غزّة بين الصفقة وتصعيد حرب الإبادة!!
بقلم : د.جمال زحالقة ... 01.05.2025
أثارت تصريحات الوزير الإسرائيلي رون ديرمر بشأن استمرار الحرب «سنة إضافية»، ضجة كبيرة، وتناقلتها وسائل الإعلام الإسرائيلية والعربية والعالمية بشكل خاطئ. ما قاله ديرمر في غاية الخطورة، لكنّه يختلف عمّا نشر، وقد قام كاتب هذه السطور بمراجعة «فيديو ديرمر» وتبين التالي: وجّه العريف له السؤال «رئيس الوزراء يتحدّث عن تغيير الشرق الأوسط.. أين ترى إسرائيل بعد 12 شهرا، وكيف ترى مستقبل الشرق الأوسط؟» فأجاب الوزير الإسرائيلي: «بعد 12 شهرا تكون الحرب قد انتهت وإسرائيل قد انتصرت.. واعتقد أننا سنشهد العديد من اتفاقيات السلام، إما تمت أو ستتم في السنين المقبلة لحكم ترامب. لكن المفتاح لذلك.. هو النصر. في الشرق الأوسط حين تنتصر وحين تكون قويا هذا ما يجذب الآخرين».
قد تستمر حرب الإبادة سنة (أو حتى أكثر) لكن ليس هذا ما قاله ديرمر، والمعنى الفعلي لكلامه أنه بعد سنة ستكون الحرب قد انتهت وانفتحت أبواب السلام الإبراهيمي من جديد، ولو أخذنا كلامه محمل الجد فهو يعني بأن الحرب ستنتهي خلال أشهر، وبعدها ستكون أشهر لإتمام عدد من اتفاقيات التطبيع الجديدة. لكنّي لا أرى أن أحدا يستطيع تحديد إطار زمني لنهاية الحرب، لأن هناك عوامل مؤثّرة مهمّة ومتعددة أخرى، تتحكّم بالبعد الزمني، تجعله يطول أو يقصر تبعا لمفاعيلها. وحين تحدّث ديرمر مباشرة عن إنهاء الحرب قال، إن كل الإسرائيليين يريدون إنهاء الحرب، لكن في رأيه «هذا ليس السؤال الحقيقي. السؤال الحقيقي هو: هل تنتهي الحرب بالنصر أم بالهزيمة؟ هل تقبلون شروط مرتكبي السابع من أكتوبر؟». وأضاف أن نتنياهو لا يقبل أن «ينسى المحتجزين ويركّز على الحرب»، ولا يقبل بمطلب «إنس الحرب وأعد المحتجزين».
جاءت تصريحات رون ديرمر في مؤتمر الوكالة الإخبارية اليهودية «جي. إن. إس» في القدس الغربية هذا الأسبوع، وهي تكتسب أهمية خاصة، لأن قائلها هو «الابن المدلل» لنتنياهو ومبعوثه الشخصي الموثوق به، خاصة أنه يجمع بين الإخلاص لسيده وغياب الطموحات السياسية الشخصية، فمن المعروف أن نتنياهو يهمّش كل من يحس بأنه قد ينافسه في يوم من الأيام. ويبدو أن ديرمر لا يتبنّى مواقف نتنياهو فحسب، بل مشاعره ونبرته الاستعلائية تجاه العرب، وبالأخص تجاه المطبّعين العرب.
لقد تحدّث هذا الوزير الإسرائيلي، على نسق نتنياهو، بنبرة استعمارية عنصرية متعالية، وقال ما معناه أن شرط السلام مع العرب هو هزمهم، أو هزم جزء منهم على الأقل (باعتبار الفلسطينيين عربا!)، وبكلمات أخرى قال ما مقصده، إن إسرائيل ستكون «جذّابة» بعيون العرب حين تهزم غزّة. ولعل أضعف الإيمان أن نطلب من الزعماء العرب أن يعلنوا أن لا تطبيع مع دولة الاحتلال ومع حكومة الإبادة الجماعية، لأنّه إهانة لهم ولدولهم ولشعوبهم، ففي المفهوم الإسرائيلي الحالي يعد كل تطبيع عربي استسلاما تاريخيا للمشروع الصهيوني، ورضوخا لـ»انتصار إسرائيل» على العرب. هل من المبالغة مطالبة القمة العربية بالتهديد بإلغاء اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل، ورفض أي تطبيع جديد؟ خاصة أن نتنياهو يقول، بلسانه وبلسان ديرمر، إن «إسرائيل المنتصرة والقويّة» هي الجذّابة للمطبّعين حتى حين تمارس الإبادة الجماعية والدمار الشامل، وحتى حين تقتل عشرات آلاف الأطفال والنساء والشيوخ والرجال الفلسطينيين. إسرائيل – نتنياهو تقول أمرا فظيعا وهو أن درب السلام الإبراهيمي مرصوفة بالجماجم الفلسطينية! تبدو إمكانية التوصل إلى صفقة كاملة تشمل إنهاء الحرب بعيدة، بسبب رفض حكومة نتنياهو، التي تضع شروطا غير قابلة للتحقيق وتصطدم كل محاولات الوساطة بإصرارها العنيد على مواصلة حرب الإبادة الجماعية. وتعمل إسرائيل حاليا وفق منطق أن «ما لا يتحقق بالقوّة يتحقق بقوّة أكبر»، وهي تقوم بالتصعيد المتدرّج في حرب الإبادة، ما يزيد عدد الشهداء في غزة يوما بعد يوم، ويعمّق المأساة الإنسانية، ويزيد من حدّة كوارث المجاعة، وغياب العلاج ودمار المأوى والحياة على حافة الموت.
خطاب وزير الحرب الإسرائيلي يؤكّد حاليا، أن هدف القتال هو إعادة المحتجزين، وأن الضغط العسكري سيؤدّي إلى «تليين» موقف حماس بشأن تحرير المحتجزين، كما أن احتلال أراض في غزة، سيعطي إسرائيل أوراق مساومة إضافية.. ويصر نتنياهو ومعه قيادة الجيش الإسرائيلي على أن التصعيد المتواصل سيجبر حركة حماس على قبول الشروط الإسرائيلية، وإطلاق سراح المزيد من المحتجزين الإسرائيليين، مقابل أسرى فلسطينيين ووقف مؤقت لإطلاق النار، من دون الالتزام بإنهاء الحرب، الذي له شروطه الخاصة، لكن من الواضح الآن أن حركة حماس معنية بصفقة كاملة تنهي الحرب.
**في المفهوم الإسرائيلي الحالي يعد كل تطبيع عربي استسلاما تاريخيا للمشروع الصهيوني، ورضوخا لـ»انتصار إسرائيل» على العرب
على الرغم من المرونة التي تبديها حماس بشأن ملفات الصفقة الكاملة، التي تلتقي مع المواقف المقبولة عمليا على الغالبية الساحقة من الإسرائيليين، فإنّ إسرائيل – نتنياهو لا تكتفي بها وتريد المزيد والمزيد حتى «استسلام حماس» وعمليا انتحارها المعلن، وصولا إلى ما يسمّى «النصر المطلق». وتتجلى مرونة حماس بالاستعداد للتخلي عن إدارة غزة، وإعادة ترتيب وجودها المسلّح، بما يضمن بقاء أسلحة الدفاع عن النفس، مع الاستعداد لإيداع الأسلحة الهجومية مثل الصواريخ للجيش المصري، والتوقّف عن التدريبات وتصنيع السلاح وحفر الأنفاق، كما أن من الممكن أن تقبل بإبعاد رمزي لبعض عناصرها في سبيل التوصل إلى هدنة طويلة أو دائمة. إذا أخذنا الموقف الإسرائيلي حصريا بعين الاعتبار، لا تلوح في الأفق إمكانية للتوصل إلى صيغة ما لإنهاء حرب الإبادة. إسرائيل تصر على شروطها التي تعرف أنها مستحيلة التحقيق، لتدعي بأنها «مضطرة» لمواصلة الحرب وتصعيدها. لكن من الوارد أن يكون لزيارة ترامب إلى المنطقة بعد أسبوعين تأثير كبير بشأن وقف إطلاق النار، وهذا يتعلّق أساسا بمدى الضغط العربي والتركي، والتفاعلات بين القوى الثلاث التي يأخذ ترامب برأيها في واشنطن: التيار المسيحي الصهيوني، التيار الانعزالي ومجموعة الصفقات الاقتصادية. صحيح أن اهتمام الإدارة الأمريكية بما يحدث في غزة تراجع كثيرا، إلا أنها ستعود إلى الواجهة حين يكون رئيسها في المنطقة. من الصعب التكهّن بما سيفعله ترامب، ليس لأن شخصيته متقلّبة وغير متوقّعة، بل بالأساس بسبب تباين التوجّهات والعوامل المؤثّرة على قراره.
وحتى لو ضغط ترامب من أجل التوصل إلى صفقة وقف لإطلاق النار، فهي ستكون مرحلية ومؤقّـتة، ويبدو أن هذا أقصى ما يمكن أن يقبل به نتنياهو، الذي لا يريد وقف الحرب. هناك الآن أربعة بدائل: الأول استمرار العدوان الحالي مع التصعيد التدريجي، وهذا ما سيكون إن لم تطرح بدائل عملية، ويجري التوصّل إلى اتفاق حولها، الثاني هو التوصل إلى صفقة مرحلية تشمل وقفا مؤقتا لإطلاق النار، وهنا يصطدم الشرط الإسرائيلي بعدم الالتزام بإنهاء الحرب بعدها، بموقف حماس بأن يفضي المرحلي إلى الدائم، وإلى هدنة دائمة أو طويلة الأمد، والثالث، هو الصفقة الكاملة، وهو ما يبدو بعيد المنال حاليا بسبب البون الشاسع في المواقف، وإصرار إسرائيل على فرض الاستسلام على حركة حماس، والرابع، هو الحرب الشاملة، وإسرائيل تلوّح بها حاليا للضغط على حماس وعلى الوسطاء، لكنّها قد تلجأ إليها لاحقا إذا أقنعت القيادة الإسرائيلية نفسها بأنها قادرة على تحقيق النصر. غزة تنزف وتستغيث وتستنجد بالأشقاّء العرب، فلا تخذلوها!
www.deyaralnagab.com
|