الجمل الأمريكي الذي لا يرى اعوجاج عنقه، وحق النقض الفيتو!!
بقلم : أحمد نبهان جبريل ... 26.02.2022
علقت مندوبة الولايات المتحدة الأمريكية -بما يثير سخرية أي فلسطيني- عقب استخدام الاتحاد الروسي حق النقض "الفيتو" ضد مشروع قرار يطالب روسيا بالانسحاب من أوكرانيا دون شروط، بقولها: "دون مفاجئة مارست روسيا حق النقض وذلك لحماية الحرب التي بدأتها بسابق إصرار وترصد ...، هذا التصويت يبين من هي الدول التي تحترم مبادئ الأمم المتحدة ومن يستخدم هذه المبادئ كعبارات جوفاء فارغة، هذا التصويت يبين من يدعم الميثاق ومن لا يدعمه".
هذا التعليق المستفز لكل فلسطيني، يعيد للأذهان عشرات المرات التي استخدم فيها الجمل الأمريكي حق النقض "الفيتو"، ضد مشاريع قرارات عديدة قُدمت للمجلس لإدانة الجرائم "الإسرائيلية" ضد الشعب الفلسطيني، وشكلت بسلوكها التصويتي الأعوج في مجلس الأمن درع حماية للحروب "الإسرائيلية" والعدوان المستمر ضد الشعب الفلسطيني، وذلك يثير تساؤل حقيقي فهل مبادئ الولايات المتحدة التي تتشدق بها قابلة للتجزئة، أم أنها ترى الدم الفلسطيني بلون آخر مختلف عن لون الدم الأوكراني؟!.
ما حدث في جلسة مجلس الأمن الطارئة مساء يوم الجمعة يمثل معضلة قانونية، فقد انعقد المجلس للتصويت على مشروع قرار مقدم من الولايات المتحدة الأمريكية، يعبر عن استياء المجلس من الغزو الروسي لأوكرانيا، إلا أن روسيا التي ترأس مجلس الأمن حالياً استفردت بقرار الرفض رغم موافقة 11 دولة من أصل 15 دولة وامتناع الصين والهند والإمارات عن التصويت، وجاء هذا الرفض حتى بعد تعديل مشروع القرار الأصلي، والذي خفف التعديل من حدته ليعبر عن الاستياء بدلاً من الإدانة، وشطب البند الذي يشير إلى أن القرار اتخذ تحت الفصل السابع -استخدام القوة لإنفاذه- من ميثاق الأمم المتحدة، وقد جاءت التعديلات لتجنب استخدام "الفيتو" من الصين إلى جانب روسيا، ولضمان تأييد الهند والإمارات العربية المتحدة.
إن تعطيل إرادة جميع أعضاء مجلس الأمن، بسبب رفض عضو من الأعضاء دائمي العضوية، يؤكد أن نظام الأمم المتحدة غير عادل وغير ديمقراطي، ومعطل لإرادة المجتمع الدولي، ولا يحفظ السلم ولا الأمن الدوليين، بل إن هذا النظام العالمي قد أطال عمر الاحتلال "الإسرائيلي" للأراضي الفلسطينية لحوالي سبعة عقود ونصف، واليوم تكتوي بنار هذا النظام الدول التي أسسته، لذلك فإن النظام الذي يرهن الاستقرار العالمي بموافقة 5 دول فقط لأنهم انتصروا في الحرب العالمية الثانية، هو نظام فاسد وبحاجة لتصويب.
الحل القانوني في ظل ميثاق الأمم المتحدة الحالي، يسمح بطريقين لمعالجة هذه المعضلة، الأول هو امتناع الطرف المعني بالنزاع عن التصويت، فقد حددت الفقر الثالثة من المادة (27) من ميثاق الأمم المتحدة آلية التصويت وقد اشترطت موافقة 9 أعضاء من بينهم الأعضاء الخمسة الدائمين، إلا أنها استثنت من كان طرفاً في النزاع وأوجبت عليه الامتناع عن التصويت، وعليه كان يجب على الاتحاد الروسي أن يمتنع عن التصويت – إن كان القرار تحت الفصل السادس فقط- لا أن يقرر استخدام "الفيتو"، ويمكن إعادة طرح هذه المسألة الإجرائية على المجلس مرة أخرى ويتطلب ذلك موافقة 9 أعضاء ولا يشترط في المسائل الإجرائية موافقة دائمي العضوية.
أما الطريق الثاني فهو اللجوء إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة من خلال عرض مسألة إحالة مشروع القرار من مجلس الأمن إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهذه المسألة هي مسألة إجرائية تقر بموافقة 9 أعضاء ولا يحق لدائمي العضوية استخدام "الفيتو"، وبذلك تحال المسألة للجمعية العامة للأمم المتحدة التي لا تعترف "بالفيتو"، ولكن من المعلوم أن قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة غير ملزمة قانوناً ولا تمثل سوى توصيات، ومن جانب آخر فإن دعوة الجمعية العامة للانعقاد بحاجة إلى أسبوعين للانعقاد، وللخروج بقرارات ملزمة من الجمعية العامة يمكن أن تجتمع العامة وفق القرار 377 والذي نص على إمكانية بحث مسألة معينة من الجمعية العامة عند إخفاق مجلس الأمن باتخاذ قرار فيها لعدم وجود إجماع بين أعضائه الخمسة دائمي العضوية، وتبحث المسألة بسرعة خلال جلسة خاصة وطارئة بمعنى لا قد لا تستغرق 24 ساعة.
المتوقع خلال الأيام القادمة أن تختار الدول التي اقترحت مشروع القرار المتعلق بالأزمة الروسية الأوكرانية، الطريق الثاني، ويبقى النظام الدولي المعقد ساحة تخضع لأهواء دول الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الثانية، وعلى أي حال فإن النظام العالمي الحالي مهدد بالانهيار حال اندلعت حرب عالمية ثالثة، لأن السوابق التاريخية أثبتت أن هذه الأنظمة نتاج حروب عالمية، فمنظمة عصبة الأمم نشأت عقب الحرب العالمية الأولى، ومنظمة الأمم المتحدة نشأت عقب الحرب العالمية الثانية، فهل نحن مقبلون على منظمة عالمية ثالثة تخلصنا من الجمل الأمريكي؟.
ماجستير قانون عام
www.deyaralnagab.com
|