logo
الإسبارطيّ!!
بقلم : سهيل كيوان ... 18.09.2025

«الإسبارطي»، يصلح عنواناً لفيلم سينمائي، قد يكون كوميدياً من بطولة محمد سعد، وقد يكون تراجيدياً من بطولة يحيى الفخراني.
خلال مؤتمر لمديري الحسابات العامة، طالب نتنياهو المطلوب للعدالة الدولية، المجتمع الإسرائيلي بأن يكون «سوبر إسبارطة»، تلك المدينة التي تأسست في القرن التاسع قبل الميلاد.
سبب تشبيهه هذا هو أن إسرائيل مثل إسبارطة القديمة، معزولة ومحاطة بالأعداء، وهناك دعوات كثيرة لمقاطعتها، ولهذا لا بد من الإسبارطية، أي الاعتماد أكثر على الذات.
كان الإسبارطيون يربّون أبناءهم على شظف العيش والقسوة، ويجلدونهم في طفولتهم المبكرة، كي يعتادوا على الألم والتحمّل والصّبر. يعني طفولة محرومة من الحنان والدّلال.
كذلك كانوا يجعلونهم في جيل 12 إلى 18 يعيشون على السّرقة، وذلك لتنمية الاعتماد على الذّات والجرأة والمخاطرة وتعلّم التخطيط والاعتماد على النفس في تحصيل القوت، وكانوا يعاقبون من يُكشَف، ليس لأنّه سرق، بل لأنّه لم يعرف كيف يخفي ما قام به.
الحقيقة أنّ سوبر إسبارطة التي يتحدّث عنها نتنياهو ليست محاطة بالإعداء كما يزعم، بل إنّه من العَيْب والنكران والجحود أن يدّعي مثل هذه الفرية على جيرانه.
ربما يمكن القول إنّها كانت في يوم ما محاطة بالأعداء ولفترة وجيزة جداً من عمرها، ولكنها اليوم محاطة بدول صديقة، ترتعب قلقاً من مجرّد زعل إسبارطة عليها.
أكثر هذه الدول «المعادية» تقيم علاقات دبلوماسية مباشرة أو غير مباشرة معها، ولديها تبادل اقتصادي وتجاري يرتفع عاماً بعد عام، حتى في عامي إبادة الفلسطينيين لم يتغيّر عليها شيء يُذكر.
هناك تنسيق أمني متواصل مع هؤلاء «الأعداء»، وعلى رأس هذا هو التّنسيق الأمني و»محاربة الإرهاب»! بمعنى آخر، حماية إسبارطة من أي عمل عدائي، حتى ولو كان تحت مسمى مقاومة الاحتلال.
إسبارطة ليست محاصرة، العكس صحيح؛ هي التي تحاصر وتهدّد كلّ من هم حولها، حتى الأوادم والمحترمين والمسالمين الذين يعلنون في مناسبة وبلا مناسبة استعدادهم لتلبية كل رغباتها، بشرط بسيط فقط، لا تبيدوا الفلسطينيين. ما تفعليه يا إسبارطة لم يفعله الهكسوس في مصر، أنت أقرب إلى التتار والمغول بأفعالك.
جيرانها يرجونها «لا ترمي علينا موجات جديدة من اللاجئين، وستجديننا إن شاء الله من الحلفاء الشّاكرين.
رجاء يا إسبارطة، دعك من التّهديد بإعادة النظر باتفاقية الغاز مع أم الدنيا، ولا باتفاقية الماء مع الأردن، ولا تمزّقي سوريا إرَباً، واتركي لنا متّسعاً من الوقت لتجريد المقاومة اللبنانية من سلاحها، ونحن نتكفّل بأمنك وحماية حدودك.
رجاء، اتركي لنا فقط « فتحة عين» أمام شعوبنا، لنقول ونكون صادقين بأنّنا لسنا شركاء في إبادة غزّة، ولسنا شركاء في طرد شعبٍ عربيٍ من وطنه، لأنّ هذا عارٌ بالفعل، سوف يُسجّل في التاريخ وسوف يراه أحفادنا.
رجاء يا إسبارطة، احترمي المقدّسات، وخصوصاً في القدس، هل نسيت المتّفق عليه منذ وادي عربة، رجاء نحن خائفون من هذا التكثيف للزّيارات بقيادة وزراء داخل باحات أولى القبلتين وثالث الحرمين. يا إسبارطة، هذا مكان مقدّسٌ جداً للمسلمين، ولن يتقبّلوا إقامة الهيكل الثالث على أنقاضه، وننبّهك يا إسبارطة أنّ المسلمين ليسوا عرباً فقط، فالعرب ممكن التفاهم معهم كيفما اتّفق، أما المسلمون من غير العرب، فقد يكون رأيهم آخر.
صحيح أن إسبارطة تمتلك السّلاح النووي، ولكن هل ستبيد عشرات ملايين البشر كي تبني هيكلها؟
يا إسبارطة، عيبٌ عليك أن تقولي إنّك محاصرة بالأعداء، بينما جيرانك لم يسمحوا حتى بمظاهرات تقترب من سفاراتك، أو بمثل تلك التي تجري في أوروبا وأستراليا وكندا! احمدي ربّك على هكذا جيران! هرتسي هليفي رئيس أركان جيش إسبارطة السّابق، يقول إن ما قُتل حتى الآن في قطاع غزّة ليس أقل من 200 ألف إنسان، فاتقي الله يا إسبارطة بجيرانك الذين لم يفعلوا أمام هذه الأهوال سوى الاستنكار ومطالبة المجتمع الدولي بإنقاذهم من جنونك.
أوروبا توبّخ سفراء وقائمين بأعمال، وتعيد النّظر بصفقات تجارية وصفقات سلاح وبمشاركات رياضية ومعارض دولية، حتى أستراليا البعيدة جداً تظاهرت أكثر من جيرانك، فكيف يا زعيم إسبارطة لم تستح من القول بأنّك محاط بالأعداء! ألا تخجل وقرارات سبعٍ وخمسين دولة يا دوب ذكرت الإبادة التي تمارسيها؟ لم يبادر جيرانك العرب إلى محكمة الجنايات الدّولية، ولم يوبّخوا سفيراً لك، أقصى ما قالوه هو أنّ ما تفعلينه لا يخدم السّلام ولا أمن إسبارطة؟ يعني، غيرة عليك ولأجل مصلحتك!
ما زلنا نعلن ليلاً ونهاراً التزامنا بالاتفاقات الأمنية، يعني كل المعلومات التي نعرفها عن تحرّكات قادة المقاومة نقدّمها لك ومن أعيننا. هذا يعني أنّنا لن نسمح بتهريب قطعة سلاح واحدة، يا إسبارطة التهريب من عندك، من داخل معسكرات الجيش، صدّقينا نحن نريد مصلحتك.
إسبارطة المزعومة تحتل مكانة متقدّمة على الصعيد الاقتصادي على مستوى العالم من حيث دخل الفرد، وأكثر من 85% من الإسبارطيين يسافرون سنوياً للنقاهة خارج إسبارطة!
وحوالي 10% من سكان إسبارطة يحملون جنسيتين وجوازي سفر.
وهي تصدّر السّلاح المتقدم، وخصوصاً في المجالات الإلكترونية إلى كلِّ جهات الأرض، وتبيع الخبرات العسكرية لمن يطلبها، مثلما تبيع البرازيل القهوة، وكما تصدّر مصر المُعلّبات والعصائر الفاخرة.
نتنياهو يريد أن يقنع الشعب الإسرائيلي أنه في حالة خطر وجودي حقيقي ومباشر، ولهذا فعليه أن يكون سفاحاً، أن يقتل بلا رحمة، أن يهدم المُدن، أن يستولي على أراضي الآخرين ومقدّراتهم بدون أي إحساس بتأنيب ضمير، فهو محاصر ويدافع عن نفسه.
يطلب نتنياهو من الشعب الولاء الأعمى وتنفيذ الأوامر من غير تردّد.. اسحق من يحاول أن يقف في طريقك.
يريد نزع الشّرعية حتى عن معارضيه داخل مجتمع إسبارطة نفسه.
لم يأت نتنياهو بجديد، فالمجتمع الاسرائيلي يقدّس العسكرية، ويرى قيمة الإنسان من خلال خدمته العسكرية وعدد الشّرائط أو النجمات على كتفه.
التربية الإسبارطية تعني لا للحوار، لا لفلسفة أثينا، لا للأخلاق، لأنّ الحوار والفلسفة يعني البحث عن الحقيقة، عن عمق الظواهر، عن أسباب ومسبّبات ما حدث ويحدث، وهذا خطير.
الإسبارطي يريد قطعاناً من اللصوص والقتلة والمجرمين، فهو يملك فائضاً كبيراً من القوة، وهناك قوة عالمية عمياء بلا أخلاق تدعمه، ولأنّ هناك أنظمة ترتعب من مجرّد ذكر اسمه.
يسعى نتنياهو لشرعنة جرائم الحرب كدفاع عن النفس، وهذا يشمل نهب السّيولة النّقدية والذّهب وكل ثمين من متاجر ومصارف ومحلات صرافة وبيوت الفلسطينيين.
يطالب قطعان إسبارطة بمواصلة نهب المحاصيل الزراعية، وردم الآبار وقتل الحلال وتخريب الممتلكات، وطرد الناس من بيوتهم بلا أي تأنيب ضمير. نتنياهو وعلى طريق تحقيق حلم إسرائيل الكبرى، يحتاج إلى المجتمع الانضباطي المطيع الذي لا يناقش الدكتاتور في قراراته.


www.deyaralnagab.com