logo
حول إيلي كوهين وأحمد الشرع!!
بقلم : سهيل كيوان ... 22.05.2025

أكثر قصص الجاسوسية شهرة بين العرب وإسرائيل، هي قصة إيلي كوهين الذي عُرف باسم كمال أمين ثابت، والذي زُرع في سوريا عام 1962، كتاجر سوري عائد من الأرجنتين إلى وطنه، وبسرعة أصبح مقربا من الدائرة الضيقة الممسكة بزمام السلطة حتى كُشف أمره عام 1965 وجرى إعدامه في دمشق. في الأيام الأخيرة أعلن الموساد نقل أغراض تخص إيلي كوهين، قدرت بـ2000 غرض، من بينها مفاتيح شقته ووثائق مكتوبة، منها وصيته إلى زوجته، وقرار الحكم عليه وغيرها. أثارت عملية إعادة أغراض كوهين إلى يد الموساد، تساؤلات حولها، وكيف تمت، وما الثمن الذي دُفع مقابل هذا؟ البعض يرجح أنها كانت واحدة من شروط صفقة رفع العقوبات عن سوريا، التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب! قد يكون هذا صحيحا، وإذا كان هذا مقابل رفع عقوبات اقتصادية تمس حياة ملايين السوريين فلم لا؟ بل لم لا تعاد رفات إيلي كوهين إذا ما عرفت الحكومة الحالية مكانها، في إطار رفع العُقوبات، أو أي صفقة أخرى تعود بالفائدة على السوريين؟
كذلك ليس من المستبعد، أن هناك مسؤولا كبيرا من النظام السابق أو الأسبق يعرف مكان هذه الأغراض، وقبض ثمنا مقابل تسليمها، أو الكشف عن مكانها ثم نقلها. كل هذا جائز، إلا أن البعض ذهب إلى أن هذا يعزز نظرية، أن الرئيس أحمد الشرع في الواقع هو صناعة أمريكية – إسرائيلية، وأن وصوله السلطة لم يكن صدفة، بل جرى إعداده ودسه في صفوف «داعش»، ثم جبهة النصرة، فهيئة تحرير الشام، إلى أن أمسك زمام الأمور في سوريا، حسب الخطة. ويذهب البعض إلى أن الشرع هو مشروع إيلي كوهين جديد، ولكن هذه المرة بنجاح وصوله إلى رأس السلطة. كان آخر التصريحات، التي أمدت هذه التشكيكات بدفعة جديدة، هو حديث روبرت فورد السفير الأمريكي السابق في سوريا عن لقاءاته ومسؤولين أمريكيين بالشرع في المناطق المحررة مثل إدلب. وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني أوضح، أن هذه اللقاءات كانت مثل لقاءات كثيرة في المناطق المحررة، كان يزورها مسؤولون أجانب بهدف الاطلاع على ما يجري، وعلى تجربة الثورة السورية، ومن واكب أحداث الثورة السورية يذكر هذه اللقاءات والجولات.
*ملايين السوريين ممن ذاقوا ويلات النظام السابق، لن يفرطوا بالنظام الجديد، وسيدافعون عنه، فالتجربة ما زالت في بدايتها، ومن حقها أن تأخذ فرصتها لإثبات جدارتها أو فشلها
تأتي هذا الهجمة ضمن الهجمات الأخرى الكثيرة من جهات مختلفة، أكثرها يهدف إلى شيطنة الشرع، على أمل استعادة التجربة الانقلابية على الدكتور محمد مرسي في مصر. من خلال التشكيك به، وإبراز عجز الحكومة السورية الانتقالية عن تقديم الأساسيات الحياتية للشعب السوري من عمل ومواد أساسية، وإظهار الوضع على أنه كما كان من قبل، وأن الذي أردنا التخلص منه عاد إلينا بثوبٍ جديد. بعض الهجمات على الشرع ترتدي أقنعة المطالبة بديمقراطية غير قابلة للتأجيل، ولا حتى للتفاوض، ولا لمرحلة انتقالية، يريد هؤلاء تعددية حزبية وحريات مُطلقة على طريقة دول أوروبية تعيش تجارب ديمقراطية، بدأ بعضها منذ القرن التاسع عشر، وبعضها تأسس بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، وبعضها عزز ديمقراطيته بعد سقوط الفاشية والنازية في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، وولد بعضها بعد انهيار منظومة الدول الاشتراكية التي بدأت عام 1989 وحتى تفكك الاتحاد السوفييتي عام 1991. بعض المطالبين بالديمقراطية في سوريا صادقٌ في نواياه وتوجهه، وهذا حقٌ، وهذا ما يحلم به كل إنسان متنور لسوريا، ولكل الوطن العربي، الحريات الشخصية، وفصل الدين عن الدولة، وأن تكون حقوق الفرد هي محور هذه الديمقراطية، ومساواة الجميع تحت قوانين مدنية واحدة، من هؤلاء من ناضلوا ضد النظام السابق، كل من موقعه، بتضحيات أقل أو أكثر، ولأجل هذا الهدف نزفت دماء وأرواح مئات آلاف السوريين، وأودع مئات الآلاف في السجون. لكن البعض يطلق شعار الديمقراطية، الآن وليس غدا بهدف واحد ووحيد، هو إسقاط نظام الشرع وحكومته، ووصف البلاد بتورا بورا وقندهار، يرافق هذا تزييف حقائق تجري على الأرض، مثل تلقف حادثة حب بين شاب وفتاة من طائفيتين مختلفتين، وادعاء اختطاف الفتاة وبيعها كجارية، وهذا تلفيقٌ واضح، دحضته الفتاة نفسها. ما يفعله هؤلاء، هو تلاعب غير مسؤول بالنار، لأن إسقاط الحكومة الانتقالية بالتخريب والدعايات السامة سيؤدي إلى فوضى، وتجدد الحرب الأهلية التي لن ينجو من لهيب نيرانها أحدٌ، مع التأكيد على أن ملايين السوريين ممن ذاقوا ويلات النظام السابق، لن يفرطوا بالنظام الجديد، وسوف يدافعون عنه بكل ما أوتوا من قوة، خصوصا أن التجربة ما زالت في بدايتها، ومن حقها أن تأخذ فرصتها لإثبات جدارتها أو فشلها. ماركو روبيو وزير الخارجية الأمريكي حذر في جلسة استماع أمام مجلس الشيوخ الأمريكي من حرب أهلية وشيكة، وأن سقوط نظام الشرع سيؤدي إلى تقسيم سوريا، جاء هذا في سياق جلسة استماع أمام مجلس الشيوخ، لدفع عملية رفع العقوبات التي يحتاج بعضها موافقة مجلس الشيوخ الأمريكي، ولا يكفي قرار الرئيس ترامب وحده. تأتي هذه التصريحات لتسريع عملية رفع العقوبات عن سوريا قبل فوات الأوان، ومن ضمنها دعوة الحكومة السورية إلى إنهاء التحقيق ومحاسبة الفئات التي ارتكبت تجاوزات في أحداث الساحل السوري قبل شهرين، والتي قُتل فيها أبرياء.
رفع العقوبات الأمريكية والأوروبية عن سوريا يعطي دفعة أمل قوية للاقتصاد السوري، وهذا يعني تغيير أحوال الناس إلى الأفضل، وأن أكثرية الشعب السوري سوف تساند الرئيس أحمد الشرع، ولن تفرط به وفي نهجه العملي لإخراج البلاد من محنتها. الديمقراطية لا تُبنى في ليلة وضحاها، ولا في بلد منهار اقتصاديا ومتقاطب طائفيا ومهددٌ بالتدخلات الأجنبية، ويرفض ملايين من مُهجريه العودة إلى بلدهم، لأنه ما زال مضطربا وغير آمن. الديمقراطية في صورتها المثالية ما زالت بعيدة، ولكن حتى لو جرت انتخابات، حسب نظام حزبي اليوم، فهل يتوقع أحدٌ فوز شخصٍ آخر غير أحمد الشرع؟ على أولئك المخلصين في دعوتهم إلى نظام ديمقراطي أن يصلوا إلى هذا الهدف، ضمن الدستور الجديد الذي يتيح إقامة الأحزاب السياسية، وأن يدلوا بمواقفهم وآرائهم ورؤاهم للتغيير الديمقراطي المنشود، من غير التحريض وبث الضغائن الطائفية والانقسامات. على من يريد الخير والتعايش مع أبناء بلده، أن يحجم عن التحشيد والتحريض الطائفي وعن الشتائم والإهانات والاستفزازات. هناك الكثير مما ينشر بصورة مقصودة لزيادة التحشيد الطائفي والمذهبي والتوتر ونكء الجراح، الكثير منه ليس من السوريين، بل هنالك مجموعات ذبابية تريد بالسوريين وسوريا شرا، وهناك أيد عابثة تتحرك في الظلام لزرع الفِتن مثل منشورات تدعو المسيحيين لاعتناق الإسلام وإلا.. وغيرها.
قبل يومين وبمبادرة الأمن السوري العام أزيلت لافتة عن أحد المكاتب كُتب عليها «سوريا في القمة، هنا وعدتَ وصدقتَ في وعدك وعهدك أيها القائد». أزيلت اللافتة منعا للعودة إلى شعارات تقديس الفرد. من يفتقد للثقة بنفسه يحتاج إلى مشاهدة الجماهير ترفع صورته وتنشئ له التماثيل في الساحات وتهتف له برضاها، أو مُرغَمة، أما الواثقُ من نهجه ونفسه وجمهوره، فلا يحتاج إلا لتعاون الجميع بروحٍ من الصدق والمسؤولية والتراحم فيما بينهم، وبث روح المحبة بدلا من الكراهية والشيطنة والصهْيَنة، حتى بلوغ البلاد والشعب إلى نقلة نوعية في الديمقراطية العميقة والراسخة، التي لا تزعزعها العواصف والمِحَن، ولا تختطفها نرجسيةٌ أو جنونُ عَظمةٍ لدى هذا القائد أو ذاك.


www.deyaralnagab.com