قرأت الحرب والسلامو..وسطاء الخداع !!
بقلم : رشاد أبوشاور ... 30.12.2019
دائما كنت، وما زلت، أقرأ كتبا متنوعة، في الأدب، في السياسة، في الفكر، وهذا لأن اهتماماتي تستدعي مني هذا التنوّع، فأنا اخترت منذ بداية تفتح وعيي مهنة الكتابة، وبدأت أستعد لها بقراءة كل ما يغني ثقافتي، وموهبتي، ورؤيتي الحياتية. وكفلسطيني صاحب قضية كان لا بد أن اقرأ عن قضيتي، وكل ما يحيط بها، وهذا كي أتعرف على أبعاد الصراع مع العدو الصهيوني ومشروعه، وارتباطات هذا المشروع بالقوى التي رسخت احتلاله، وما زالت.
وكما بدأت، ها أنا ذا أواصل، فاقرأ الروايات، والشعر، والقصة القصيرة، والنقد الأدبي، والكتب السياسية، والفكرية...
أعود في كل عام لقراءة أعمال أدبية(كلاسيكية)، وفي العام 2019 عدت لقراءة ( الحرب والسلام) رائعة ليوتولستوي، وهي تقع في حوالي ثلاثة آلاف صفحة، وفي عدة أجزاء، وهي من ترجمة المرحوم الكبير سامي الدروبي، وطبعة دمشق الصادرة عن وزارة الثقافة السورية.
هذه الرواية الغنية بشخوصها، وأحداثها- وفي القلب منها حرب نابليون على روسيا – تقدم للقارئ ما يعجز التاريخ عن قوله، فهي رواية البشر، والحياة اليومية، وتحولات حياة المجتمع الروسي، وهي رواية : روح الأمة الروسية..ورواية الحب وتحولات مصائر البشر، واختلاف خياراتهم..وتناقضات حياتهم، وصراعاتهم في الأوقات المصيرية الحاسمة.
لا يمكن كتابة رواية بهذا الحجم في عصرنا، فالحياة اختلفت، والوقت لم يعد متاحا لقراءة روايات بهذا الحجم. رواية ( الحرب والسلام) هي رواية زمن ممتد، وأشخاص لا يثبتون على حال، فمصائرهم وأحوالهم تتبدّل بالفقدان، وتأثير الأحداث العاصفة..أحداث الحرب وما تجرّه على مصائرهم الشخصية – الفردية ..والعامة، أي على مجتمع بكامله، وعلى أمة بكاملها.
هل تعلمت من( الحرب والسلام)؟ نعم، تعلّمت: الأمم العظيمة تنهض من كبواتها ومصائبها، وتتجاوز الأحداث العاصفة التي تتهدد وجودها بما تحشده من قوة روحها...
هناك من يروّج أن نابليون هزمه ثلج روسيا، كما هزم من بعد هتلر! هذا استنتاج ساذج ومتسرّع. ما هزم نابليون هي : روح الأمة الروسية التي تجلّت في إحراق الروس لقراهم ومدنهم وحرمان جيوش نابليون من الطعام والأمان، وتضحيات الروس وهم ينسحبون متخلين عن بيوتهم ومدنهم وقراهم وممتلكاتهم بكبرياء وشموخ، وتقديم كل شئ لجيوشهم المحاربة...
هناك روائيون عرب يكتبون روايات منفوخة بالإنشاء، متوهمين عظمة ما يكتبون بعدد الصفحات المكتظة بكلام هو لغو لا قيمة له...
قرأت هذا العام كتبا كثيرة منها كتاب البروفسور الفلسطيني رشيد الخالدي( وسطاء الخداع) وهو يفضح الدور الأمريكي في خداع المفاوضين الفلسطينيين، وجرجرتهم وراء الأوهام، واستخدام ( اللغة) في الخداع، بالتلاعب بها، وبالكذب بها على المفاوضين الفلسطينيين..وبيعهم الأوهام!
البروفسور رشيد الخالدي كان مستشارا للوفد الفلسطيني المفاوض في واشنطن برئاسة الدكتور حيدر عبد الشافي الذي تشبث بضرورة إيقاف الاستيطان في الضفة والقطاع..وقيل أن المفاوضات ( تجمدت) أو ( استعصت) فكان الالتفاف من وراء وفد فلسطين في واشنطن بالذهاب إلى عتمات ( أوسلو) ..وانظروا ما هي النتائج!
بعد كل هذا الخراب يقال أمريكا ليست وسيطا نزيها..صح النوم!
وهذا الحكم المتأخر جدا عن سياسة أمريكا ووساطتها يجئ برهانا على الجهل بدور أمريكا وسياستها وانحيازها للكيان الصهيوني عسكريا، وسياسيا، ودبلوماسيا..هي التي اعترفت بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، وتعمل على إنهاء وكالة الغوث لإنهاء حق العودة، وهي التي تشجع على الاستيطان حتى نهر الأردن..أي لتهويد ( كل) فلسطين التاريخية والجغرافية!
لا يكفي أن يقرأ الكاتب ليغني ثقافته الشخصية، فعليه واجب لا يغتفر التخلي والتقاعس عن أدائه: أن ينقل معرفته للآخرين..الذين هم ( أهله)، شعبه، وأبناء وبنات أمته..إلى أقصى استطاعته..ومهما كلفه الأمر..ولعل هذا ما درجت عليه منذ بدأت مسيرتي الكتابية، وسأواصل...
متمنيا عاما جديدا لشعبنا وقضيتنا أفضل من الأعوام التي خلت...
* وجهت لي منصة الاستقلال الثقافية السؤال: ما أبرز الكتب التي قرأتها في العام 2019 ..وهذا جوابي.
www.deyaralnagab.com
|