شهامة إسكندنافية…!!
بقلم : سهيل كيوان ... 21.05.2015
لا أعرف كم تحوي الأدبيات السويدية أو النرويجية والدنماركية وغيرها مما ينسب لشبة الجزيرة الاسكندنافية من مقولات، حول الشهامة والكرامة والجود والسخاء وإغاثة الملهوف ومساعدة الضعيف وحق الجار وقِرى الضيف! لا أعرف كم يحوي أدبهم من بطولات توازي الهلالية والزيناتية والعنترية والزبيدية والذبيانية وغيرها، ولا أعرف إذا ما كانوا سيبتسمون أو يضحكون أو يعجبون إذا ما ترجمنا لهم بيت الشعر:»لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم!» ولا أعرف كيف نفسّر لهم معنى كلمة «الشرف»، كما نفهمه ومشتقاته، وإذا ما كان لديهم أسماء مثل شرف – وشرف الدين – وشريف -وأشرف، وأشراف، وشريفة وشُرفا ومُشرّف!
وقد نختلف معهم على تفسير أو تحديد ما هو الشرف الرفيع وما هو الشرف الثخين والغليظ وما هي مساحته! وكيف لأصحاب «الشرف» المُغلّظ من العرب أن تستفحل الاعتداءات الجنسية على النساء والرجال وحتى على الأطفال في معتقلاتهم، بهدف كسر إرادة المعارضين وإرادة ذويهم بحسب «الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان».
لا أعرف إذا ما كان في تراث الاسكندنافيين هذا الكم الهائل من شعر الحماسة والخطب العصماء التي تنوء فيها كتب تراثنا في ماضينا وحاضرنا، ولا أعرف إذا كان لديهم خطباء مفوّهون يرون الرؤوس وقد حان قطافها حتى وإن كانت رؤوس أطفال يمطرونها بالبرميل تلو «البرميل الحلبي» بمعدل عشرة براميل في اليوم! لا أعرف إذا كان لديهم زجلٌ شعبيٌ يهدّد ويتوعّد بذبح وسلخ الأعداء، أو إذا كان نصف حديثهم عن المراجل وتكسير الرؤوس وتشليخ المعتدين وتقبيل السيوف الغارقة في الدماء، وإذا ما كانوا يحوّلون أعراسهم إلى ساحة معركة ويغنّون»سيفك عل الإعدا طايل..يا هادر دم الأصايل» وإطلاق النار حتى في حفل الزفاف كتعبير عن الفرح.
لم أزر تلك البلدان للأسف، ولكن لي فيها أحباء سابقون، منذ صبرا وشاتيلا وما تلاها، إلى البراميل وما ألقاها، هجرة بعد هجرة ومجزرة بعد مجزرة، صهيونية تارة ثم عربية ثم مشتركة (صهيوبيّة). أما الذي أنا متأكد منه، فهو أن رئيس وزرائهم أو ملكهم لا يقف في الصف الأمامي من المصلين في دار عبادة أمام الكاميرا لنقل صورته وهو «خاشع»، ليقول إنه يرى الله أمامه قبل إعدام خصومه في زنازين الاعتقال، وقبل وبعد أن يرسل طيرانه أو معداته الثقيلة لهدم بيوت ومساجد رفح مثلا (لتوسيع الحزام الأمني) وفي حمص وحلب وغيرها لتنفيذ الحل الأمني.
الصفة الأساسية التي أعرف الاسكندناف فيها هي أنهم «إنسانيون»، ويستحقون أن نحني هاماتنا تقديرا واحتراما لهم، وأن نقول شكرا يا أخي الاسكندنافي الشهم، شكرا يا أبو شارلي وأبو فنسنت وأبو أوليفر، شكرا يا أخي ألكسندر ويا سيدة إيزابيل وأوليفيا، شكرا أيها الإنسان لأنك إنسان، لأنك تغيث الملهوف، وتحتض المطارَد من كرابيج ونار حكام بلده العربي وغير العربي، فتمنحه الحق وأطفاله في الحياة وطلب العيش الكريم والتعليم، شكرا يا أخي الإنسان من بلاد الثلج والمطر،لأنك تحاول وضع مَرهم على جرح غزة المتاخمة لحدود أكبر دولة عربية، وكأني بالسموأل ابن الصحراء كان يقصدكم بقوله»:
تعيّرنا أنا قليل عديدنا فقلت لها إن الكرام قليل.
وما ضرّنا أنا قليل وجارُنا عزيز وجار الأكثرين ذليل
حقا إن الكرام قليل، وما أجمل الكرام في زمن باتت فيه الكرامة شتيمة، وبات الجار (الكثير) يستقوي جاره القليل الضعيف والمحاصر.
انطلق أسطول الحرية الثالث من بلاد المطر والثلج وسوف يتوقف في موانئ أوروبية عدة، وجهته أمواج غــــزة المحاصــــرة بالعرب والصهاينة، سيحاول أحفاد الفايكينغ الدخول إلى شاطئها للمسح بحنان على جباه أحفاد الكنعانيين المنكوبين.
جريمة غزّة أنها قاومت كما اعتادت منذ فجر تاريخها، جريمتها أنها قالت (لا) ورفعت قامتها في زمن الزواحف.
كذبة كبيرة هي أن حصار غزة بدأ مع وصول حماس إلى السلطة، فهو متواصل منذ احتلالها عام 1967 حتى يومنا هذا، حيث تواجدت قوات الاحتلال في داخلها وأقامت المستوطنات على أرضها واستباحت دماء أهلها وحرياتهم، وفتحت جرافات شارون الطرق الواسعة على أنقاض بيوتها لتسهيل تحرك الدبابات، ولكن المقاومة بدأت واستمرت منذ أول يوم من الاحتلال حتى يومنا، غزة مُطلِقَة شرارة الانتفاضة الأولى عام 1987، انتفاضة الحجارة، ثم انتفاضة محمد الدُرّة عام 2000،هل تذكرون صرخة «مات الولد مات الولد»! ثم الانسحاب منها لتشديد الحصار عليها ولشن العدوان عليها مرات ومرات بكل ما أوتيت الآلة الصهيونية الأمريكية من قوة سلاح وحقد!
هذا الحصار الطويل والحقير له هدف واحد ووحيد، هو تحويل حياة الغزيين إلى جحيم، يجعل من يخرج من القطاع لا يعود إليه، إنه حل قضية فلسطين كما تراه الحركة الصهيونية بأقذر تجلياتها، التنكيل بالفلسطينيين وتهجيرهم مرة تلو الأخرى وقتلهم ومحاصرتهم حتى إرغامهم على الهجرة حيثما كانوا ما بين البحر والنهر.
أخي في السويد والنرويج والدنمارك «جاوز المحاصِرون المجرمون المدى». شكرا للقادمين من شمال الكرة الأرضية ليقولوا إن الإنسان بجوهره، وليس في انتمائه العرقي أو الديني أو القومي أو المذهبي أو الطبقي أو الجغرافي.
شكرا يا أهل المروءة الاسكندنافية، يا من تستقبلون الغرباء وتداوون جراحهم. ولعنة الله على مجرمين يدفعون شعوبهم للرحيل من الأوطان إلى أقاصي الأرض بحثا عن الأمن والأمان، لعنة الله وغضب الشعوب على أولئك الذين يحاصرون أطفالا ومرضى وعاجزين ومنكوبين!
يا أخوتي الاسكندنافيون إن أكثر من أخشاه الآن هو أن يتصدى لكم عرب من أبناء جلدتنا ويقوموا بالدور بدلا من إسرائيل أو بالمشاركة معها، لمنعكم من وصول رمال غزة بحجة مكافحة الإرهاب، ليُمعِنوا كذبا في نظرياتهم حول «الإرهاب»، وبقصد، كي يبرروا أحكام الإعدام بالجملة على معارضيهم من الإخوان حتى رئيسهم، هذا من جهة، ولتبرير جريمة الحصار الطويل من جهة أخرى..
www.deyaralnagab.com
|