية تحت إلحاح متواصل من قبل إسرائيل ودول عربية وتركيا من أجل القيام بعمل عسكري ضد النظام السوري، أو تقديم دعم جوهري للقوى التي تحارب النظام. لكن أمريكا في رأسها أنها: لا تريد بقاء النظام، ولا تريد حكومة منتخبة بقيادة الإخوان المسلمين، ولا تريد جبهة النصرة. حلفاؤها من التحرريين وأعوانها غير مرشحين للفوز بانتخابات إذا تمت، وبالتالي لم تكن مطمئنة إلى الجهة التي ستخلف النظام.
أمريكا تريد القضاء على حزب الله، وتريد عزل إيران، والقضاء على النظام السوري شرطي مفصلي لتحقيق هذا الغرض. وهي لا تريد استمرار حكومة حماس في غزة، وقوة المقاومة في غزة مرتبطة بقوة سوريا وإيران وحزب الله، على الرغم من أن جزءا من حماس قد أدار ظهره لهذه القوى. ويبدو أنها رأت أن استمرار القتال المدمر لسوريا هو أفضل الوسائل لقتل قوى المقاومة في المنطقة العربية الإسلامية.
وعليه فإن أمريكا تضع المحاذير التالية في هجومها على سوريا:
1- الحيلولة دون انهيار النظام السياسي القائم بهدف عدم تغييب طرف لصالح طرف آخر، على الرغم من أنها قد تستهدف الرئيس الأسد شخصيا.
2- الإبقاء على ميزان قوى كاف لاستمرار القتال المدمر في سوريا.
3- الحرص على حجم هجوم لا يثير ردودا عسكرية صاروخية من قبل سوريا وحلفائها.
4- الإبقاء على حد استفزازي منخفض لكل من روسيا والصين.
المجاهيل
لكن أمريكا تجهل أمورا كثيرة لا تستطيع إخراجها من حساباتها قبل الإقدام على ضربة عسكرية وهي:
أ- ماذا سيكون رد الفعل السوري؟ هل لدى سوريا قوة دفاع جوي كافية لإسقاط الطائرات المهاجمة؟ غالبا هناك إجابة لدى أمريكا، ولهذا من المستبعد أن تستخدم الطيران، وستكتفي بضربات صاروخية من بعد. هل ستضرب سوريا قواعد عسكرية أمريكية في المنطقة بخاصة في الأردن وتركيا؟ بالتأكيد تصل الصواريخ السورية القواعد في الأردن، لكن هناك ضرورة للتأمل في مدى الصواريخ السورية لتصيب أهدافا في تركيا. أم هل ستقوم سوريا بإطلاق صواريخ على إسرائيل، وتدفع بإسرائيل للرد بطريقة تؤدي إلى التهاب المنطقة برمتها؟ وماذا سيترتب على هذا اللهيب بخاصة فيما يتعلق بكيان إسرائيل؟ وأيضا لدى سوريا صواريخ مضادة للسفن، ومن المهم البحث بمدى هذه الصواريخ وقدرتها على إصابة سفن حربية أمريكية.
ب- هل سيقوم حزب الله بمساعدة سوريا بإطلاق الصواريخ على إسرائيل؟ وهل سيكتفي الحزب بإطلاق الصواريخ أم سيجر إسرائيل إلى معركة برية؟
ت- ماذا سيكون موقف إيران؟ هل ستساعد النظام السوري عسكريا فتقوم بضرب أهداف أمريكية في الخليج وبحر العرب والمحيط الهندي وبلدان الخليج؟ هل ستقفل مضيق هرمز؟ هل ستضرب مواقع نفطية استراتيجية. هلى ستوجه صوارخها نحو إسرائيل؟ وماذا عن أسعار النفط؟ هل سيصل سعر البرميل إلى 150 دولارا أم سيزيد عن ذلك؟ وما تأثير ذلك على الاقتصاد العالمي الهش؟ وكيف ستتبلور مواقف الدول المتضررة اقتصاديا من أمريكا وأعمالها الحربية؟
ث- أمريكا تسأل فيما إذا كانت ستتوسع دائرة الحرب، أم ستنتهي عند إطلاق عدد محدود من الصواريخ على مواقع سورية؟ وهي تحسب كم عدد الصواريخ التي يمكن أن تثير النظام السوري وحلفاءه؟ أم أن صاروخا واحدا سيكون كافيا لكي تفلت الصواريخ السورية ومن حالفها من عقالها؟
ج- كيف سيكون الموقف الروسي الذي أكد أن سوريا تملك من الأسلحة ما يكفي للرد على العدوان؟ هل يمكن أن تقبل روسيا اقتراحا أمريكيا بإطلاق صواريخ على مواقع هامشية من أجل إنقاذ ماء وجه أمريكا وضمان عدم الرد السوري؟ أخذا بالاعتبار أن أمريكا تبدو بعد قرار بريطانيا بعدم المشاركة في القتال دولة مارقة وفق القوانين المشرعة دوليا.
ح- ماذا عن رد فعل الشارع العربي؟ وكيف سيكون موقف أنظمة عربية مثل السعودية والأردن وقطر فيما إذا هب الشارع العربي ضد العدوان؟
خ- والمجهول الأكبر يتمثل في تاريخ انتهاء الحرب إن نشبت.
المجاهيل كثيرة، والإجابات ليست قاطعة.
احتمالات النصر والهزيمة
هناك عدد من الاحتمالات أو المشاهد الافتراضية (السيناريوهات) لمجريات الأمور، وكل واحد منها يؤشر على النجاح أو الفشل. وهنا أجتهد بالتالي:
أ- أمريكا ستكون الخاسرة إذا قررت عدم الهجوم لأنها بذلك ستكون ابتلعت كلامها، الأمر الذي سيؤثر على سطوتها على الساحة الدولية ويخفض من شأنها. سيحقق النظام السوري انتصارا بهذا التراجع، وستتعزز مكانته داخليا وعربيا، ومعه ستتعزز مكانة حزب الله وإيران والمقاومة في غزة، وستهبط مكانة الدول العربية المؤيدة للعدوان.
ب- أمريكا ستكون الخاسرة فيما إذا هاجمت وواجهت ردا عسكريا مهما كان محدودا، سواء ضد قواعدها أو ضد إسرائيل. وستخسر بالمزيد إن قررت الرد على الرد لأنها بذلك ستضطر للتورط في حرب أقسى بكثير من حربها على العراق.
ت- ستربح أمريكا في حالة واحدة وهي الهجوم دون أن يتبعه رد سوري أو رد من الحلفاء. هنا ستعزز أمريكا من مكانتها العالمية وسيتأثر محور المقاومة سلبا ومن ضمنه حركة حماس. وستربح أمريكا حتى لو تمت صفقة تنص على قصف أهداف ثانوية دون أن يتبعه رد.
الهزيمة لأمريكا
أمريكا ورطت نفسها. نحن نكره سفك الدماء، لكن الصبر على قوى الظلم يؤدي إلى سفك دماء مستمر. ولهذا من الأفضل لمحور المقاومة ألا يخفف لهجته، وعليه توجيه إعلام لحشد الرأي العام العربي والإسلامي، وربما من الأفضل أن يستفز أمريكا بالمزيد لأن الهجوم الأمريكي سيشكل مفصلا تاريخيا بالنسبة لمستقبل المنطقة.
أمريكا، على أغلب احتمال، ستهاجم، ومن المفروض أن هذا فرصة محور المقاومة ليثبت حضوره القوي في المنطقة. العديد من الدول العربية والأحزاب العربية لن توقف مؤامراتها وتحالفها مع إسرائيل إلا عبر المنطق التاريخي لصراع القوى، وهذه هي الفرصة الهامة أمام محور المقاومة لإثبات حضوره حتى لو كانت الخسائر جسيمة، وهزيمته تبقى في سكوته وليس في تحديه.
www.deyaralnagab.com
|