"اسرائيل" تبني قاعدة عسكرية في المغرب… هل حان وقت منطقة “المغرب العربي”؟!!
بقلم : معالي بن عمر ... 24.11.2021
بعد أن تصاعد التوتر بين المغرب والجزائر مؤخرا، واشتدت الخطابات بين الرئيسين، وسط سكوت محيّر من زعماء العالم، قرر كل من المغرب والجارة الجزائر تسليح جيُوشهما بأهم وأحدث وأقوى المعدات العسكرية. فاعتَمدت الجزائر في توريدها للمعدات العسكرية على الصين وروسيا باعتبارهما قوة عظمى في هذا المجال، بينما لا يستغني المغرب عن الولايات المتحدة، في توريد العتاد العسكري منها، خاصة بعد اعتراف دونالد ترامب الرئيس السابق للولايات المتحدة بسيادة الرباط على الصحراء الغربية، ودون أن ننسى اسرائيل، فبعد عملية التطبيع المخزية، أصبح البلدين متقاربين للغاية، حيث تسعى المغرب لشراء نظام القبة الحديدية وتحديث ترسَانتها العسكرية، ومؤخرا شاع خبر احتمال بناء اسرائيل قاعدة عسكرية في المغرب على بعد 40 كيلومترت من مليلية، وهي مدينة مغربية مازالت تحت السيادة الإسبانية.
يتبادر إلى الذهن أسئلة كثيرة حول ما إذا كان المغرب ينوي بالفعل شن حربا مقصودة على الجزائر، وهل أن الجزائر مستعدة بما يكفي لردعه؟ ماذا سيحدث في باقي مناطق المغرب العربي، ليبيا وموريطانيا وتونس، وهي كلها مناطق عانت ولازالت تعاني أوضاع سياسية متقلبة، وضعف على مستوى المؤسسات الصحية، حيث أثرت الجائحة على منطقة المغرب العربي بشكل كبير بالإضافة إلى الظروف الإقتصادية الصعبة؟ هل حان وقت السيطرة على منطقة المغرب العربي، في سياسة أمريكية-إسرائيلية ممنهجة؟ أو ربما حان وقت زعزعة استقرارها لأنها منطقة استراتيجية، ستسيطر بها إسرائيل على مضيق طارق بن زياد، وربما تكون طريقة لردع الاتحاد الأوروبي وتخويفه، وتتحكم في الوضع الليبي وتؤجج نيرانه وتكبح جماح الحرية والديمقراطية وتستولي كما فعلت والولايات المتحدة مع مناطق الشرق الأوسط…
من المعلوم، أن العلاقات الجزائرية المغربية متدهورة منذ وقت بعيد، لكن الأحداث الأخيرة، التي أودت بحياة ثلاث جزائريين في الصحراء الغربية، أشعلت نيران الكره وبان لنا العداء بين البلدين بشكل صارخ، ومن السهل أن تبدأ حرب بمجرد ارتكاب هفوة جديدة، تتسبب فيها المغرب أو الجارة الجزائر. فكلا البلدين في تأهب يترقّبان اللحظة التي ستنقلب فيها الطاولة، لنعيش حرب مغاربية، ممزوجة بسياسة الخيانة والغدر الأمريكي الاسرائيلي.
يُذكر أن الجزائر، مرّت بظروف صعبة ومعقدة، قبل موت رئيسها السابق عبد العزيز بوتفليقة وبعده، بالإضافة إلى الحراك الشعبي سنة 2011، الذي حاولت من خلاله الجزائر استنساخ تجربة البلد المجاور تونس، في نية منها لإسقاط نظام الرئيس بوتفليقة، في إطار الربيع العربي، الذي ساد المنطقة آنذاك. ولكن الرئيس الجزائري نجح في إخماد هذه الهبّة الشعبية بقبضة من حديد. بيد أن شعلة الحراك لم تُطفى وسرعان ما ثار الشعب ثانية في سنة 2019، حيث انطلقت مظاهرات حاشدة في كامل أرجاء البلاد، ضد إعلان ترشّح بوتفليقة لولاية خامسة، هذه المرة نجح الجزائريون على إجبار الرئيس على الاستقالة، ومن ثم تم تقديم عدد من أفراد نظامه والمقرّبين منه للمحاكم بتهمة الفساد.
بالنسبة للمغرب، حيث يتغلغل النظام الملكي المستبد، لا يمكن للمغاربة أن يحتجوا أو يتظاهروا كما فعلت البلدان العربية. في وقت ما خيّل لنا أن هذا يمكن أن يحدث، خاصة بعد حادثة مروعة أودت بحياة بائع سمك ألقى بنفسه داخل شاحنة لجمع وطحن النفايات سنة 2016، مما أثار غضب المغاربة وخرجوا في عدد من المدن للتظاهر، وكأن سيناريو “محمد البوعزيزي” يعيد نفسه، فالشاب المغربي محسن فكري، بعد أن صادرت الشرطة مورد رزقه بدعوى أنها أسماك ممنوعة صيدها، قرر الانتحار بسبب الظلم، لحظات قليلة كانت كافية لإنهاء حياته. على الرغم من هذا السيناريو الشبيه بسيناريو الجارة تونس إلا أنه لم يكن كافيا لإشعال نيران الثورة.
اليوم بعد هذه الأحداث المتتالية، والتوترات داخل البلدين وبينهما، لا أحد يكترث للشعب ومشاكلهم وتعطّشهم للاستقرار وإنهاء النزاعات المجانية. نعم، الصراع على الصحراء الغربية، والأزمات المترتبة عن سياسة المغرب والجزائر، تسببت في انهيار العلاقات، لكن نظام المغرب متغطرس، ففي مرحلة ما من بداية الصراع بينهما منذ التسعينات، شاع خبر أن المغرب، بلد يروج للمخدرات ويشجع على استهلاكها، ناهيك أنه أرض خصبة لوجود الإرهابيين، وامتد ذلك إلى الجزائر… ومن حقها أن تحمي شعبها وأمنها….
في الحقيقة، الوضع معقد كثيرا، وصعب تحليله أو إيجاد حل له. ربما كانت اسبانيا سببا في هذه الأزمة أيضا، لأنها انسحبت من الصحراء دون ايجاد حلول جذرية، أو ربما سياسة ملك المغرب الاستبدادية، وتكبّره كانت سببا في ذلك أيضا. ولعل الجزائر لا تشارك في موائد الحوار العالمية حول الصحراء الغربية، لأنها تعرف مسبقا أنها لا فائدة منها وأن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، لطالما خذلوا الجزائر، وعاملوا المغرب معاملة الكلب المدلل.
من الواضح أن أي شخص عادي يمتلك عقلا سويا، ويحلل بمنطق الأوضاع، أن يشك في أن الجزائر ظالمة أو بدأت العدوان، منذ زمن الكل يعلم أن نظام ملك المغرب جائر وأسلوبه فظ. ولذلك لا نرى له علاقات تاريخية أو وطيدة بين موريطانيا مثلا أو ليبيا. لكن الآن فاجأنا جميعا بعملية تَطبيعه مع إسرائيل. لم نتوقع ذلك الحقيقة، وعلى الرغم من اعتراف ترامب بالسيادة المغربية على الصحراء في عام 2020، إلا أنه لم يُخيّل لنا للحظة أن يكون التطبيع بين البلدين سريعا هكذا. بيد أنه تبيّن اليوم أن عملية التطبيع الدنيئة كان سببا وراء اعتراف ترامب بالصحراء وهكذا يكتمل المشهد وتتضح الصورة للملأ جيّدا.
ماذا بعد التطبيع الآن؟ ينبغي ضمان استمرارية العلاقات، التي تحمي مصالح المغرب في منطقة المغرب العربي وأمام الاتحاد الأوروبي، وبالأخص اسبانيا العدو التاريخي للمغرب. وهكذا تضمن إسرائيل مرة أخرى، فكرة ترويجها للخير ونواياها السليمة، وكأن عملية التطبيع ليست إلا عملية تواصل بين بلدين، تساعد على ضمان استقرار منطقة الشرق الأوسط و ليستتبّ الأمن في فلسطين والعالم العربي ككل، فكل عمليات التطبيع مع البلدان العربية في صالح الفلسطينيين، كيف لنا أن نشك في حب اسرائيل لفلسطين معتوه من يفكر أن إسرائيل لا تحب الفلسطينيين ولا تتمنى لهم الدمار والتهجير…
أليس من الأولى أن يسترجع المغرب سبتة ومليلية من اسبانيا، أليس من الأصح أن يسيطر المغرب على جزر الكناري، الأقرب جغرافيا مقارنة بإسبانيا. أولَينظر المغرب لبشاعة تفكيره وسوء تصرفاته نحو جارته، وأن يعتذر أو يصحح مسار العلاقات، بدلا من تضييق الأزمة أكثر؟. لا، يشتهي المغرب السيطرة على الصحراء الغربية نكاية في الجزائر وأن يسمح بتدفق الهجرة غير الشرعية نحو إسبانيا بشكل خفي نكاية فيها وأن يزعزع الاستقرار في المنطقة أكبر قدر ممكن، وأن يستنجد بإسرائيل والولايات المتحدة، وكسب ودهما لأنهما المتحكمان في الوضع العالمي، لا ترفض الولايات المتحدة طلبا لاسرائيل وإن فعلت فهي سياسة المخادعة فقط والعكس بالعكس.
لا يمكن أن يقبل العقل أن اسرائيل تريد أن تبني قاعدة عسكرية لأجل أمن المغرب أو تصديا للجزائر، ولا أحد يصدق أن زيارة وزير الدفاع الاسرائيلي إلى المغرب، لتوطيد العلاقات وبحث سبل التعاون بين البلدين عسكريا فقط. سنرى كيف تتغلغل إسرائيل في قلب المغرب، وقريبا سيكون لذلك تداعيات على باقي المناطق، وسيكون لاسرائيل والمغرب برنامجا مفصلا حول كيفية سلب مضيق جبل بن طارق المستعمرة المملوكة للمملكة المتحدة، علما وأن هناك خلاف سابق حول سيادة الجبل بين إسبانيا والمملكة المتحدة. ستكشف لنا الأيام مخططات اسرائيل والمغرب ورأس الأفعى الولايات المتحدة، عن نواياهم بمنطقة المغرب العربي وهل هناك نية حقيقة في جر إسبانيا أيضا في حرب لا تنتهي مع غريمها المغرب.
ختاما، لا يسعنا القول إلا أن الوضع متأزم للغاية، وما يشاع هنا وهناك لا يبشر بخير أبدا خاصة فيما يتعلق باندلاع حرب بين المغرب والجزائر. ولن أقول أن على المجتمع الدولي أن يتدخل أو من الضروري أن نسمع تصريحات بلينكن الساذجة أو عهود جو بايدن الرئيس النائم المخادعة. ولكن على أحرار الشّعبين ضبط النفس وعدم التدخل في الصراعات السياسية. وإن حدث وتجرأت المغرب على الجزائر نرجو أن تسلم الشعوب وأن تقزّم الحرب المغرب وأن ترفع الجزائر فوق رفعتها.
*كاتبة تونسية..المصدر : راي اليوم
www.deyaralnagab.com
|