بيت العنكبوت وتطور القدرات الأمنية للمقاومة الفلسطينية!!
بقلم : د.عبد الستار قاسم ... 07.08.2020
بثت قناة الميادين وثائقي بيت العنكبوت الصادر عن حركة الجهاد الإسلامي/فلسطين، والذي يشرح حول اختراق الحركة للأجهزة الأمنية الصهيونية وتجنيد عملاء مزدوجين تمت الاستفادة منهم في مواجهة العدو وإحباط مخططاته. وقد شعر كل فلسطيني شاهد الحلقة الوثائقية بالكثير من الطمأنينة والارتياح لهذا الإنجاز الكبير، والذي سيتمدد وسيكون أكثر دقة واتساعا في المستقبل. شعر الفلسطيني بنوع من القوة، وارتفع منسوب الثقة بالذات، وتفاءل بمستقبل يحمل تطورات تثلج صدره. أما الجانب الصهيوني فلاذ بالصمت، ولم ينبس ببنت شفة حول الموضوع حتى الآن، والإعلام الصهيوني لم يتجرأ بعد على التعليق على ما تم بثه. ربما ينتظر الإعلام الصهيوني توضيحا أو إذنا من أجهزة الأمن الصهيونية لكي يتناول الحلقة بالتحليل والتمحيص.
على مدى سنوات والمخابرات الصهيونية تصنع نسيجا مرعبا في عقول الفلسطينيين وغيرهم من العرب. تمكنت عبر سنوات الهيمنة والبطش والبأس الشديد من إقناع الناس بأن أجهزة الأمن الصهيونية تعرف كل شيء عن الفلسطينيين أفرادا وتنظيمات وأحزابا ومقاومين وموجودات وقدرات. لقد غرست في أذهان الشعب الفلسطيني فكرة عدم إخفاء أي شيء لأن الصهاينة يعرفون كل شيء، وغرست في أذهانهم أن لا يقوموا بأي عمل معاد لأنهم سيعلمون ما سيقوم به كل فرد قبل أن يقوم بها. صنعت أجهزة الأمن الصهيونية من نفسها أسطورة مرعبة لا يخفى عليها أي شيء، ولا يتمكن أي شخص أو جهة من اختراقها. وعززت كل هذا باختراقها للأجهزة الأمنية العربية والجيوش العربية والقصور الجمهورية والملكية. وكانت مهماتها دائما سهلة لأنها كانت تتمكن من تجنيد العملاء والجواسيس والمخبرين بسهولة، وكان الثمن ضئيلا ويتناسب مع ميزانية أجهزة الأمن الصهيونية. لم يكن العربي محصنا ضد التجنيد من قبل الأجانب، وللأسف ما زال هذا الوضع قائما، ولم تكن القيادات العربية والحكومات والأحزاب مهتمة بتثقيف الناس حول الأمر، ولم تكن حتى مهتمة بملاحقة الذين يتعاونون مع الصهاينة. ووصل الأمر بأحد القادة الفلسطينيين أن قال عندما سأله أحدهم عن عدم مساءلته للجواسيس والعملاء أنهم الوسيلة التي يوصلون بها للصهاينة ما يريد وما يفكر به.
نخرت أجهزة الأمن الصهيوني العظام الفلسطينية على مستوى الأفراد والجماعات والفصائل والتنظيمات، ولم نكن نتمكن من الاحتفاظ بأسرار أو نشكل لأنفسنا تحصينا أمنيا. وقد عملت المخابرات الصهيونية ما أوقعنا في فشل تلو فشل، وهزيمة تلو هزيمة إلى أن وصلنا إلى اتفاق أوسلو الذي اعترفنا فيه أنه لا حق لنا بملاحقة عملاء الكيان الصهيوني. الاختراقات الأمنية أفشلت اعمال الفصائل العسكرية، وأحبطت المقاومين الفلسطينيين وقضت على الخيرة من شبابنا الذين كانوا يتطلعون إلى المساهمة في تحرير فلسطين. كنا عبر السنوات كفا مفتوحا أمام أجهزة الأمن الصهيونية ودفعنا ثمنا بالغا لقاء ذلك. وهنا وقع الفلسطينيون في خطأ جسيم مفاده أن المقاومة لا تجدي نفعا والأفضل أن نتوجه نحو التفاهم مع أمريكا والكيان الصهيوني. وكان أوسلو هو النتيجة الخائبة. والصحيح أن المقاومة ليست فاشلة ، وإنما كان أداؤنا الأمني مخيبا جدا.
على مدى سنوات، والعديد من الفلسطينيين يتحدثون عن ضرورة اعتماد معايير أمنية صارمة من أجل تحقيق التحصين الأمني الفلسطيني، ولا مهادنة مع المتعاملين والمتعاونين مع الصهاينة. لم يكن هؤلاء يجدون آذانا صاغية.
إنما في السنين الأخيرة وبعد سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، أخذت المقاومة الفلسطينية تتنفس وتنتعش، وقد تجاوبت فصائل المقاومة هنا مع دعوات التحصين الأمني. حماس تجاوبت بقوة، وأصبح لديها استراتيجية لمواجهة الاختراقات الصهيونية، وكذلك فعلت حركة الجهاد الإسلامي ولجان المقاومة الشعبية وكل فصائل المقاومة. أخذت الاختراقات الصهيونية تتقلص رويدا رويدا في قطاع غزة، . الاختراقات ما زالت موجودة حتى الآن، لكنها تتضاءل مع الأيام، وقطاع غزة يتعافى تدر يجيا من دنس العملاء والجواسيس.
وقد أثبتت الأيام أن المقاومة الفلسطينية تمكنت من صناعة أسلحة خاصة بها، وقدراتها التصنيعية تتطور مع الزمن. تمكنت من الحصول على المعارف العلمية التي تمت ترجمتها إلى تقنية عسكرية. ورغم كل المقاومة الصهيونية والعربية والغربية للمقاومة الفلسطينية في غزة، إلا أن الإرادة الفلسطينية تغلبت. وفي هذا درس قوي يقول إنها إذا توفرت القيادة المخلصة فإن الإبداعات الفلسطينية تنطلق لتحقق ما لم يكن على بال. من كان يفكر أن مقاومة غزة ستطور صواريخ يصل مداها إلى حوالي 100 كم والتي كان يصفها فلسطينيون معادون للمقاومة بأنها مواسير تنك؟ (يعني خردة). ومن كان يفكر أن تنظيما فلسطينيا سيحتفظ بأسير صهيوني عدة سنوات دون أن تكشف أجهزة أمن الصهاينة مكانه ولا تستطيع تحريره؟ حماس فعلت ذلك.
لم يكن أحد يقنع نفسه أن مقاومة فلسطينية ستخترق أجهزة أمن صهيونية. حركة الجهاد الإسلامي فعلت ذلك. وكل الفصائل الفلسطينية، حسبما أتتبع، تملك عقولا قادرة على خوض معارك الأدمغة. لدينا عقول كانت معطلة ومحرومة من النور، والآن هي تنطلق وتمخر عالم الفضاء والإليكترونيات وتبدع، وتوفر للفلسطينيين أمنا وسلامة. وفي هذا درس كبير آخر يفيد بأن القائلين بضرورة عدم المقاومة خشية من قيام الصهاينة بقتل الفلسطينيين سيخيبون من حيث أن ما تقوم به المقاومة سيشكل رادعا قويا يحول دون قتل الفلسطينيين. مرحلة تطوير الردع صعبة ومكلفة، لكن الردع في النهاية يوفر علينا الدماء والدمار.
www.deyaralnagab.com
|