السند الوحيد !!
بقلم : د.نيرمين ماجد البورنو ... 12.06.2019
السند هو الظهر والمتكأ والملجأ الذي نستند عليه اذا مالت بنا الدنيا وعصفت بنا في دروبها ؛ هو الأب والصديق والحبيب الذي لا يخون والأمان في وقت العصف فقلبه لا يغفو الا بعد أن تغفو جميع القلوب ؛ وهو طبُ وطبيب وكنز نتباهى به القريب والبعيد ؛ فوجوده نعمة لا تقدر بثمن ولا تتكرر في الحياة مرتين ؛ فالأب وحده من يسهر ويعمل بكد ويشقي بالأيام الطوال ليؤمن به لقمة العيش وليسد حاجات البيت وليدخل البهجة والأمن والأمان على أفراد بيته؛ يعاتبنا سراً ويمدحنا جهراً وفخراً ؛ نعشقه لأنه مصدر الثقة وقنديل ظلامنا ونور أيامنا ؛ فاذا كانت الأمومة هي الحنان ؛ فالأبوة هي الأمان والعمود الفقري للأسرة و روح الحياة و النبع الصافي الي شجرتي ؛ وهو الاستثناء الوحيد في شراسة كل الرجال ؛ فاذا أردت أن تتكلم عن عمق الحب فقط أنظر لمكانة الأب في قلب ابنته !!!!
لقد تغني الشعراء كأمثال جمال مرسي في قصائده أصداف البحر ولآلئ الروح في حب الآباء فحبهم واجب والتغني بهم جنة فحبهم لا يموت ؛ وقصدية نزار قباني "أبي " في رثاء الأب ؛ أتذكر حينما كنت طفلة أبي كان يردد ويقول ربوهن قويات مستقلات ؛ فقد يأتي يوم يكّن فيه سندكم الوحيد ؛ فقدان الأب وبكل المقاييس ليس بسيطا فان تفقد أباك معناه أنك تخسر الجدار الذي تستند اليه ويجعلك في مهب ريح فقد لا ترحم من هم أمثالك ومعناه أن تفقد المظلة التي تحميك من الشرور؛ و معناه أن تفقد أحد أعضائك ويعني أن عيناك لا تبصران جيداً؛ لذلك يبقي الأب أوفي حبيب لابنته ولو أحبها أهل الأرض قاطبة ؛ وهو رجل بحضارة عشرة أجيال ورجل لا يحكي بالحروف ويقال؛ فالأب هو العز وصمام الأمان فلا تاج الهرمزان وكنوز كسرى تضهي بالبريق أمام نوره وحسنه ؛ ويبقي الأب أول قدوة وأول بطل وأول حب واستقامة ظهر؛ فلا حسناً ونعيماً مثل الأب ولو بحثت دهراً .
الكثير منا من فقد أباه في الدنيا وسقطت دموعه وجعا وألما بغزارة واختنقت نبضاته وشعر بأنه سيتوقف عن الخفقان ؛ ويشعر بأن ما زالت الي الان روحه تشهق تلك الأنفاس المؤلمة ؛ فما أصعب النعمة حين ترحل ؛ فرحيل أبي علمني أن الأرواح الجميلة حينما تذهب بلا عودة هي من تستحق الذكرى والاشتياق والدعاء فأسالك اللهم أن تسكنه جنتك فهو أغلى من فقدت وأسالك بكل أسم هو لك أن تنزل عليه ضياء في قبره وتؤنس وحشته ؛ أسمه يرافقني في كل سجدة في كل دعوة وفي كل سفره وتحت المطر ؛ فكل الناس يا أبتي مياه ووحدك زمزم يروي فؤادي ؛ إن رؤية الغائبين في الاحلام هي أشد أنواع اللقاء وجعا ؛ فعندما يرحل الأب تصبح الدنيا بردا وصقيعا وتصبح بلا شمس بلا دفء وبلا نور ؛ فاللهم أجعل قبور أباءنا روضة من رياض الجنة وأفسح لهم في قبورهم مد أبصارهم وثبتهم عند السؤال وأغفر لهم وأرحمهم ؛ اللهم أرحم روحا رحلت عن الدنيا وما زالت حية في قلوبنا ؛ رحم الله شيبات شعره ورائحته وضحكاته وكلماته ؛ فسيظل أبي حبا أحكيه بدعائي دوما اللهم لا تحرم أبي من الجنة فهو لم يحرمني شيء في الدنيا.
فقدان الأب هو إحساس لا يعرفه الا من ذاق طعمه , وأكثر الأشياء وجعاً هو منزل بلا أب ؛ فقدان الأب هو الدرس الوحيد لتعليم الانسان كيف ينظر للأشياء بحجمها الضئيل فليس بعد فقدانه ما يستحق الوقوف عنده كالمسافر بلا وطن ؛ والمتشرد بلا مأوي ؛ فقدانه يعني أن تفقد الحياة وأنت على قيدها ؛ وفقدانهم أصعب مما يخطر في أذهانكم فهو ألم لا يطاق مهما تظاهرنا بالسلوان والنسيان ؛ فمن كان أباه موجود فليحرص على بره وليتأدب معه بالكلام وليحرص على ملازمته والتزود من خدمته ومحبته وطاعته ؛ وليعلم الأبناء أن الشعر الأبيض الذى تراه على أبيك يحكي قصة النعيم الذي تعيشه ؛ وأن الحياة تؤلف قصصا يعجز أبرع أهل الفن عن توهم مثلها ولكن حياة الأب وكدحه من أجل ابناءه لا تذاع بمؤلفات ولا يعلن عنها بل هي تبقي مخطوطة مخبوءة لا يصل اليها ولا يقرؤها الا هو لأنه ذ جلد وصبر فموت الأب ورحيله قدر مكتوب من عند الله لكن الخاسر الأكبر من يخسر أباه وهو حي عنده ؛ فاستغلوا وجود آبائكم بجانبكم وبروهم ؛ وقبولهم واحتضنوهم واستغلوا وجودهم فهم سراج ونور يستضاء به في حياتنا وبركة أيامنا وعمرنا ....
www.deyaralnagab.com
|