logo
ثلاثة أيام في تاريخ مصر!!
بقلم : وفاء صندي* ... 30.05.2014

على مدار ثلاثة ايام عاشت مصر فصول العملية الانتخابية التي سيتم على اثرها بعد ايام قليلة اعلان اسم الرئيس الجديد سواء ان كان الرقم الخامس في الجمهورية العسكرية او الرقم الثاني في الجمهورية المدنية. الا أن هذه الايام الثلات قد اظهرت ارتباك الحكومة المصرية ونظامها. فبين رفض ثم تراجع رئيس الوزراء حول جعل ايام التصويت ايام عطلة رسمية، فضلا عن التهديد بالغرامات المالية ضد العازفين عن المشاركة، وبين اضافة عشوائية ليوم ثالث للتصويت، مما عكس مدى الاحراج للغرور الحكومي، وجهل آلية النظام بطبيعة الشعب المصري، كما ان هذه الايام اظهرت ان مصر لاتزال بعيدة عن الديمقراطية، وانها لا تزال تصر على انتاج ديمقراطية على المقاس.
وكل ذلك انتج على الساحة المصرية حالة من التخبط عاشها القائمين على العملية الانتخابية بما فيهم المرشحين، وتخبطت معها رؤيتهما حول الرهان على عاطفة الشعب، وبالتالي عرت هذه الحالة مجموعة من الحقائق..
اولا، حصر المنافسة بين مرشحين فقط احدهما خسر كل رصيده قبل 30 يونيو، والثاني شكل ظاهرة مجتمعية بعد نفس التاريخ مما جعل العملية الانتخابية من البداية غير متكافئة ان لم نقل صورية.
ثانيا، اكتسح السيسي فعلا هذه الانتخابات (التي لن تتجاوز نسبة المشاركة فيها 46%) بنسب سوف تتجاوز الـ 95%، لكنه في المقابل خسر قاعدة جماهيرية عريضة، ليس صحيحا انها جميعها اخوان او انها قاطعت الانتخابات استجابة لمطلبهم، او أنها تمثل في جزءها الاكبر حزب الكنبة الذي تعود عدم المشاركة، لكن هناك النسبة الاكبر من الناخبين، وخصوصا الشباب منهم، قاطعت تعبيرا عن رفضها او عدم اقتناعها بكلا المرشحين (وهو ايضا ما عبر عنه اكثر من مليون صوت باطل)، وهي التي كانت تتمنى ان يبقى السيسي مشيرا وان يترك حكم مصر لحاكم مدني، او تعبيرا عن عدم رضاها على الطريقة التي تمت بها الحملات الانتخابية، وما واكبها من لقاءات وتغطية اعلامية غير متوازنة، والتي ظهر فيها السيسي كرئيس واثق لمصر، وليس كمرشح للرئاسة، وهو الرئيس الذي لا يمتلك برنامجا واضحا، ولكنه بدا ابعد مما يكون عن مطالب ثورة 25 يناير، مما خلق احباطا لدى الكثير من المؤمنين بالتغيير، تم التعبير عنه بعدم المشاركة فيما اعتبره البعض بكونه مجرد مسرحية يلعب فيها الناخب دور الكومبارس، واعتبره البعض الاخر اعادة انتاج نظام قديم عاد ليظهر بثوب جديد.
ثالثا، خسر ايضا الاعلام الذي فشل في حشد الجمهور رغم كل وسائل الدعاية التي ابتدعها من اجل تشجيع الناخبين على المشاركة وتشجيعهم اكثر على التصويت للسيسي، وهو الاعلام الذي حسم نتيجة المعركة قبل خوضها، حيث اظهر السيسي رئيسا قبل واثناء الحملة الانتخابية مما خلق حالة من النفور، وهو ايضا نفس الاعلام الذي لايزال يمارس نفس الفشل بتزييفه للحقائق وايجاده تبريرات وهمية من قبيل حرمان صناديق الانتخاب من ملايين اصوات رجال الاعمال ورموز واعضاء الحزب الوطني، او تبرير عدم نزول الشعب للانتخاب بسبب فشل حملة السيسي وعدم توفرها على آلية سياسية وآلية انتخابية، او حيول الحرارة المرتفعة دون اداء الناخبين حقهم في التصويت.. وهي كلها مجرد ثرثرة اعلامية خائبة. وهنا يجب أن يعي السيسي خطورة محيطه الاعلامي الذي ضلله سابقا لما صور له ان الشعب كله يصطف خلفه، والذي يحاول ان يصور له ان الاعلام قادر على تشكيل وعي المصريين، فعلى السيسي ان يعيد النظر في هذا المخطط، فاعلام لم يستطع حشد نفسه، كيف له ان يحشد الملايين او يشكل وعيهم.؟!
لكن بالمقابل فهناك حقيقة واضحة ودروس يجب الاستفادة منها. الحقيقة ان ما يقارب 30 مليون صوت + مليون واكثر صوت باطل (من اصل تقريبا 54 مليون صوت اجمالي عدد الناخبين) نجحوا في خلق الحدث، ونجحوا في اثبات ارادتهم الرافضة او المعارضة للواقع السياسي الحالي، ونجحوا اكثر في اثبات ان الشعب الذي نزل يوم 30 يونيو والذي كان رافضا لحكم ديني، جزء كبير منه اليوم رافض تسليم مصر لحكم عسكري. اما الدروس المستفادة، فهي الايمان بأن القاعدة الانتخابية في مصر لم تعد ثابتة، وأن هناك شباب مصري لم يعد سهلا توجيهه، وهو نفس الشباب الذي عايش وشارك في ثورتين ولايزال يحتفظ بنفس الحلم “دولة مدنية و”عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية” الى اليوم.
ثانيا، ان الرئيس السيسي الذي كان يطمع في مشاركة 40 مليون مصري، فاكيد ان نسبة المشاركة كانت صادمة له، مما يعني اساسا ان اكثر من نصف الشعب غير مؤيد له كرئيس، وان كان في السابق رافعا لواءه كمنقذ، وبالتالي عليه ان يعود الى ارض الواقع، وان يدرك ان ليس هناك اجماع على شخصه، وان الشعب لم يوقع له على بياض، ويجب عليه الاخذ بعين الاعتبار ان هناك معارضة تنتظره داخل الاوساط الشبابية والثورية، والتي يجب الانصات اليها والالتفاتة الى مطالبها والايمان بأن الديمقراطية تعني ممارسة السلطة والحق ايضا في ممارسة المعارضة.
وبعد نتيجة المشاركة غير المتوقعة في الانتخابات فعلى السيسي بالنهاية أن يعيد النظر في حساباته وفي سياساته، وأن يتحدث كسياسي وليس كظابط مخابرات، وان يرفع شماعة الأمن القومي جانبا ويتحدث مباشرة مع شعبه في أمور التنمية والبناء التي اعتقد ان لا دخل لها بشأن الامن القومي، ويعمل اكثر على تجاوز الخلافات من اجل التقارب في الرؤية والاراء، ومن اجل انجاح هذه المرحلة.

*كاتبه مغربيه

www.deyaralnagab.com