فتح معبر رفح مطلب مصري أيضا!!
بقلم : نقولا ناصر* ... 28.06.2014
(المصالحة الفلسطينية أسقطت الحجة المصرية للاستمرار في إغلاق معبر رفح إلى قطاع غزة، فلماذا تستمر مصر في إغلاقه؟)
من المفهوم أن تطالب دولة الاحتلال الإسرائيلي بالعودة إلى العمل باتفاق عام 2005 الذي يشركها في تشغيل معبر رفح بين قطاع غزة الفلسطيني وبين جمهورية مصر العربية، لكن غير المفهوم هو أن تطالب بذلك أي جهة فلسطينية أو مصرية أو عربية لتعيد سيطرة الاحتلال على منطقة كانت قد تحررت منها.إن فتح معبر رفح بين قطاع غزة الفلسطيني وبين مصر ينبغي أن يكون في رأس أولويات حكومة الوفاق الوطني في القطاع، فاستمرار إغلاق المعبر يعني فقط إغلاق المتنفس الوحيد للقطاع فوق سطح الأرض بعد إغلاق متنفس القطاع الوحيد تحت سطحها بعد قيام مصر، لأسباب أمنية مفهومة ومشروعة، بتدمير أكثر من ألف وثلاثمائة نفق كانت تمثل الشريان الوحيد الذي يمد أهل القطاع بأسباب البقاء على قيد الحياة.غير أن السياسة المصرية تجاه معبر رفح ما تزال موروثة من عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، بالرغم من كل التغييرات اللاحقة التي أطاحت بذلك العهد الذي وصفته دولة الاحتلال بأنه كان ذخرا استراتيجيا لها، فالثورة المصرية لم تصل معبر رفح بعد.
لقد ظلت المطالبة الرسمية المصرية بتدمير الأنفاق مع قطاع غزة كاستحقاق أمني مصري مشروع متلازمة مع المطالبة الشعبية المصرية بفتح معبر رفح بقرار مصري سيادي، لكن لم يتم حتى الآن الجمع بين المطلبين، بانتظار أن تجتاز مصر المرحلة الانتقالية التي تمر بها، غير أن معاناة أهل القطاع من الحصار لم تعد تستطيع الانتظار.إن القوى المعارضة للحكم داخل مصر والمعادية له خارجها قد زجت مسألة فتح معبر رفح في صراعها معه، ولم تتردد في استخدام استمرار إغلاق المعبر في هذا الصراع، لتطالب بفتحه مطالبة حق يراد به باطل.غير أن فتح المعبر يظل استحقاقا إنسانيا بقدر ما هو استحقاق وطني فلسطيني لا مناص من استجابة مصر له كتعبير عن التضامن العربي مع الشقيق المحاصر في القطاع وأيضا استجابة لمطلب وطني مصري لم يتوقف الشقيق المصري عن المطالبة الشعبية به.
في ثورة 25 يناير طالبت الملايين التي خرجت إلى الشوارع بفتح معبر رفح كقرار سيادي مصري يكون رأس رمح لتغييرات جوهرية في السياسة الخارجية المصرية تحررها من قيود اتفاقيات كامب ديفيد ومعاهدة الصلح المصري المنفرد مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
والقاهرة منذ عهد مبارك حتى الآن ترفض فتح معبر رفح طالما إدارته "فصائلية" على الجانب الفلسطيني وتشترط أن يديره من هذا الجانب سلطة معتمدة من منظمة التحرير الفلسطينية التي تعترف مصر بها ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني، وفي هذا السياق تطالب مصر الآن أن تكون الإدارة في الجانب الفلسطيني بإشراف حكومة وحدة وطنية.
ومثلها منظمة التحرير التي لم تسع جادة لدى الجانب المصري لفتح المعبر بالحجة ذاتها.وقد أسقطت المصالحة الفلسطينية وتأليف حكومة الوفاق الوطني الفلسطيني هذه الحجة الآن، فلماذا يستمر إغلاق المعبر!لكن رئيس حكومة الوفاق الوطني رامي الحمد الله، المكلفة بإعادة فتح المعبر، قال في مقابلة له مؤخرا مع النيويورك تايمز إن فتح معبر رفح "ليس في يدنا" وإن "المفاوضات" لإعادة فتحه "لم تبدأ بعد".
في الثالث والعشرين من الشهر الجاري قال الرئيس محمود عباس إن المعبر "يجب أن يفتح بناء على اتفاقية عام 2005، ومصر ليس لها علاقة بهذا الاتفاق، ولكن يجب أن توافق مصر على إجراءات فتح المعبر".ومعنى ذلك ان "المفاوضات" التي أشار الحمد الله لها سوف تكون أولا مع دولة الاحتلال على أساس اتفاق عام 2005 ثم مع مصر للحصول على موافقتها على "الإجراءات" التي تتمخض المفاوضات عنها.
إن تحرك الرئيس عباس وحكومته لإعادة فتح معبر رفح على أساس اتفاق عام 2005 الذي تجاوزته الأحداث يمثل تبرعا مجانيا يزود دولة الاحتلال بأداة ابتزاز للجانب الفلسطيني تفرض عليه الرضوخ لأي إجراءات تمليها عليه، ويعزل مصر عن أي مشاركة في صياغتها ويضعها أمام خيار وحيد للقبول بها، كأمر واقع، أو رفضها، وفي حال رفضها سوف يوضع أي اتفاق فلسطيني مع دولة الاحتلال بشأن فتح المعبر على الرف ليظل المعبر مغلقا من الجانب المصري ولتستمر معاناة القطاع وأهله.
وحماس ليست الفصيل الفلسطيني الوحيد أو المنفرد برفض إعادة فتح المعبر على أساس اتفاق عام 2005، فالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين على سبيل المثال، مثلها مثل معظم فصائل النضال الوطني والرأي العام الشعبي الفلسطيني، ترفضه كذلك لأنه "يعيد تحكم الاحتلال الإسرائيلي في المنفذ البري الوحيد" بين القطاع ومصر، بدلا من إعادة النظر في كل الاتفاقيات الموقعة مع الاحتلال ووقفها".
وليس سرا أن قيادة منظمة التحرير بإصرارها على العودة إلى اتفاق عام 2005 الذي عفا عليه الزمن إنما تصر على أن تكون دولة الاحتلال شريكة في حل قضية معبر رفح وموافقة على فتحه، بالرغم من إدراكها بأن موافقة دولة الاحتلال على فتحه لها ثمن فلسطيني خلاصته إعادة الاحتلال عليه.
ويتفق هذا الإصرار مع استمرار التزام قيادة المنظمة باستراتيجية ترهن التحرر من الاحتلال وممارسة الشعب الفلسطيني لحقه في تقرير المصير بإقامة دولة مستقلة ذات سيادة على أي جزء يتحرر من الوطن المحتل بموافقة دولة الاحتلال عن طريق التفاوض على "حل متفق عليه" معها، وفي ذلك تناقض واضح أثبته الطريق المسدود الذي وصلت إليه المفاوضات منذ انطلاقها قبل ما يزيد على عقدين من الزمن.
وهذا إصرار مثير للاستنكار الشعبي والوطني الفلسطيني ومنافي لأي منطق سليم.
ومن المثير للإستغراب أن ترتهن مصر ممارسة سيادتها على جانبها من الحدود لهذه الاستراتيجية الفلسطينية الفاشلة، ففتح معبر رفح قرار سيادي مصري خالص لم يعد التذرع بالقبول بما يقبل به الفلسطينيون مسوغا لعدم فتحه، فالسيادة المصرية التي يمكنها إغلاق المعبر يمكنها فتحه أيضا،، اللهم إلا إذا كانت هذه السيادة منتقصة، كما يقول المعارضون لاتفاقيات كامب ديفيد.
إن الحصار المفروض على القطاع منذ أعلنته دولة الاحتلال "كيانا معاديا" قبل سبع سنوات يمثل "عقوبة جماعية" يجب أن تنتهي كما قال في مؤتمر صحفي له يوم الأربعاء الماضي روبرت تيرنر، المسؤول في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
كما أن فتح معبر رفح حق إنساني يندرج ضمن قوانين حقوق الإنسان الدولية التي ما زال التحالف الغربي يتخذ منها ذريعة للتدخل العسكري العدواني في الدول الأخرى غير الخاضعة لسيطرته وهيمنته، غير أن هذا التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية هو ذاته المسؤول عن حرمان الشعب الفلسطيني من هذا الحق في كل الأراضي الفلسطينية المحتلة، لكن في قطاع غزة بصفة خاصة.
لقد كان قطاع غزة رهينة لما سمي "عملية السلام" منذ انطلاقها، ويبدو أن الحصار لن يرفع عنه إلا بعد دفن هذه العملية إلى غير رجعة!!
* كاتب عربي من فلسطين
www.deyaralnagab.com
|